03-مارس-2020

رفع محتجون في الحراك الشعبي لافتات تطالب بمحاكمة بوتفليقة (أ.ف.ب)

يتّفق كثيرون، أن الآلاف الذين خرجوا للشارع منذ بدء الحراك الشعبي قبل سنة تقريبًا، طالبوا بمحاكمة رئيس الجمهورية السابق عبد العزيز بوتفليقة، حيث رُفعت شعارات ورُدّدت هتافات تطالب بمحاكمته، موجّهة أصابع الاتهام إليه، وتّهمه بإجهاض الحلم الجزائري لملايين الشباب، الذين كان أملهم معلّقًا في قشّة التغيير، وتحسين الأوضاع الاجتماعية وتوقّف الهجرة السرّية، وإحقاق دولة الحقّ والقانون، وحرية التعبير.

ما ترسّخ في أذهان الجزائريين هو أنّ بوتفليقة تمسّك بالحكم وتشبّث بفكرة أن يموت رئيسًا

قضايا الفساد أين الرأس؟

منذ بدء المحاكمات في حقّ مسؤولين سامين في الدولة الجزائرية، في فترة الحراك الشعبي، ظلّ السؤال الجوهري الذي يطرحه العام والخاص في الجزائر، هو من المسئول الرئيسي على كل هذه القضايا؟ أليس الرئيس السابق، باعتباره القاضي الأوّل في البلاد، هو المسؤول الأول على كل ما جرى خلال عشريتين من حكمه خلال أربع عهدات كاملة؟

اقرأ/ي أيضًا: أين بوتفليقة من محاكمات الفساد في الجزائر؟

يرى متابعون للشأن السياسي والقانوني في الجزائر، أن بوتفليقة الرئيس أحاط نفسه بأشخاص "عاثوا في السلطة فسادًا"، بحسب تصريح الحقوقي نذير بطاش لـ "الترا جزائر"، معتبرًا أنه "من العبث أن يكون اسم الرئيس غير متداولٍ ولو في مساءلة أخلاقية، تُتيح للجزائريين استشعار اشتغال العدالة الجزائرية بالعدل، وليس الكيل بمكيالين".

يظلّ الرئيس بوتفليقة، في الذّاكرة الجماعية للجزائريين، بصورٍ متعدّدة الأوجه؛ فرغم ظروف مجيئه للجزائر أو ظروف تمكينه من الحكم، واعتلائه رئاسة الجمهورية بقصر المرادية ذات نيسان/ أبريل 1999، إلاّ أن ما ترسّخ في أذهان الجزائريين، أنه تمسّك بالحكم، بل متشبث بفكرة أن يموت رئيسًا، حتّى وإن كان غير قادر على مواجهة رجالاته في الفترة الأخيرة من العهدة الرابعة (2014 - 2019).

 ورغم العارض الصحّي الذي كان يمنع بوتفليقة من التحدّث إلى شعبه في السنوات السبع الأخيرة، إلا عبر الرسائل والبيانات، وهي السنوات التي كانت عجافًا سياسيًا واقتصاديًا بفعل الفساد ومنظومة سميّت بالعصابة، وهو ما يجعله أخلاقيًا وقانونيًا، أهم قطعة في منظومة الفساد، خلال 20 سنة من حكمه.

عاد اسم رئيس الجمهورية السابق عبد العزيز بوتفليقة إلى الواجهة، في محاكمة رئيسي الحكومة عبد المالك سلال وأحمد أويحيى، موازاةً مع الدعوات التي وجهت لهيئة المحكمة باستدعائه للإدلاء بشهادته، والإنصات إليه في عديد القضايا المرتبطة بالفساد، اعتُبرت من طرف قانونيين بأنها "أقرب إلى الخيال منها إلى الواقع" يقول بطاش، موضحًا أن تلك القضايا، تمّت في عهده وتورّط فيها رجالاته من كبار المسؤولين والوزراء.

محاكمة رمزية

عودة الحديث عن استدعاء الرئيس بوتفليقة، للاستماع إليه في قضايا الفساد، بطلب من رئيس الحكومة الأسبق عبد المالك سلال، الذي يعدّ من رجالات الرئيس، وقادة حملاته الانتخابية، حيث انهار أمام القاضي، بقوله "إنّه من المفروض أن يُستدعي للمحكمة كشاهد، لأنه المسؤول عن كل ما حدث في حكوماته"، مضيفًا أن بوتفليقة كان مريضًا لكنه كان يُتابع كلّ صغيرة وكبيرة عبر شقيقه الذي كان يتولّى تسيير الحكم، فلماذا لا يُحاكم الرئيس ولو رمزيًا؟

وواصل رئيس الحكومة الأسبق "أنا كنت مجرّد وزير أوّل، أسهر على تطبيق برنامج الرئيس بوتفليقة، وهو المسؤول الأوّل سياسيًا، لأنّه هو من يصادق على البرنامج، أنا لست مسيّرًا للمشاريع، ومهمّتي التنسيق وتطبيق برنامج الرئيس، ومن المفروض أن يحضر بوتفليقة كشاهد".

أوراق تتساقط

من جانب آخر، حاول سلال استعطاف السلطة، وتبرئة نجل الرئيس تبون، المستفيد من البراءة مؤخّرًا، من قضايا الفساد التي تورّط فيها، ووصف ذلك بالمؤامرة التي استهدفت الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، عندما كان رئيسًا للحكومة في 2017، وقال للقاضي"كان هناك مسؤول كشف عن الفساد فقاموا بإهانته ومعاقبته، عبر إدخال ابنه إلى السجن، بسبب مواقفه حيال قضايا الفساد، ورفضه لتوسّع رجالات المال والأعمال المحسوبين على شقيق الرئيس السعيد بوتفليقة".

تصريحات سلال تفيد أن هناك " تفكّكًا لعقد أخلاقي بين رجالات الرئيس وبوتفليقة شخصيًا، وهو العقد الأخلاقي الذي أبرمته هذه الشخصيات النافذة، والتي شغلت مناصب عليا في قيادة البلاد، يمنعهم من الكشف عن تورّط الرئيس في قضايا فساد، وكذا مسؤوليته عن تلك الحقبة المظلمة، لأنّ اعرتافهم سيجعلهم يدفعون الثمن وحدهم في النهاية.

هنا، يتساءل الباحث في العلوم السياسية والقانونية عمار حني قائلًا: "هل تعني تصريحات سلال، أننا دخلنا في تقطع شعرة كانت تربط المتورّطين بالرأس، وهي الرئيس السابق بوتفليقة؟ وهو ما يحيلنا إلى التساؤل مجددًا: هل دخلنا في مرحلة انهيار هذا العقد؟".

الأستاذ حنّي، في تصريحه لـ "الترا جزائر"، يتساءل أيضًا إن كان انقطاع هذه الشعرة الرفيعة التي بالكاد لا زالت تربط الجهتين، ستسمح بالكشف عن كثير من الخفايا والحقائق التي ستزلزل الرأي العام، خاصّة وأن الرجال الملاحقين هم الصندوق الأسود للنّظام، على حدّ قوله.

استعطاف الشارع؟

في الشارع، ارتفعت عدّة أصوات منذ فتح ملفات الفساد، ونهب المال العمومي، تطالب بمحاسبة الرئيس السابق، وهي القضايا التي أدخلت الشارع الجزائري في تساؤلات كبرى، حول ملفّات تثبت تورّط الرئيس بوتفليقة، عن طريق تفويضٍ غير مؤسّس لشقيقه في التلاعب بأموال الشعب، وهو ما جعل العديد من الشخصيات السياسية الوازنة، تدعو إلى تحديد المسؤوليات في الأزمة التي تتخبط فيها الجزائر، وأيضًا مختلف الأصوات القانونية التي حمّلته المسؤولية المباشرة، لما تعرفه الجزائر من انهيار مالي، ولاستنزافٍ في المقدّرات المالية في الخزينة العمومية، وإنهاك عجلة التنمية وإحباط الجزائريين بشكلٍ عام، إضافة إلى تلك الحصانة السياسية التي منحها عبد العزيز الرئيس لشقيقه السعيد، لحمايته من المتابعة القانونية والعقاب والمحاسبة.

يرى متتبعون أن تصريحات سلال  زوبعة في فنجان، ومجرّد خطوة لذرّ الرماد في العيون

يبدو أن القضاء الجزائري، سيشهد فترة ساخنة في قاعة المحكمة، بسبب طلب سلال استدعاء بوتفليقة كشاهد، وهو ما يوحي بأن قادم الأيّام ستكشف عن رؤوس جديدة متورّطة في قضايا الفساد، لكن في قراءة أخرى، يرى البعض من المتتبعين لتلك القضايا، أن تصريحات سلال زوبعة في فنجان، ومجرّد خطوة لذرّ الرماد في العيون، في محاولة منه لشدّ انتباه الشارع الجزائري، واستعطاف جموع المتظاهرين الذين يخرجون كلّ جمعة وثلاثاء، بأن رأس النظام سيقف أمام القضاء وسيحاكم ولو رمزيًا.

 

اقرأ/ي أيضًا:

صورة بوتفليقة تنوب عنه في المحافل.. والجزائريون يسخرون من الصدمة

مناورة بوتفليقة حول الضمير الديني للجزائريين