31-أغسطس-2022
امرأة من ضحايا مجزرة قرية رايس بسيدي موسى سنة 1997 (الصورة: أ.ف.ب)

امرأة من ضحايا مجزرة قرية رايس بسيدي موسى سنة 1997 (الصورة: أ.ف.ب)

قبل أسابيع استحسنت مكوّنات المجتمع السياسي في الجزائر تصريحات الرئيس عبد المجيد تبون تخصّ حلّ ملفّ سجناء التسعينات، إذ اعتبرها البعض خطوة نحو طيّ صفحة مؤلمة في فترات من زمن الأزمة التي مرّت بها البلاد، ومازالت تجني تبعاتها السلبية، إذ كانت كلّ الأطروحات تتوقّع توجّه الرئيس إعلان قانون خاص بهم من أجل العفو عنهم، ثمّ عرضه على البرلمان في إطار مبادرته السياسية "لمّ الشّمل"، غير أنّ مخرجات مجلس الوزراء الجزائري الأخير فاجأت كثيرين وخالفت بعض التوقّعات.

يرى قانونيون أن ملف سجناء التسعينات بسبب انتمائهم للجماعات المسلحة يحتاج أن يفرد له إجراء قانوني آخر

وأمر الرئيس عبد المجيد تبون الحكومة في إطار مجلس الوزراء "بإعادة النّظر في مشروع هذا القانون، وحصر الفئة المستفيدة منه فيما تبقّى من الأفراد الذين سلّموا أنفسهم، بعد انقضاء آجال قانون الوئام المدني"، بعد مارس/آذار 2006، وبذلك فإن هذا النصّ سيستثني بعض الفئات على رأسها سجناء التسعينات من كوادر وناشطين وعسكريين اتّهموا بالانتماء إلى "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" المحظورة والجماعات المسلّحة وعددهم 60 سجينًا، إضافة إلى السياسيين المعارضين المتواجدين في الخارج من بينهم قياديين سابقين في الجبهة المحظورة.

قرارات

جدّد بيان للرئاسة عقب اجتماع مجلس الوزراء أهمية مشروع قانون "لم الشّمل"، في خطوة نحو تعزيز الوحدة الوطنية، وبذلك يطرح هذا القرار عدة تساؤلات متعلّقة بسبب هذه الخُطوة السياسية من قِبَل الرئيس تبون، إن كانت تراجعًا من الرئيس في طريقة حلّ أزمة المساجين السياسيين في إطار الأزمة الأمنية أم سيكون هناك قرار في هذا المضمار مستقلّ عن مشروع قانون مبادرة لمّ الشّمل نظرًا لخصوصية الملفّ؟

 يعتقِد متابعون للشّأن السياسي في الجزائر، أن قانون "لمّ الشّمل" لن يخرج عن إطار فكّ ملفات الأزمة الأمنية الحارقة التي عاشتها الجزائر منذ التّسعينيات، تستهدف تفعيل إجراءات قانونية لتحفيز المسلحين من المنضوين تحت ما كان يسمّى بـ"جيش جبهة الإنقاذ" إلى وضع السّلاح، ورأب الشّرخ الذي عمّر طويلًا، ومازالت آثاره لحدّ الآن.

كما تعتبر هذه المبادرة أحد خطوات المعالجة القانونية لعديد القضايا المرتبطة بالإرهاب، وذلك ما يعني أنها ستكون أحد حلقات مسار الحلّ في إطار توحيد صفوف الجزائريين.

خطوة وراء خطوات

كانت أول خطوة اتخذتها الجزائر إبان فترة حكم الرئيس الأسبق اليامين زروال، إقرار "قانون الرّحمة" سنة 1994 الذي شمل إجراءات وتدابير عفو حين تسليم المسلحين أنفسهم للسلطات الأمنية، وهو القانون الذي فسح المجال أمام عودة عناصر الجماعات المسلحة إلى التخلي عن العمليات الإرهابية وحضن المجتمع.

وفي خطوة ثانية في هذا السياق، أقرّ الرئيس الرّاحل عبد العزيز بوتفليقة قانون الوئام المدني بعد استفتاء شعبي في أيلول/سبتمبر عام 1999، كخطوة نحو التّسوية القانونية لعناصر الجماعات المسلّحة تحت مسمّى: " العفو" الذي استفادت منه عديد الجماعات المسلّحة آنذاك، وصل عددهم إلى أكثر من سبعة آلاف مسلّح تركوا الجبال وسلّموا أنفسهم للجهات الأمنية.

ولم تتوقّف هذه التدابير في هذا القانون، إذ لم يكن مستوعبًا لمختلف المشاكل التي افرزتها الأزمة الأمنية ما استدعى إلى إصدار قانون " المصالحة الوطنية" وُصِف آنذاك بالأشمل بعد عرصه على الاستفتاء في العام 2005، احتوى على تدابير العفو عن المسلحين الذين سلموا أنفسهم للسلطات الأمنية في ظرف ستة أشهر، وفي المقابل من ذلك تسوية مختلف الأوضاع الإدارية الخاصة بالتائبين، فضلًا عن تقديم منح في شكل تعويضات لفائدة عائلات المفقودين وضحايا الاختفاء القسري وكذا عائلات الإرهابيين المقتولين.

ثغرات قانونية

رغم، هذه القوانين التي كانت سببًا في عودة الكثير من العناصر الإرهابية إلى حضن المجتمع، إلا أنّ حالات كثيرة لم تستفيد من المصالحة الوطنية التي حدّدت لها مهلة للاستفادة أولًا من تلك التدابير، أو إبقاء الكثيرين ممن تركوا السلاح معلّقين في إجراءات إدارية عطّلت حياتهم اليومية، ما جعل البعض ينتظر إجراءات جديدة أو ما يسمّى بالاستثناءات، وهو ما سيكرّسه قانون "مبادرة لمّ الشمل".

ويرى أستاذ العلوم السياسية عبد الله نجاري من جامعة الجزائر أن القانون المنتظر الإعلان عنه سيكون وسيلة لسدّ الثغرات القانونية التي "تكبّل" بعض الأشخاص ممّن سبق لهم أن استفادوا من قوانين الرّحمة والمصالحة الوطنية، لافتًا في إفادته لـ"الترا جزائر" إلى أنه سيكون خطوة نحو تفكيك الألغام التي تداعت من أزمة أمنية صعبة، إذ ترتّبت عنها الكثير من المخلّفات السيئة والمرهقة على عديد الفئات.

في هذا الإطار، ردّ المتحدّث، بأن الكثير من الفاعلين في السّاحة السياسية والقانونية خصوصًا، يتوقّعون أن يكون القانون المنتظر شاملًا من حيث وضع إجراءات تشمل مختلف الفئات الناتجة عن الفترة الأمنية، غير أنه يتضح جليًا اختلاف في رؤية طريقة حلّ هذه الملفات العالقة من قبل السلطات الجزائرية وسبل تنفيذها.

ولم ينف نجادي وجود عدة آراء حيال طريقة حلّ ملف سجناء التّسعينات فضلًا عن السياسيين في الخارج كأهمّ ملف، إذ أشار إلى أن السّلطة الحالية ترى في العملية تحتاج إلى موقف سياسي للقائد الأعلى للبلاد وليس لقانون يعرض على البرلمان.

حالة استثنائية.. حلّ خاص

في سياق حلّ مخلفات الأزمة الأمنية، يعتبر السّند القانوني العائق الأكبر، خاصة في مقارنة بين الخطوات التي استخدمها كلّ من زروال وبوتفليقة، إذ من المنطقي بحسب قراءة القانونيين أن يكون ملف سجناء التسعينات بسبب انتماءاتهم للجماعات المسلحة يحتاج أن يفرد له إجراء قانوني آخر، أو ما يمكن تسميته بـ" قانون خاصّ" يقرّره الرئيس تبون بحسب صلاحياته الدستورية.

وقال المحامي علي تريعة أن هذا الملفّ بالذات يستحقّ أن يدرس بحلّ نهائي ضمن آلية تخصّ الرئيس عن طريق عفو رئاسي، وليس تدابير، خصوصًا وأن الدستور يمنح للرئيس الحقّ في ذلك.

وواصل محدث "الترا جزائر" أن  عدد المساجين معروف لدى السّلطات، فيما تبقى حالات النّاشطين السياسيين في الخارج يمكن دراستها حالة بحالة ولا تشمُلها القوانين، مشيرًا إلى أنه "لا يمكن لأن تفرد لكل قيادي في الخارج أو ناشط سياسي قانون خاص به".

قرارات السلطة بحاجة إلى عدة إجراءات قانونية لغلق ملف العشرية السوداء بشكل نهائي 

عمومًا، يبدو أن قرارات السّلطة السياسية في البلاد لن تكون سهلة التّنفيذ في إطار واحد، بل متعدّدة الأطر القانونية التي ستمكن من استعادة الحقوق وإغلاق ملفات لازالت تؤرق الكثير من الهيئات على غرار طيّ صفحة من الماضي الألِيم، في سياق مشروع الرّئيس تبون من شأنه لملمة الطبقة السياسية وتقديم أمل بناء سياسي ينسجِم مع تعهّداته منذ انتِخابه على رأس الدّولة، ويسمح أيضًا في استِعادة الثّقة في الساحة السياسية وفسح المجال أمام إقلاع التّنمية والتحرّر من ملفّات عالقة.