18-أكتوبر-2019

في متنزّه الصابلات بالجزائر العاصمة (فاروق باتيش/ أ.ف.ب)

قال شيخ متهكّمًا، في الحومة، لطفل لم يبلغ العاشرة بعد: هل أنت عائدٌ إلى بيتكم أم ذاهب إليه؟ فردّ الصّبي عليه من غير أن ينظر إليه: قالت لي حفيدتك إنّها في الغابة وخفت أن تأكلها الذّئاب".

ألم تلاحظوا أن طفل اليوم بات يتحكّم في كلّ الآلات المتوفّرة في البيت، أكثر من أمّه وأبيه؟

اختفى الطّفل بين العمارات، فتوجّه الشّيخ نحو الغابة التّي خلفها، لقد دخله الشكّ مثلما صدمته إجابة الطفل، فقال: أردت أن أتلاعب به فتلاعب بي.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائريون في "حملة فيسبوكية".. نريد مستشفى لسرطان الأطفال

في السّابق، حين كانت المعلومة تنتقل ببطء، وفق الطرائق التقليدية بين أبناء التجمّع السّكني الواحد، كان الذكاء مربوطًا بالكبر في السنّ، فيقال "اللّي فاتك بليلة فاتك بحيلة". أمّا اليوم، في ظلّ سرعة انتقال المعلومة، بفعل الوسائط والتحوّلات الجديدة، فقد بات مربوطًا بصغر السنّ، ويجب أن نتأقلم مع هذا التحوّل، فنقول: "اللّي نقص عليك بليلة فاتك بحيلة".

ولأنّ الغربيّين أدركوا هذه الحقيقة، فقد كرّسوا ثقافة إسداء المسؤوليات للجيل الجديد، في مناصب توصف بالخطيرة، حتّى أصبحنا نجد رؤساء دول ورؤساء حكومات وقادة جيوش ومديري شركات عابرة للقارّات لم يتجاوزوا عقدهم الرّابع. بينما يحدث عندنا العكس تمامًا. ففي الوقت الذّي تولّى فيه إيمانويل ماكرون الرّئاسة في فرنسا عن عمر الـ39 عامًا، كان معدّل أعمار الوجوه الأربعة الأولى في منظومة الحكم في الجزائر 76 سنة.

ألم تلاحظوا أن طفل اليوم بات يتحكّم في كلّ الآلات المتوفّرة في البيت، أكثر من أمّه وأبيه؟ أنا نفسي ألجأ وزوجتي إلى بناتي الثلاث، في كلّ ما يتعلّق بالتلفزيون والهاتف النّقّال، وأقف في كامل أناقة فضولي أمامهنّ، وهنّ يستعملن برامجَ وألعابًا، لا أحسن منها إلا لعبة الدّودة.

إنه ليس من السّخرية إذا قلت إنّه يُمكن التأريخ لتحوّلات الوعي في الشّارع الجزائريّ، بما قبل الدّودة وما بعدها. فالدّاعي إلى السّخرية هو العكس تمامًا، أي أنّ المنظومات المعنيّة لم تنخرط بعد في مراعاة المعطيات التكنولوجية، في فهم ملامح/ تحوّلات اللّحظة الجزائريّة. قد يكون هذا الوعي موجودًا لدى جهاز المخابرات، لكنّني لست على علم بذلك.

إنّنا بصدد طفل جزائريّ جديد، بالمفهوم الزّمنيّ والفكريّ والنّفسي لصفة الجديد، لكن ما يدعو للقلق فعلًا، أنّ ذهنيته ونفسيته، بكلّ ما يترتّب عنهما من سلوكات ورغبات ونزعات وخيارات وأمزجة مختلفة، غير مرصودتين من طرف المنظومات المعنيّة بذلك، في المستويات المختلفة، بعيدًا عن منطق " انت تفهم بزّاف"، أي أنك تفهم كثيرًا، بما يجعله يعتقد أنّ الفهم الكثير جريمة، ومنطق "بلّع فمّك" أي أغلق فمك، ومنطق "نت ماشي مربّي" أي أنّك لست مهذّبًا.

هل حدث أن استقبلت مؤسّسات معنيّة بالمسألة مباشرة، مثل الرّئاسة والحكومة والبرلمان والجامعة أطفالًا من الجهات الأربع للبلاد، مستعينة بخبراء حقيقيّين، قصد التقاط هواجس وأسئلة وحاجات وتطلّعات هذه الشّريحة، حتّى تطوّر ما ترهّل من قوانين وسياسات وبرامج خاصّة بها، وتستحدث ما يجب أن يستحدث؟

متى ننتبه إلى أنّنا من أكثر المجتمعات استعمالًا لعبارة "جيل المستقبل"، قاصدين بها الأطفال، لكنّنا في الوقت نفسه من أكثر المجتمعات إرغامًا لأطفالنا على العودة إلى ماضينا؟ إنّنا لم نوفّر لهم حتّى الأراجيح، إذ يحدث أن نجد تجمّعًا سكنيًّا يفوق عدد الأطفال عشرة آلاف طفل من غير أن نجد أرجوحة واحدة، وإذا وجدت فهي غير صالحة أو غير آمنة، فكيف بالبرامج الحديثة؟

لا أفهم كيف ترصد الحكومة ميزانية ضخمة للمطاعم المدرسيّة، التّي يمكن الاستغناء عن معظمها لقربها من بيوت التّلاميذ

لا أفهم كيف ترصد الحكومة ميزانية ضخمة للمطاعم المدرسيّة، التّي يمكن الاستغناء عن معظمها لقربها من بيوت التّلاميذ، ولا توفّر أجهزة تكنولوجيّة في المدارس؟ أعتقد أن ربع هذه الميزانية لسنة واحدة، كافٍ لتزويد مدارسنا بما يتطلبه التّعليم المعاصر من أجهزة معاصرة. إلّا زاوية تكريسها لسياسة: "كُلْ ولا تفكّر".

 

اقرأ/ي أيضًا:

جرائم قتل الأطفال.. هل عقوبة الإعدام هي الحل؟

سرطان الأطفال في الجزائر.. رحلة مع الضحايا