"إيهيه، ماني ماني، لي قاريه الذيب حافظو السلوقي.." شارة باللهجة العامية خاصة بالعمل الفكاهي "ماني ماني" الذي أنتجته محطة التلفزيون الجهوي قسنطينة، وأمتع الجزائريين سنوات التسعينيات من القرن الماضي يوم كانت آلة "الإرهاب" زمن العشرية السوداء تقتل وتثير الرعب في كل مكان.
"ماني ماني" سلسلة كوميدية من إخراج عزيز شولاح، وحوار عزيز عجابي، برزت بشكل لافت في رمضان خلال التسعينيات ولا تزال عالقة في أذهان الجزائريين الذين يعتبروها من "إبداعات" و"تحف" الزمن الجميل
"ماني ماني" سلسلة كوميدية من إخراج عزيز شولاح، وحوار عزيز عجابي، برزت بشكل لافت في رمضان خلال التسعينيات ولا تزال عالقة في أذهان الجزائريين الذين يعتبروها من "إبداعات" و"تحف" الزمن الجميل، ويحنون إلى زمنها، كما يحنون إلى تلك الأعمال الكوميدية الرائعة التي حققت شهرة واسعة وأسرت قلوب الجزائريين مثل سلسلتي "أعصاب وأوتار" و"بلا حدود" وبرنامج الكاميرا الخفية "هاجو لفكار".. وغيرها.
كوميديا واقعية
في قالب فكاهي وسخر، عالجت سلسلة "ماني ماني" قبل أكثر من 3 عقود عدة قضايا في المجتمع الجزائري، كما تطرقت إلى هموم المواطن وانشغالاته ويومياته مع مواكبتها للتغيرات التي تحصل في المجتمع مثل تناولها موضوع "اقتحام" الهوائيات المقعرة (البارابول) وتأثيره على العائلات والمحيط الاجتماعي والأسر الجزائرية التي أصبحت تشاهد قنوات عربية وأجنبية غير قنواتها الجزائرية في تلك الفترة، أي أنّ هذه السلسلة وأعمال أخرى كانت أقرب إلى المواطن، بل كان صوته، ومرآة واقعه.
المخرج عزيز شولاح، صرّح عام 2017 في حوار لجريدة "النصر" (حكومية)، قائلا عن "ماني ماني" قائلا إنّ "السلسلة جاءت بعد "أعصاب وأوتار" لمخرجها محمد حازورلي والتي حققت نجاحا منقطع النظير، لكن اختفت، لذلك تقدم بمشروع السلسلة وعرضه على محطة قسنطينة الجهوية (التلفزيون)، لتعويض الفراغ الذي تركته "أعصاب وأوتار" رغم إدراكه بصعوبة المهمة بالنظر إلى نجاح الأولى.
شولاح، أوضح أنه اختار "ماني ماني" عنوانا لعمله الكوميدي، لكن بالنسبة لطاقم العمل، فبقي نفسه، حيث ضم الممثلين أنفسهم الذين أبدعوا في "أعصاب وأوتار"، وبالتالي تحقق النجاح وتواصل طوال أجزائها، فأمتع الجمهور الجزائري بمختلف القضايا التي عالجتها السلسلة مثل السكن، الماء، العمل،..وخاصة والقضايا الجديدة التي طرأت على المجتمع على غرار "الصحن اللاقط" (جهاز الاستقبال) أو ما يعرف في المجتمع الجزائري بـ"البارابول".
وأشار المتحدث شولاح في تصريحه إلى أنّ "الجزائري عندما يشاهد الأعمال التي أخرجها من بينها "ماني ماني" أو فيلم "ريح تور" فإنه يرى نفسه عبرها، على خلفية تطرقها للمشاكل التي يعاني منها في يومياته مع حافلات النقل، والسكن، وغيرها من خلل قصة عائلات بسيطة وجيران بسطاء يعيشون في حي سكني واحد، تختلف ظروفهم من عائلة لأخرى، لكن تحدث بينهم خلافات ومناوشات.
لماذا نجحت "ماني ماني"؟
جمالية السلسلة على صعيد المحتوى والقالب الفكاهي المميز الذي قدمت به للمشاهدين في زمن الموت، عامل من عوامل نجاحها الباهر وسر من أسرار بقائها راسخة في أذهان أغلب الجزائريين، بحيث لطالما أمتعتهم وأضحكتهم خلال الشهر الفضيل في وقت كان الموت وصوت الرصاص يخيم على البلاد، كما أنّ لأبطالها الذين "تسيّدوا" المشهد في تلك الحقبة إلى جانب فنانين آخرين، دور هام في استمرارها لسنوات وتمكنها من كسب قلوب المئات في المجتمع، بل بقوا محافظين على حبهم لها وتعلقهم بها، يراودهم الحنين إليها بين الفنية والأخرى، بل يتمنون عودتها ولو أنّ ذلك غير ممكن بالنظر إلى وفاة بعض من صناعها الذين كتبوا ذكريات وسجلوا أسماءهم بأحرف من ذهب في ريبرتوار الفن الجزائري وخاصة الكوميدي.
والأسماء التي صنعت مجد "ماني ماني" بعفويتها وذكائها وبساطتها والتنسيق فيما بينها، هم الراحل رشيد زيغمي الشهير بـ"عنتر المالادي"، رشيد الطاكسيور (علاوة زرماني)، نورالدين بشكري الشهير بـ"السايح البوسطاجي، حسان بن زراري، المرحوم كمال كربوز (بشير القهوجي)، إضافة إلى فطيمة حليلو وسليم خرشي المعروف بـ"روكي البزناسي"... إلخ.
ورغم التطور الملفت على مستوى التقنية والتنوع في الإنتاج في الساحة الفنية الجزائرية مسلسلات درامية وكوميدية، إضافة إلى المبالغ المالية "الكبيرة" المرصودة لعمليتي الإنتاج والتصوير وأجور الممثلين، إلاّ أنّ جلّ ما أنتج من أعمال فكاهية في السنوات الأخيرة لم يستطع أن يأسر المشاهدين بقصصه ولم يترك أثره وسط المشاهدين، باستثناء بعض الأعمال مثل "عاشور العاشر"، "ناس ملاح سيتي"، "ناس السطح".. وغيرها.