ناقش مجلس الوزراء في اجتماعه الماضي، مشروع قانون يعدل الأمر المتعلق بالنقد والقرض، والذي يعول عليه للمساهمة في حلّ عديد المشاكل المالية التي أبقت النظام البنكي بعيدًا عن العصرنة التي يشهدها العالم، وخاصة ما تعلق منها برقمنة التعاملات المصرفية، وتنظيم الصيرفة الإسلامية.
أستاذ الاقتصاد سليمان ناصر: لو كان محافظ البنك المركزي يملك استقلالية القرار لما تجرأ الوزير الأول السابق اتخاذ قرار طبع النقود
وبعد سنوات من الانتظار، أقدمت الحكومة أخيرًا على تعديلات ينتظر أن تكون جوهرية لتحسين أداء النظام البنكي، ويتكيف مع الأهداف التي تقول الحكومة إنها تسعى إليها بخصوص الاستثمار وحركة رؤوس الأموال واستقطاب أموال السوق الموازية.
إصلاحات شاملة
قبل أيام، درست الحكومة في اجتماعها الأسبوعي للمرة الثانية المشروع التمهيدي لقانون يعدل ويتمم الأمر رقم 03 ـ 11 المؤرخ في 26 آب/أوت 2003، والمتعلق بالنقد والقرض، وذلك بهدف "إضفاء مزيد من الشفافية والاستقرار في مجال التسيير المالي للبلاد من خلال إدراج أدوات جديدة للسياسة النقدية من أجل تحقيق الأهداف الاقتصادية الكبرى".
وحسب بيان لمصالح الوزير الأول، ستشمل التعديلات التي سمتس قانون النقد والقرض عصرنة مهن تسيير البنوك وتكييف القانون مع الإصلاحات الشاملة التي يشهدها النظام المالي.
وقال أستاذ الاقتصاد بجامعة قاصدي مرباح بورقلة الدكتور سليمان ناصر لـ"الترا جزائر"، إن أهميّة تعديل قانون النقد والقرض تمكن في أهمية القانون ذاته، حيث يشكل أساس إصلاح النظام المصرفي الجزائري، بالنظر إلى أن مختلف القوانين المنظمة لعمل المؤسسات البنكية تنطلق من هذا القانون الذي لم يعدل منذ 2003، فهو مفتاح كل المعاملات البنكية.
في هذا الاتجاه، الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان الإثنين الماضي خلال افتتاح أشغال الندوة حول التحديات المستقبلية للبنوك المركزية "تهدف هذه المراجعة إلى تعزيز حوكمة النظام المصرفي، وتحسين شفافيته، مع منح مجلس النقد والقرض صلاحيات جديدة تمكنه من مرافقة التحولات التي تشهدها البيئة المصرفية، إلى جانب توسيع صلاحياته في مجال اعتماد البنوك الاستثمارية، والبنوك الرقمية ومقدمي خدمات الدفع، والوسطاء المستقلين، والترخيص بفتح مكاتب الصرف، فضلًا عن تعزيز دور اللجنة المصرفية كسلطة إشراف وباعتبارها هيئة قضائية إدارية".
استقلالية النظام البنكي
يشكل دور البنك المركزي جوهر الإصلاحات التي ستمس قانون النقد والقرض المنتظر عرضه في الأيام القادمة على البرلمان بغرفتيه.
في هذا السياق، قال الوزير الأول أيمن بن عبد الرحمان إن "الإدراك بأهمية بنك الجزائر، باعتباره رأس النظام المصرفي والقائم بالإشراف عليه، هو الذي دفع الحكومة، إلى العمل على تحيين الإطار القانوني لعمل بنك الجزائر، من خلال مراجعة الأمر رقم 03-11 المؤرخ في 26 آب/أوت 2003 والمتعلق بالنقد والقرض، المعدل والمتمم، بما يسمح بمواكبة المستجدات والاستجابة لمقتضيات الإصلاح الاقتصادي المنشود الذي يعزز أداء المؤسسات الاقتصادية ويضمن إطارا معيشيا كريما للمواطن".
وأشار بن عبد الرحمان إلى أنه "سيتم، من أجل تمكين بنك الجزائر من إرساء مهمته المتمثلة في الاستقرار المالي، استحداث لجنة الاستقرار المالي وتكليفها بالمراقبة الاحترازية الكلية وإدارة الأزمات".
إلى هنا، يرى الدكتور سليمان ناصر، أن التعديلات يجب أن تمس أيضًا سلطة محافظ البنك المركزي الذي يجب أن تكون له عهدة محددة بمدة زمنية مثلما كان في قانون 90/10، والتي كانت تتمثل في خمس سنوات قابلة للتجديد، قبل أن يتم التخلّي عنها في عهد الرئيس السابق الراحل عبد العزيز بوتفليقة، وهو ما أضعف دور البنك المركزي في المحافظة على التوازنات المالية، لأن محافظه معرض للإقالة كلما كانت آراءه لا تتماشى مع المسؤول السياسي.
وحسب أستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة جنوبي البلاد، فإنه لو كان محافظ البنك المركزي يملك استقلالية القرار كما يحدث في باقي الدول المتقدمة، ما تجرأ الوزير الأول السابق أحمد أويحيى على اتخاذ قرار طبع النقود، ولم تُمنح الملايير من البنوك العمومية لرجال الأعمال الفاسدين القابعين اليوم في السجون لحصولهم على قروض غير مستحقة، على حدّ قوله.
وبين الدكتور سليمان ناصر، أن ضعف سلطة محافظ البنك المركزي في العقدين الماضيين كان وراء تكريس منح القروض بالهاتف دون مراعاة للتوازنات المالية للمؤسسات البنكية.
تحيين السياسة النقدية
من جهته، يعتقد الوزير الأول أن التعديل المرتقب "سيسمح باستخدام أدوات جديدة للسياسة النقدية لتكون أكثر نجاعة وأكثر قدرة على الانتقال عبر قنواتها المعروفة، ويتيح في الوقت ذاته تكييف أدوات التدخل على مستوى السوق النقدية مع خصوصيات العمليات المصرفية، لاسيما تلك المتعلقة بالصيرفة الإسلامية والتمويل الأخضر".
وينتظر أن يكرّس مشروع قانون الصيرفة الإسلامية ورقمنة النشاط المصرفي، عملية الانفتاح على النظام البيئي المصرفي على البنوك الرقمية ومقدمي خدمات الدفع، وعمليات الدفع بالعملة الإلكترونية، كما ينص أيضًا على إدراج عملة رقمية للبنك المركزي.
تضمين الصيرفة الإسلامية في قانون النقد والقرض، بحسب دكتور الاقتصاد سليمان ناصر، يعد أكثر من ضرورة، بالنظر إلى أن قانون 2003 لم يتضمن هذه المعاملات المالية، في حين طرحت البنوك في السنوات الأخيرة هذه الخدمة عبر وكالتها، الأمر الذي يحتم معالجة هذا الجانب أيضا على مستوى القانون الأسمى للمعاملات المصرفية حتى يستطيع البنك المركزي السماح لبنوك الصيرفة الإسلامية تقديم هذه الخدمة الاستثناية دون اعتراض باقي المؤسسات المالية.
ويعتقد الأستاذ ناصر، أن قانون النقد والقرض الجديد جاء أيضًا لتسريع عملية الرقمنة والدفع الإلكتروني التي تأجلت عدة مرّات، وآخرها في قانون المالية التكميلي 2022 الذي أرجأها حتى نهاية العام الداخل.
ينتظر أن يكرّس مشروع القانون الصيرفة الإسلامية ورقمنة النشاط المصرفي، عملية الانفتاح على النظام البيئي المصرفي
أما بشأن مساهمة هذا القانون في تنظيم صرف العملات بالجزائر والقضاء على السوق الموازية، فيعتقد أستاذ الاقتصاد بجامعة ورقلة أن الأمر لا يتعلق في هذا الملف بالجانب التشريعي فقط، إنما أيضًا بوجود إرادة سياسية حقيقية للقضاء على هذه السوق التي تتم معاملاتها غير القانونية أمام مرأى الجميع، بعد أن فشلت جل الحكومات المتعاقبة في القضاء عليها رغم الوعود التي أطلقتها.