انقسمت قوى التيار الإسلامي في الجزائر، إزاء مسودّة الدستور المطروحة للاستفتاء الشعبي المقرر في الفاتح تشرين الثاني/نوفمبر المقبل، بين مّرحب بها وداعٍ للتصويت لصالحها، وبين من يرفضها ويدعو للتّصويت ضدّها، أو مقاطعة الاستفتاء.
لم يعلن أي حزب إسلامي عن دعوته لمقاطعة الاستفتاء الشعبي على الدستور
على خِلاف الانتخابات الرئاسية التي جرت في 12 كانون الأول/ديسمبر2019، والتي شهدت مشاركة ومقاطعة أحزاب إسلامية، فإن الاستفتاء الشعبي المقبل، سيحمِل مجموع القوى الإسلامية إلى مراكز التصويت والإدلاء بالأصوات في صناديق الاقتراع، حيث أعلنت الأحزاب الستة المكوّنة للتيار الإسلامي، عن دعوتها الجزائريين للذهاب إلى صناديق الاقتراع والمشاركة في التصويت، بغضّ النظر عن الموقف من المواد التي تتضمنها مسودة الوثيقة التي تعتبر أسمى القواعد القانونية للدولة.
اقرأ/ي أيضًا: الأحزاب الإسلامية في الجزائر.. يدٌ مع الحراك وأخرى مع السلطة
غير أن الملاحظة الأهم؛ هي أنه لم يعلن أي حزب إسلامي عن دعوته لمقاطعة الاستفتاء، مقارنة باستحقاقات انتخابية سابقة قاطع فيها الإسلاميون صناديق الاقتراع. ويكرّس حَسم "حركة البناء الوطني" لموقفها من الدستور انقسامًا لافتًا في كتلة التيار الاسلامي، فبعد تردد غير مبرّر، قرّرت الحركة المنشقّة من الحركة الأم "حركة مجتمع السلم"، تأييد الدستور الجديد والتصويت لصالحه.
وانتهى تقدير مجلس شورى الحركة التي يقودها وزير السياحة الأسبق عبد القادر بن قرينة، بحسب بيان صادر عنها، أنّه "تكريسًا للسيادة الشعبية وانتصارًا لخيار التغيير في إطار النضال الدستوري، وبعد مشاورات قاعدية واسعة قامت بها (حركة البناء الوطني) مع المواطنين والمناضلينن، ونظرًا لتبنِّي مقترحات حركة البناء الوطني وكذا مقترحات مبادرة القوى الوطنية للإصلاح لا سيما ما ورد في مجال حماية الهويّة والحرّيات والعدالة وتأكيد نوفمبر الدولة، قرّر مجلس الشورى الوطني دعوة الجزائريين والجزائريات إلى المشاركة الواسعة في الاستفتاء، لتثبيت الشرعية الشعبية وخيار الحلّ الدستوري. الإعلان عن موقف الحركة الإيجابي من التعديل الدستوري ودعوة الشعب الجزائري إلى التصويت عليه بنعم".
وإضافة إلى حركة البناء الوطني، يوجد حزب إسلامي ثاني فتيّ، أعلن عن دعمه للدستور، وهو "حركة الاصلاح الوطني" التي ساندت الرئيس عبد المجيد تبون مرشّحًا، قبل أن تساند مشروعه للدستور، إضافة الى حزب فتي ثالث هو "جبهة الجزائر الجديدة" التي يرأسها جمال بن عبد السلام التي أعلنت دعمها للدستور ودعت للتصويت لصالحه.
خيارات مطروحة
لم تكن مواقف هذه الأحزاب الثلاثة مفاجئة للمتابعين للشأن السياسي العام في الجزائر، حيث يبدو أنها اتخذت خطًَّا سياسيًا مواليًا للسّلطة كما قال الباحث في العلوم السياسية محمد بودهان لـ "الترا جزائر"، فـ"حركة الإصلاح " التي دعمت محاولة ترشّح الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة لولاية رئاسية خامسة، يبدو أنها اتخذت خيارها اليوم، وهو النّهج نفسه الذي اتخذته قبل أكثر من سنة ونصف، لافتًا إلى أن ذلك "يفرِض عليها الاستمرار في دعم كل خيارات ومشاريع السلطة، وتزكية برامج الحكومة".
في حين تُعيد "حركة البناء" استدعاء خيار المشاركة الذي أسّس له الرّاحل الشيخ محفوظ نحناح رئيس "حركة مجتمع السلم"، وتنتهجه بشكل كامل مع السّلطة، منذ تعيين عضوها القيادي سليمان شنين رئيسًا للمجلس الشعبي الوطني (الغرفة السفلى للبرلمان الجزائري)، ثم المشاركة في الانتخابات الرئاسية الماضية بتقديم رئيسها بن قرينة كمرشحة عن الحركة.
في مقابل هذا الشقّ، توجه جزء آخر من الإسلاميين إلى إعلان مواقف حادّة ورافضة للدُّستور، ثلاثة أحزاب إسلامية مؤثِّرة أعلنت رفضها لمسودة الدستور، إذ لوّحت "حركة مجتمع السلم"، بموقفها بالتصويت ضدّ المشروع داعية إلى الذهاب إلى التصويت لكن بـ "لا"، ووصفته بأنه دستور غير توافقي ولا يضمن تحقيق التغيير، ولم يمثِّل استِجابة لمطالب الحراك الشّعبي، وحذّرت من أنه يتضمّن ما يسمح بتضخيم صلاحيات رئيس الجمهورية وعدم الفصل بين السلطات، بل إن قيادات الحركة ذهبت حد وصفه بأنه "انقلاب على مطالب الحَراك الشّعبي".
"جبهة العدالة والتنمية" من جهتها، خلصت في تقديرها السياسي في الموقف من الاستفتاء على التعديل الدستوري إلى رفضه، وحثّت الجزائريين للتصويت عليه بصيغة الرفض، بل ودعت القوى السياسية وفعاليات المجتمع الفاعلة أحزابًا وشخصيات ومنظمات من أجل التنسيق من أجل تفعيل مواقف الرفض، وحذرت مما وصفته "المخاطر التي يحملها على هويّة المجتمع ووحدته"، كما دعت حركة النهضة من جهتها الى التصويت ضدّ الدستور ورفضه بسبب عدم تضمنه لأية بنود تحدد طبيعة النظام السياسي وتسمح بانتقال ديمقراطي حقيقي في البلاد.
دوافع الانقسام
يطرح السؤال نفسه عن السّبب الكامن وراء الانقسام السياسي للتيار الإسلامي في الجزائر إزاء الدستور الجديد المنتظر، خاصّة بين الأحزاب ذات المنطلقات الفكرية الواحدة، إذ تتحكّم عدّة عوامل تقف وراء هذه المواقف، يقول الباحث في العلوم السياسية الأستاذ السعيد لطرش من بينها القرب من السّلطة ومن الحَراك، فهناك أحزاب إسلامية مثل حركة البناء والاصلاح، تراهن على خيار الاصلاح السياسي من داخل النظام، وتعتبر أن الظروف المحيطة بالبلاد إقليميًا، ناهيك عن الظروف الاقتصادية والأزمة الاجتماعية، لا تسمح بتغيير راديكالي في البلاد، خاصّة في ظلّ ما تعتبره عدم توفر نضج كافٍ في الوسط السياسي وهشاشة المؤسسات السياسية.
وأوضح الأستاذ لطرش في حديث مع "الترا جزائر"، أن القوى الاسلامية الرافضة للدستور تراهن على خيار الاحتجاجات السلمية عن طريق الحراك الشعبي في الشّارع ومطالبه المستمرّة في تغيير النظام، موضحًا أن هذه القوى الرافضة للمشروع تعتبر أن مسار الإصلاح السياسي الذي تفرِضه السّلطة، تم تجريبه من قبل، وانتهى بالبلاد الى أزمات سياسية واقتصادية خطيرة.
أبناء الحركة الأم
عمومًا، فإن انقسام المواقف بين قوى التيار الإسلامي إزاء القضايا والمحطات السياسية ليست الأولى من نوعها، بحسب متابعين للمشهد السياسي الجزائري، طيلة أكثر من ثلاثة عقود منذ الانفتاح السياسي والتعددية الحزبية أي منذ إقرار دستور 1989، لكنّها باتت في المرحلة الأخيرة ذات خلفيات ترتبط أساسًا بتباين الخيارات وتقدير المواقف إزاء السلطة من جهة، ولحسابات حزبية من جهة أخرى، وهي اختلافات ناتجة عن الانشقاقات التي شهدتها هذه الأحزاب في العقد الماضي إذ تولّدت عدة أحزاب من بطن سياسي واحد سواء كما هو الحال لحركة البناء من الحركة الأم "حركة مجتمع السّلم"، أو حركة الإصلاح والعدالة والتنمية من الحركة الأم " حركة النّهضة".
كما يُمكِن تفسير هذه المواقف المُوالية للسّلطة السياسية الحالية من طرف الإسلاميين؟
كما يُمكِن تفسير هذه المواقف المُوالية للسّلطة السياسية الحالية؟ والتي أنها تُطرَح ضمن مبرِّرات انقسام المواقف بين الإسلاميين، إضافة إلى محاولة جزء من هذا التيار دفع مسارات الإصلاح التي تطرحها السلطة، ثم الاستفادة من الهوامش السياسية التي توفرها هذه الإصلاحات، وكذا للتمركز في مقابل ما يعتبره الإسلاميون تمركزًا لافتًا للتيار العلماني في مفاصل السلطة، وهو مبرّر تجد فيه "حركة البناء" على سبيل المثال مبرِّرًا رئيسًا في خيارها دعم الدستور.
اقرأ/ي أيضًا:
تبون يراهن على 100 ألف جمعية لبناء قاعدة للحكم
الحكومة تلجأ للجان الشعبية.. سكّان الأحياء أدرى بفقرائهم