31-ديسمبر-2021

مركز التلقيح بولاية البليدة (تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

منذ بدء الأزمة الوبائية اعتمدت وزارة الصحة من خلال مكتب المتابعة الإعلامي الممثل باللجنة العلمية المكلفة برصد ومتابعة كورونا في الجزائر كلمة "حالة" أي عدد الإصابات والوفيات والمتكفّل بهم في المستشفيات التي تسجّلها يوميًا من بين تعداد المصابين بهذا الفيروس الخطير، في المقابل استثمر القاموس الإعلامي في مختلف وسائل الإعلام الجزائرية في العبارات نفسها خلال فترة الوباء أي منذ نهاية شبّاط/ فيفري 2020 فترة اكتشاف أوّل الإصابات إلى يومنا هذا، بأنّ الأشخاص المصابون بالفيروس أو الأفراد المرضى هم "حالة" و"حالات" دون الالتفات إلى وقعها مع امتداد زمن الوباء.

باحث جزائري: المريض ليس حالة .. المريض إنسان بحاجة إلى عناية أكثر

المريض ليس حالة 

لفت أستاذ الإعلام والاتصال من كلية الاعلام بجامعة مستغانم غرب الجزائر سعيد باعلي في إحدى تدويناته على وسائل التواصل الاجتماعي إلى جزئية مهمة وبسيطة في آن واحد من الكلمة التي ذكرها ممثل طلبة الطب في حفل تخرجهم بالجامعة التي جاء فيها: "المريض ليس حالة .. المريض إنسان بحاجة إلى عناية أكثر..".

اقرأ/ي أيضًا:  كورونا في الجزائر..مجرّد إحصائيات ترتفع وتنخفض؟

تفتح هذه الجزئية المذكورة من طالب كلية الطبّ الكثير من نوافذ الألفاظ المستعملة في الإعلام الجماهيري والاتصال البيئي والصحّي أيضًا، إذ يمكن بذلك تعميمها على مختلف التخصّصات الصحية والاجتماعية، من المصابين بفيروس كورونا وغيرهم من الأوبئة والأمراض إلى الأشخاص ذوي حقوق اجتماعية كالأيتام والأرامل والعائلات الفقيرة ومناطق الظلّ وغيرها.

في هذا المجال تتحدّث أستاذة علم النفس الاجتماعي بجامعة بوزريعة فريدة حساين لـ "الترا جزائر"، موضّحة أن الطبّ كتخصّص سامٍ ورفيع يتعامل مع أي شخص مريض بأنه إنسان وجب علاجه وإغاثته، وأن تخصص علم النفس وتخصّص علم الإنسان وتخصّص عل الاجتماع، تخصّصات تتعامل مع البشر كأشخاص وأفراد يلتقون جميعًا في مفهوم " الإنسانية"، خصوصًا من الناحية الإعلانية والاتصالية وعبر قنوات ومحامل الإعلام عمومًا وعلى وجه التحديد.

وترى الأستاذة حساين في إفادتها أن ما نشهده اليوم من وصف وتفسير وتحليل هو يدخل في خانة " تحقير وإذلال الإنسان" أو ما يطلق عليه بـ "الوصم النّفسي والاجتماعي" مفسّرة ذلك بالقول: "الوصم بكون المريض حالة" ماهي إلا وضعية تربِطه بمفهوم سِلبي لوضعيته الصحية، إذ بعد ذلك يصبح صورة سلبية أو وصف سلبي في أذهان محيطه، تقودهم إلى معاملته بـ"الدونية".

عملية تصنيف

ومن خلال هذا التعريف يتعرّض الموصوم خصوصًا فيما تعلق بوباء كورونا إلى "عملية التصنيف التي تعرّضه إلى معاملات سيئة"، حسب ما أفاد به أستاذ علم الاجتماع من جامعة وهران ياسين بوعجيلة لـ"الترا جزائر" لافتًا إلى أن تلك الوصمة أو العلامة، تؤدي بدورها إلى أن يشعر المريض بشعور سلبي أو سيء اتجاه نفسه، على حدّ تعبيره.

وأضاف الأستاذ بوعجيلة في هذا السياق، أن أساس المشكلة في توصيف كلمة "حالة" هي ليس سلوك المريض تجاه مرضه، بل بسبب ردود فعل المجتمع حِيال مرضه، وذلك "أشبه بمرض معدٍ يُبعد عنك الناس"، حدّ تعبيره.

نحن وهم 

وفي اتجاه أوفى، يلاحظ متابعون أن وصم الحالة للفرد المريض بفيروس كورونا تتفرّع على ستة أبعاد ذكرتها أستاذة الإعلام حنان المليتي بأنها تتعلق أولًا بـ "وصم الاختلافات والفروق"، وثانيًا إقران الوصمة مع الصّور النّمطية السلبية حيث تربط العامة الوصفات الاجتماعية والخصائص السلبيّة للأفراد المكوّنين للمجموعة الموصومة".

أما ثالث الأبعاد حسب إفادة المليتي لـ "الترا جزائر"، فيتمثّل في انفصال الأشخاص الموصومين عن بقية المجتمع بمعنى العزل أي وضعهم في فئات مميّزة لتحقيق الفصل بين الـ"نحن" والـ "هم". فيما يتعلق البعد الرّابع في ردود الفعل العاطفية تجاه الواصم والموصوم وخاصة مشاعر الغضب، والقلق، والخوف، والخجل والعزلة، ليأتي البعد الخامس الذي يتجسّد في خبرة التحيز وفقدان المكانة من قبل الموصومين، أمّا البعد السّادس والأخير فيتمثّل في القوّة التي تعتبر أساسيّة لعملية الوصم، حيث تعتمد الوصمنة على مدى الوصول إلى القوة الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية، التي تقود إلى تحديد الفروق وبناء الصور النمطية وعزل الأفراد الموصومين في فئات مميزة ورفضهم وعدم قبولهم واستبعادهم.

وأشارت المتحدّثة إلى أن الوصم عمومًا يكون حاضرًا عندما تحضُرُ عناصر الوصم والصور النّمطية والفصل والعزل وفقدان المكانة والتحيُّز وعندما تحدّث جنبًا إلى جنب في موقف قوة.

عُزلة

من زاوية أخرى، تطرّق مهتمون بالوصم الاجتماعي إلى أحد التخصّصات الأكاديمية الذي لازال حبيس دفات الكتب وبعض الجامعات في الجزائر، يوسم بـ "علم الاجتماع الوبائي" وهو تخصّص قليلًا ما يلجأ له الإعلاميون في كتابة تقاريرهم وأبحاثهم وتحقيقاتهم، إذ يستحقّ جهدًا كبيرًا حسب ما أدلى به البروفيسور علي عمارة في إفادته لـ " الترا جزائر" لافتًا إلى أن الأوبئة والفيروسات تمثّل في شقّها الإنساني تحدّيا للمنظومة الاجتماعية، على حدّ قوله.

وعزا البروفيسور عمارة وهو مختصٌّ في علم الاجتماع الانسان التحدي إلى كونه يفرض على المجموعة أو المحيط بشكله البسيط في الوضعية الوبائية إلى "التحوّل من الاستجابة الجامعية إلى الاستجابة الفردية على اعتبار أن الوباء يفرض على الفرد العزلة".

وفي هذا السياق فإن العزلة أو الانسحاب من الجماعة في الوضعيات الوبائية تفرض بدورها أو تطرح استفهامات كبرى اتفق عليها المختصون، -حسب تصريح الأستاذ عمارة – تتعلق أساسًا بسؤال الوصم والخوف والذعر والأخلاق والدعوة لتصرف مستجدّ، حسب تعبيره.

من هذا المنظور العلمي فإن كلّ مريض أو مصاب يمرّ بالذعر والخوف والوصم والأخلاق وكيف ستكون ردود أفعاله والتكيف مع الوباء.

رهاب اجتماعي

إعلاميًا، تذكي وسائل الإعلام سواءً كانت عن قصد أو دون قصد انتشار الصوم الاجتماعي بالدرجة الأولى، ما يؤدّي بالكثيرين على مستوى اختلاف وضعياتهم الصحية والاجتماعية إلى "الإصابة برهاب اجتماعي"، كما وصفته أستاذة الإعلام والمجتمع حياة بن دادة.

وأضاف المتحدثة لـ "الترا جزائر" أن التصدّي للوصم الاجتماعي يكون عبر توظيف مفردات وعبارات تبتعد عن الوصف بأنه "حالة" بل هو مرض إنسان وجب علاجه، مشدّدة على أن "الحالة" كوصمة تجعل من المريض يخفي مرضه ولا يتفاعل مع الخطة الصحية العلاجية العامة.

حياة بن دادة: تحديث القاموس الإعلامي الذي يستعمله الصحافيون أثناء الحديث عن مثل هذه الأوضاع الصحية الوبائية وتغطيتها والتعاطي معها

 ودعت الأستاذة إلى تحديث القاموس الإعلامي الذي يستعمله الصحافيون أثناء الحديث عن مثل هذه الأوضاع الصحية الوبائية وتغطيتها والتعاطي معها، لأنّها تشكّل صورة نمطية تكلّف الكثير من التّعقيدات الصحية في المستقبل وباهظة التكاليف، خصوصًا وأن "الحالة" من المنظور الضيق للاستعمال اليومي للإحصائيات الرسمية وراءها إنسان يحتاج العلاج أولًا والعناية ثانيًا والإحاطة النّفسية ثالثًا.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

صنهاجي: الموجة الرابعة في بداياتها والحجر الصحي واردٌ جدًا

تحسبًا للموجة الرابعة.. توفير أزيد من مليوني علبة "لوفينوكس"