01-يوليو-2022
(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

(تصوير: رياض قرامدي/أ.ف.ب)

ونحن نقترب من عيدي الاستقلال والشّباب، انتفض عدد من الشباب العاطل برفضهم رفع شِعارات تشجّع الاحتفال بيومهم التاريخي الذي يتزامن مع الذكرى الستين لاستقلال الجزائر، ورفض بكثير من العاطلين عن العمل، ربط ذكرى تاريخية تحمل رمزية تحريرية بعد استعمار دام أكثر من 130 سنة، بعيد الشّباب الجزائري الحالم بمنصِب عمل لم يحصل عليه بعد.

لم يستفد الشاب زياد حامل شهادة الماستر من منحة البطالة وذلك بسبب عملية التأمين التي استفاد منها على مستوى مديرية الضمان الاجتماعي لمدة ثلاثة أيام فقط لما كان عاملًا في ورشة بناء قبل ثلاث سنوات

انتهر الكثيرون هذه  الفرصة لتوجيه دعوة للرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، لتنفيذ وعوده التي قطعها مع أكبر شريحة من الكثافة السكانية في الجزائر وعمودها الفقري وطاقتها المهدورة، من كفاءات تخرجت من الجامعات ومعاهد التكوين ووُسِمت بمسميات متعدّدة بعد أن أحيلت على رصيف البطالة.

المعلّقون في الأرض

أحداث كثيرة عرفتها الساحة الاجتماعية في الجزائر، يصب معظمها في المطالبة بمناصب عمل وتحسين الوضع الاجتماعي ورفع الأجوار، وظهرت عدة تسميات وأوصاف أطلقت على  البطالين في الجزائر، فمن "منحة البطالة" الموجّهة لفائدة شريحة بالغة أقلّ من 40 سنة من العمر،  إلى طلاق صفة "كوادر بطّالة" و"الدكاترة البطالون" على طلبة متخرجين بشهادات عليا، إلى "عمّال مؤقّتون" و"أساتذة مؤقتون"، وجميعها صفات التصقت بشريحة فقدت الأمل في رؤية النّور في آخر النّفق المظلم، حيث علق الأستاذ الحاصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية وليد بوعنان، بأن إلحاق عيد الشباب بعيد الاستقلال ضرب من ضروب الالتفاف على مطالب شريحة واسعة من البطّالين وخصوصًا الكوادر الجامعية.

وأضاف بوعنان لا بدّ أن يعي بعض المسؤولين على وجه الخصوص بظروف الكوادر من الحاصلين على شهادات عليا، والدكاترة البطالون لذين تجاوز عددهم الـ 20 ألف دكتور، إضافة إلى الآلاف من الشباب العاطل بسبب سياسات غير صحية تدفع بالطاقات الشابة إمّا للهجرة غير الشرعية أو الموت البطيء.

وبعيدًا عن لغة التشاؤم، قال محدث "الترا جزائر" إن "الحقيقة موجودة وواضحة للعيان ولا يجب تغطية الشمس بالغربال" كما وصف حالته وحالة الكثيرين ممن يتقاسمون معه الظروف نفسها بعد كدّ السنين في الدراسة والورشات، بالظروف المعقدة وغير المبررة نظرًا لاحتياجات الجامعة إلى إطارات ومكونين.

انتظار يوم أفضل

بصرف النّظر عن فرحة الجميع بالرمزية التاريخية لتاريخ الخامس جويلية/ تموز من كلّ سنة، فإن فكرة "مَنيش فَرحان" أطلقها شباب حالِم ينتظر أن يكون واجهة التغيير والوقود الذي ينهض بمشاريع الدولة، ويأمل في تحقيق أهدافهم في الواقع بعيدًا عن البيروقراطية التي نخرت الإدارة وتثبيط العزيمة التي قطعت آمال أحلام الكثيرين.  

هنا، تساءل الطالب الجامعي فارس زياد قائلًا: "عن أي عيد شباب تتحدّثون؟"، لافتًا إلى وضعيته الصعبة والتي يتشارك فيها مع كثيرين بأنه "شاب متخرج من الجامعة وبطال منذ سنوات ودون منصب عمل ودون منحة بطالة".

وقال زياد في إفادته لـ الترا جزائر" بأنه يعيش يوميًا كالمعلّق بين حالتين أو ثلاثة وأكثر؛ فلا هو بطال ولا هو عامل ولا هو موظّف، كما أنه لم يستفد من منحة البطالة التي أقرّتها الحكومة بأوامر من الرئيس تبون واستفاد منها الآلاف.

ورغم محاولاته منذ العام 2017 على مستوى وكالة التّشغيل وتشكيل ملفّ كامل للعثور على وظيفة، إلا أنه تمكّن من العمل كمدرّس مؤقّت لفترة محدودة، فلم تدم فرحته طويلًا، رغم حيازته شهادة ماستر تخصص "عمران وتسيير المدينة"، وعلى شهادة "تسيير المشاريع" بعد مشاركته في العديد من التربصات الميدانية في مجال البناء والتّعمير، وفي مراكز الرّدم التّقني للنّفايات، وفي محطّة معالجة المياه المستعملة.

كل ما سبق ذكره لم يشفع لزياد في حصوله على منحة البطالة، إذ تم رفض ملفه وذلك بسبب عملية التأمين التي استفاد منها على مستوى مديرية الضمان الاجتماعي ولكن لمدة ثلاثة أيام فقط لما كان عاملًا في ورشة بناء سنة 2019، وهي المفارقة التي جعلته وغيره من الشباب الذين وقعوا في هذا الفخّ أن ينتظرون قرارات إضافية للاستفادة من مبلغ شهري بـ13 ألف دينار جزائري أي ما يعادل 65 يورو .

علاوة على ذلك، طرق المتحدّث عشرات الأبواب للعمل سواءً حسب تخصّصه الدراسي ومخرجات تربصاته الميدانية أو خارج ذلك، تزامنًا مع المشاركة في مسابقات التوظيف فضلا عن" إقباله على العمل في المقاهي والمحلات لتدبير مصروف الجيب"، في المقابل من ذلك باءت كل محاولاته للاستفادة من منحة البطالة بالفشل.

وفي الأخير طالب زياد بمراجعة شروط الاستفادة من منحة البطالة التي يراها " شروطا تعجيزية" مقترحًا بأن يكون أكبر احتفال تحتفل به الجزائر أن تعيد الأمل للشّباب الحالِم بعمل وليس الهِجرة في قوارب الموت، وأن ينقشع الكابوس.

مواجهة التحوّلات

لا يمكن فصل فئة الشباب عن التحوّلات التي تعيشها الجزائر، إذ تعتبر فاعلًا مركزيًا في صناعة التاريخ والتغيير، والحديث عنه يعتبر مسألة تفرض ذاتها على كلّ المستويات والأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية.

وتعتبر القضايا المتعلّقة بفئة الشباب لم تعد مجرد الحقاها بمرحلة عمرية، كما قال أستاذ علم الاجتماع عبد الكريم بوفناية لـ" الترا جزائر" موضحًا أن الاهتمام بقضاياهم ومشكلاتهم من المؤشّرات الدّالة على تقدم البلدان عمومًا.

أستاذ علم الاجتماع عبد الكريم بوفناية: آلاف الشباب يشعرون بالتهميش وهو ما يعكسه واقعهم مع البطالة والفقر والمخدرات والجريمة 

ومن هذا المنظور دعا بوفناية إلى ضرورة إجراء ّ "عقد تصالح" بين مختلف الأجهزة مع هذه الشريحة، لتكون في مستوى آمالها وتطلعاتها، خصوصًا وأن الآلاف منهم يشعرون بالتهميش وهو ما يعكسه واقعهم مع البطالة والفقر والمخدرات والجريمة والعنف والإقصاء وقوارب الموت، وهو ما يستدعي التوقف وانتهاز الفرصة اليوم لتوجيههم والأخذ بعين الاعتبار لمشكلاتهم.