بعد طول انتظار دام سنوات، شرعت الحكومة أخيرًا في أولى الخطوات التي من شأنها أن تحفظ كرامة الفنان الجزائري وتحمي حقوقه، وتجنّبه الاشتغال في مهنٍ أخى لسدّ رمقه اليومي، فقد قدّمت وزيرة الثقافة والفنون مليكة بن دودة في اجتماع مجلس الحكومة الأخير، عرضًا حول مشروع مرسوم تنفيذي يحدد النظام النوعي لعلاقات العمل الـمتعلقة بالفنانين والـمسرحيين.
تقول الحكومة إن المرسوم التنفيذي الجديد يكرّس للفانين الحقّ في وممارسة عملهم الفني بكل حرّية
ظلّ أهل الإبداع من ممثلين ومغنيين وتقنيين يشتغلون في هذا المجال لسنوات طويلة، ويطالبون بإصدار قوانين تنظم مهنتهم وتحفظ حقوقهم، وعلى رأسها قانون الفنان التي تقول الحكومة إنه في الطريق، لكن يتطلّب أولًا توفير الظروف القانونية اللازمة لإصداره.
اقرأ/ي أيضًا: الفنان في زمن الوباء.. بين العوز والحرّية
خطوة أولى
ذكرت الوزارة الأولى أنّه تم الاستماع خلال اجتماع الحكومة الذي ترأسه الوزير الأوّل عبد العزيز جراد الأربعاء الماضي إلى عرض قدمته وزيرة الثقافة والفنون حول مشروع مرسوم تنفيذي يحدّد النظام النوعي لعلاقات العمل الـمتعلّقة بالفنانين والـمسرحيين.
وحسب بيان الوزارة الأولى، فيهدف مشروع هذا النصّ إلى التكفل بانشغالات الفنانين والـممثلين في مجال علاقات العمل، من خلال ضمان حمايتهم العادلة لاسيما بإخضاع كل علاقات عملهم إلى إبرام عقود عمل مسبقة تكون كتابية لـمدّة غير محدّدة أو لـمدّة محدّدة.
تقول الحكومة إن المرسوم التنفيذي الجديد يكرّس للفانين الحقّ في الحصول على بطاقة فنان، وممارسة عملهم الفني بكل حرّية، والاستفادة من أجرٍ عادل، والحق في عقد تأمين تكميلي يغطي الـمخاطر الاستثنائية.
وحسب بيان الحكومة، سيحدّد مشروع هذا النصّ فئات الفنانين، من خلال التمييز بين الفنانين الدائمين والفنانين الـعاملين بصفة متقطّعة، والفنانين الظرفيين.
الحماية المنتظرة
ذكّر الكاتب الصحافي المهتم بالشأن الثقافي فيصل مطاوي، في حديثه مع "الترا جزائر"، أن هذا القانون انتظره الفنانون منذ سنوات، كونه سيوفّر الحماية الاجتماعية لهم، ويسدّ ثغرات قانونية موجودة حاليًا تتعلق بالفنانين الذين يتعاملون مع متعهدي الحفلات دون عقود، حيث سيلزم النصّ الجيدد هؤلاء المتعهدين بإبرام عقود مع الفنانين، الأمر الذي سيلزم هذه الأطراف بدفع ضرائب عن العقد الذي يربطهم.
وأشار مطاوي إلى أن الحكومة لجأت إلى هذا المرسوم التنفيذي بالنظر لصعوبة صياغة قانون أساسي في الوقت الحالي، بالنظر إلى غياب سندٍ قانوني تسمح بإصداره، كون الدستور لا يتضمّن مواد يمكن الاعتماد عليها في تشريع قانون أساسي، مضيفًا أنه لذلك تم اللجوء إلى صياغة مرسوم قانوني، رغم أنه أضعف من الناحية التشريعية كما هو معروف من القانون الأساسي.
وأوضح مطاوي أن القانون المنتظر سيسمح للفنان ببيع منتوجه على سبيل المثال للمسرح الوطني وفق عقد يربط الطرفين، كما يُنهي ظاهرة الفنانين الموظفين في المسارح الجهوية الذين يتقاضون راتبًا حتى دون تقديم أي عرض فني.
وحسب الكاتب الصحافي فيصل مطاوي، فإن أهم ما يتضمّنه القانون الجديد المنتظر، هو تقديمه تعريفًا دقيقًا عن الفنانين في كل المجالات الفنية المعروفة، ما سيسمح يتوفير الحماية القانونية اللازمة.
حيلة قانونية؟
يؤكّد رئيس المجلس الوطني للفنون والآداب الأديب محمد ساري، أن هذا المرسوم التنفيذي ما هو إلا حيلة قانونية التجأت إليها الوزارة لسد الفراغ الموجود حاليًا، بالنظر لصعوبة إصدار قانون الفنان في الوقت الراهن.
وقال ساري في مقابلة مع صحيفة "المساء الحكومية" إن وزارة الثقافة لم تتخل مطلقَا عن إصدار قانون الفنان، مضيفا أنه "ينبغي على الجزائر أن يكون لها قانون الفنان مثل كل الدول. وقانون الفنان أوسع من المرسوم الذي حضّرناه، والذي يتحدّث فقط عن علاقات العمل، بينما القانون يتحدث عن الحريات وأخلاقيات المهنة، وعن أشياء كثيرة تتعلق بحقوق وواجبات الفنان"
ورغم ضعف المرسوم التنفيذي المرتقب إلا أنه سيضع حدا للفوضى والخروقات التي طبعت عملية منح بطاقة الفنان، حيث يتوقع محمد ساريأن "يحل المشكل المادي المتعلق بها في حدود السداسي الأول" من السنة الجارية
وحسب ساري، فإنه يموجب المرسوم التنفيذي الجديد يمكن لأي فنان يشتغل لحسابه الخاص، أن يذهب إلى وزارة المالية، ويسجل نفسه ليحصل على ما يسمى "رقم التسجيل الجبائي"، الذي يسمح له بالاشتغال لحسابه الخاص في مؤسسته بختمه.
يتطلّع الفنان الجزائري أن يتضمّن هذا القانون تنظيمات تنفيذية تمحي الصور الصادمة التي عاشها قامات الفن الجزائري
وإلى أن يصدر هذا المرسوم التنفيذي في الجريدة الرسمية، ويصبح ساري المفعول، يتطلّع الفنان الجزائري، أن يتضمّن هذا القانون وغيره من التشريعات المقبلة تنظيمات تنفيذية تحفظ كرامته، وتمحي الصور الصادمة التي عاشها قامات الفن الجزائري في آخر أيام حياتهم رغم ما قدموه لهذا الوطن.
اقرأ/ي أيضًا:
"الترا جزائر" تقف على تفاصيل انتحار الممثّل هيثم حساسني
حوار | صبرينة قريشي: هزيمة الوطن حضاريًا هي هزيمة نكراء لفنّانيه