12-أغسطس-2021

جمال بن سماعيل (فيسبوك/الترا جزائر)

اشتعلت مواقع التواصل الاجتماعي، بدعوات تنديد واستنكار واسعتين، حول مقتل شاب ثلاثيني يدعى جمال بن إسماعيل، بعد اتهامه بإشعال الحرائق في ولاية تيزي وزو بطريقة فظيعة، حيث تُظهر فيدوهات متداولة أن الشاب اختطفته جموع غاضبة من سيارة الشرطة وتعرض للسحل والضرب المبرح ثم لحرق جثته في وسط الشارع.

ذهبت تعليقات كثيرة إلى عدم الانسياق وراء التهويل ومواصلة حملات التضامن والتبرّع لمنطقة تيزي وزو المنكوبة

مباشرة بعد انتشار خبر مقتل الشاب، أطلق أصدقاء ومعارف الشاب، وأبناء حيه بولاية مليانة غرب العاصمة فيديوهات يوضّحون فيها أن الشاب بريء وذهب بغية المساهمة في إطفاء الحرائق، ولا أحد يشكك في أنه بريء من الاتهام الموجّه له.

اقرأ/ي أيضًا:  وزارة العدل تكشف تفاصيل مقتل جمال بن اسماعيل

الشاب جمال بن إسماعيل، موسيقي وفنان تشكيلي، يظهر في كثير من الفيديوهات يداعب قيثارته، أو يشارك في حملات تطوعية، حيث يقوم في أحد الفيدوهات المتداولة وهو يقوم بتعليم أطفال أفارقة من المهاجرين السرّيين، أبجديات اللغة الفرنسية.

تظهر أدلة جديدة أخرى، ويظهر الشاب جمال أو "جيمي" كما يطلق عليه أصدقاؤه سويعات قليلة قبل مقتله، وهو يُدلي بتصريح لوسيلة إعلامية في منطقة الأربعاء ناث إيران بولاية تيزي وز. يظهر في منطقة مشتعلة مع سكان منطقة الأربعاء ناث إيراثن، على أهبة الاستعداد لمواجهة النيران، عاري الصدر ويحمل حقيبته على ظهره، ويؤكد قدومه للتضامن مع أهالي المنطقة.

يقول جمال في تصريحه لقناة "أوراس" بعدما قطع مسافة تزيد عن 200 كلم، "بهذه المناسبة الأليمة التي تعيشها منطقة القبائل، أهلنا وخاوتنا وأولادنا، رحم الله جميع الموتى وعزائي لجميع الفريق الذي معنا، وصلت أمس ليلًا ولم أنم للوقوف إلى جانب إخوتي، لقد أعطوني درسًا في التضامن والشجاعة والقوة..".

صبّت تعليقات الجزائريين على مواقع التواصل الاجتماعي في مجملها، حول استنكار الجريمة البشعة، وتحميل المسؤولية فقط لمن شاركوا في سحله وقتله، وذهب بعضهم إلى نقطة غياب الأمن وتحميله مسؤولية ما حدث، بسبب غيابه عن ساحة الجريمة العلنية وعجزه عن حماية الضحية الذي عانى لساعات من التعذيب والضرب دون أيّ تدخل، بل وتداولت مواقع التواصل الاجتماعي صورًا لعدد من المواطنين يأخذون صور سيلفي أمام جثّة متفحّمة في وسط المدينة في ظلّ غياب تام لعناصر الأمر.

هنا، تقول الروائية ربيعة جلطي "حتى لا تنتقل الحرائق من الغابات إلى القلوب.. أطالب بمحاكمة عاجلة لجميع المتورطين، سواءً بالفعل أو الحضور أو اللامبالاة أو التهييج، في إزهاق روح الفنان الشاب المتطوع جمال بن اسماعيل. الرحمة والسلام لروح جمال الشفافة. الصبر الجميل لأمه وأبيه وأصدقائه ومحبيه.  تحيا الجزائر كبيرة آمنة ومتضامنة".

من جهته، نشر الصحافي عبد العالي، تعزية لعائلة الفنان على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي جاء فيها "نسأل الله ان يرحمه ونحتسبه شهيدًا مع إخوانه ممن قضوا حرقًا من مدنيين وعسكريين رحمهم الله، وأسكنهم جنات النعيم. اللهم الهم ذويه جميل الصبر و السلوان. إنها لحظات حزينة.. فقدنا فيها جزائريين منا دمًا ولحمًا من بينهم هذا الشاب الموهوب".

من جهة أخرى، ذهبت تعليقات كثيرة إلى عدم الانسياق وراء التهويل ومواصلة حملات التضامن والتبرّع لمنطقة تيزي وزو المنكوبة، التي تشهد غاباتها حرائق من الإثنين الماضي، حيث مازالت عملية إخماد الحرائق متواصلة إلى غاية الرابع على التوالي.

وتأتي هذه الدعوات، لتفادي الانزلاق والتعاطي مع خطابات الثأر والعنصرية، باعتبار أن الموضوع حساس، كونه وقع في منطقة القبائل، كما قام بعض الجناة بترديد عبارات "عنصرية"، أثناء بثهم فيدو مباشر على مواقع التواصل الاجتماعي أمام جثة الضحية.

في هذا السياق، ولتخفيف وطأة الحادثة، ظهر والد الشاب جمال بن إسماعيل، وهو يدعو إلى التعقل وضبط النفس، داعيًا أبناء مدينته للافتخار بابنه، ونيله شرف الشهادة، وقال في فيديو منشور له " القبائل إخوتنا ولا نريد فتنة، الله يصبّر الشعب، وعلى ناس مليانة الافتخار لأنه أصبح لديهم بطلًا آخر بعد علي لابوانت إسمه جمال بن اسماعيل".

في مقابل ذلك، روى بيان لوزارة العدل، تفاصيل الحادث بعدما تضاربت الآراء حول مقتله ووجود مؤامرات خارجية، وقال البان إنّ "مجموعة من المواطنين قامت بإلقاء القبض على ثلاثة أشخاص كانوا على متن سيارة على إثر شكوك راودتهم من أنهم متورطين في حرائق الغابات بمنطقة الأربعاء ناث ايراثن. وبعد أن اعتدوا عليهم بالضرب تدخلت مصالح الشرطة لإنقاذهم وتحويلهم إلى مقر الشرطة".

يستطرد البيان: "غير أن نفس المجموعة واصلت تهجمها على مقر الشرطة باستعمال العنف وتمكنوا من إخراج أحد الثلاثة وسحبه خارج مقر الشرطة إلى ساحة المدينة والاعتداء عليه بالضرب وإضرام النار في جسده مما أدى إلى وفاته".

وأمرت نيابة الجمهورية، بحسب البيان، الضبطية القضائية بفتح تحقيق في ظروف وملابسات القضية للكشف عن هوية الفاعلين و"تقديمهم أمام القضاء لنيل جزائهم الصارم طبقا لما تقتضيه قوانين الجمهورية حتى لا تمر هذه الجريمة البشعة بدون عقاب، وسيطلع الرأي العام بنتائج التحقيق".

من جهتهم، تبنّى كثير من المثقفين والفنانين، خطاب عدم تحميل المسؤولية لمنطقة بكاملها تعيش كارثة إنسانية، وإنمّا الأشخاص الذين ارتكبوا هذه الجريمة لا يمثّلون إلا أنفسهم، ووجب تحرّك القضاء وإنزال أقصى العقوبات على الفاعلين.

هنا، الصحفي سيد احمد بلونة، نشر أحد المقطع التي يظهر فيها الراحل وهو يؤدّي وصلة موسيقية، وعلّق قائلًا: "اسمعوا كيف كان يحب وطنه، جمال بن اسماعيل ابن مدينة مليانة الذي تمّ حرقه اليوم بطريقة بشعة، فقط لأن التّسرع والهمجية طغت على الكثيرين، رحمه الله".

أما المسرحي محمد شرشال، فنشر مقالًا مطولًا جاء فيه: "إلى أهلي في مدينة مليانة. نعم قُتل ابننا جمال بن اسماعيل في ريعان شبابه، حرق حيًا أمام الملأ، لا أحد يمكنه أن يحس ما تحس به أمه الآن التي تكتوي من فراق ولدها الذي كان ينشر الجمال والحب في كل مكان. القتلة يستحقون محاكمة تنتهي بإدانتهم وعقابهم، ولكن أرجوكم لا تدعوا غضبكم يعمي بصيرتكم، فأهلنا في بلاد القبائل رافضون لما حدث وهم أكثر حرقة لأن مرتكبي هذه الحماقة أضرت بصورتهم الحقيقة، وبطبيعتهم المفطورة على الحرية والعدالة، التسامح والتعايش مع الآخر. أرجوكم بني بلدتي لا تشجعوا من يروج فيكم لخطاب الكراهية والانتقام الأعمى، احنا ناس مليانة، ناس حضريين ومؤمنين بقضاء الله وقدره".

تٌشير آخر حصيلة رسمية إلى أن حرائق الغابات المستعرة التي نشبت في عدة مناطق في الجزائر، تسببت بمقتل 69 شخصًا من بينهم 28 عسكريًا، في حين تتواصل جهود فرق الإنقاذ، مدعومة بقوات الجيش ومتطوعين، لإخمادها.

نطلقت حملات تضامن واسعة من عدة ولايات، حيث قام مواطنون بجمع الأدوية والمساعدات الغذائية، وإرسالها في قوافل إنقاذ من أغلب الولايات الجزائرية

في هذا السياق، انطلقت حملات تضامن واسعة من عدة ولايات، حيث قام مواطنون بجمع الأدوية والمساعدات الغذائية، وإرسالها في قوافل إنقاذ من أغلب الولايات الجزائرية، في مشهد يشير إلى تكافل المواطنين وتضامنهم، خاصة خلال الأزمة الصحية والاجتماعية التي تمرّ بها البلاد.

 

اقرأ/ي أيضًا

وفد وزاري في تيزي وزو

استشهاد 25 عسكريًا إثر تدخّلهم لإجلاء السكان من حرائق الغابات