01-نوفمبر-2019

السلطة تتجّه إلى إجراء الانتخابات في وقتها المحدّد (رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية المقرّرة في الجزائر، تسير رهانات السلطة الحالية في اتجاهين متوازيين، وهما إنجاح تنظيم الانتخابات الرئاسية واستكمال كافة الترتيبات المتعلّقة بها سياسيًا وقانونيًا وتنظيميًا، ودفع أكبر قدر ممكن من الكتلة الناخبة للذهاب إلى مراكز الانتخابات المنتظر إجراؤها في الـ 12 كانون الأوّل/ ديسمبر المقبل.

قبل أقلّ من شهر ونصف من موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر تزداد مخاوف العزوف عن الرئاسية

 إذا كان الرهان الأوّل، يتعلّق بجهد وتدبير السلطة في حدّ ذاتها، فإنّ العزوف الانتخابي يبقى هو الرهان الأصعب، في معادلة معقّدة المعطيات السياسية والاجتماعية، بحسب متابعين للشأن العام في الجزائر، لكون السّلطة لا تملك أدوات التحكم في ذلك؛ أي في حمْل الناخبين على التوجّه للانتخاب.

اقرأ/ي أيضًا: الشباب الجزائري والانتخابات البلدية.. فرص مُعلقة أمام فقدان الجدوى

هنا، يعتبر عمر قابة، الباحث في العلوم السياسية، أنّ السلطة في النهاية ستُواجه "قَدَر الشّعب" كما صرّح في حديثه لـ"الترا جزائر"، موضحًا أن آليات التصويت لا يُمكن أن تكون في متناول الفاعل الحقيقي والفعلي في المسار الكامل للعملية السياسية الانتخابية، خصوصًا أمام تردّي الأوضاع الاجتماعية، و"شعور الآلاف بنوع من الخذلان الاجتماعي الذي يعيشه المواطن"، خصوصًا "من بوابة الشغل والسكن والطموح بتحسّن الأوضاع المعيشية" على حدّ تعبيره.

ويعود قابة، إلى طرح فكرة متداولة ومتعارف عليها في الحقل السياسي والأكاديمي، وهي أن "السياسية فنّ الممكن"، مردفًا أن السلطة الآن ستتعامل مع إمكانية تنفيذ خطوة الانتخابات في الفترة المقبلة بعد أزمة سياسية تشهدها البلاد منذ أزيد من ثمانية أشهر، وتتعامل معها بـ" حزم ولين" من جهة، و"باندفاع نحو تحقيق المُنجز الانتخابي وانتخاب الرئيس، وإنهاء مسلسل الضغوطات التي أرهقت الجميع في الساحة السياسية الجزائرية والمجتمعية أيضًا" من جهة أخرى.

مقاطعة في الأفق

مازالت فكرة العزوف الانتخابي، تُطرح بشدّة مع العدّ التنازلي لإجراء الانتخابات الرئاسية، وهو ما يشير إليه كثير من السياسيين في خطاباتهم، بسبب مناخ متوتّر سياسيًا وشعبيًا، في مقابل ذلك رفض قطاع من الجزائريين الذهاب إلى الانتخابات بهذه الطريقة وبهذا السيناريو التي كتبته السلطة، وتحت وصاية حكومة نور الدين بدوي المرفوضة شعبيًا.

قبل أقلّ من شهر ونصف من موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر، تزداد مخاوف العزوف من العملية الانتخابية برمّتها، رغم كلّ التطمينات التي تُعلنها السلطة في الجزائر، وظاهر التحضيرات للاستحقاق السياسي الذي تأجّل مرتين في الـ 18 نيسان/ أفريل والـ 4 تموز/ جويلية الماضيين، فهل ستكون الثالثة ثابتة كما يقال؟

تتبّع الخطابات السياسية، وتحليل الوعاء الاجتماعي من محلّلين ونشطاء سياسيين، تصبّ في اتجاه إلغاء الرئاسيات المقبلة، بحسب المختصّ في علم الاجتماع السياسي محمد بلهاني من جامعة قسنطينة، إذ اعتبر أن تلك المخاوف هي نتاج "اختلاف في وجهات النظر في الشارع الجزائري، الذي بات اليوم يُنذر بانقسام الشارع بين رافض وراغب للانتخابات، رغم أن ذلك مؤدّاه إنهاء الأزمة بشتّى الوسائل، موضحًا في تصريح لـ" الترا جزائر " أنّ البعض يعتبرون الحديث عن العزوف سابق لأوانه، في ظلّ وجد قطاع كبير يُدافع أيضًا على خيار الذهاب إلى الانتخابات، بمنطق "وضع حدّ لفترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة"، على حدّ قوله.

ثلاثة مشاهد

في قراءة لمختلف الاستحقاقات السياسية التي خاضتها الجزائر، منذ التعدّدية السياسية في بداية تسعينيات القرن الماضي، تفيد أنّ المعطيات المتعلّقة برئاسيات 2019، ستكون مغايرة تمامًا من حيث عدّة مشاهد.

أولى المشاهد الطافية على الواجهة السياسية في البلاد، تتعلّق بانتخابات مُتفرِّدة من حيث الوعاء السياسي، خاصّة بعد تفكّك مجموعة الأحزاب السياسية القديمة التي ألِفها الجزائريون من الأحزاب التي كانت تتحكّم في الوضع السياسي، وتُرجّح كفّة الانتصار الدائم في الاستحقاقات لصالحها، وهي أحزاب كان يُطلق عليها "أحزاب السلطة"، وقد حملت عدّة أوصاف أيضًا أهمّها "أحزاب التحالف الرئاسي" و"أحزاب الرئيس" و"الداعمون لخيار رجل الإجماع" في زمن عهدات الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

باتت هذه الأحزاب اليوم، عبارة عن هياكل سياسية فقدت بوصلتها، بعد سجن قياداتها المتورّطة في قضايا سيفصل فيها القضاء، كحزب جبهة التحرير الوطني الذي يقبع أمينه العام جمال ولد عباس ونائبه محمد جميعي في الحبس المؤقت، إلى جانب الأمين العام السابق للتجمّع الوطني الديمقراطي أحمد أويحيى، ورئيس حزب تجمع أمل الجزائر عمار غول، إضافة إلى رئيس حزب الحركة الشعبية الجزائرية عمارة بن يونس. في المقابل، رفض عددٌ كبير من أحزاب المعارضة خوض غمار الانتخابات، على غرار حركة مجتمع السلم، وحركة العدالة والتنمية، وحزب العمال، وجبهة القوى الاشتراكية، والتجمّع من أجل الثقافة والديمقراطية.

أمّا المشهد الثاني، فهو الملاحقات القضائية لرجال الأعمال المتورّطين مع النظام السابق، وفتح ملفّات الفساد، والتّعويل على القضاء لفكّ خيوط القضايا التي تُطرح بشكلٍ متواصل خلال الأيّام الماضية للفصل فيها، علاوة على "المسؤولية التاريخية الواقعة على عاتق جهاز القضاء"، كما وصف أستاذ القانون خالد محمودي في تصريحه لـ"الترا جزائر"، معتبرًا ذلك تحوّلًا سياسيًا مرتبطًا بالخوف من تناقضات الآلة التنظيمية للانتخابات، التي ترعرعت في حضن منظومة الحكم في عهد بوتفليقة، وإمكانية الإبقاء عليها من الداخل رغم تغيير الواجهةـ وتشكيل سلطة مستقلّة عُليا للإشراف على الانتخابات.

المشهد الثالث، يتضّح في قائمة المرشحين للانتخابات التي تبدو غير تنافسية ولا تُحمّس الناخبين في مقابل عامل أهمّ يؤثّث هذا المشهد، يتعلّق بالحراك الشعبي الذي لازال يستمرّ في رفضه للانتخابات ورهنها بذهاب حكومة بدوي، واتساعه كل جمعة في المناطق التي تضمّ أكبر كتلة ناخبة.

سلطة الأمر الواقع

على الأرض، يبدو أن "السلطة ليست مهتمّة بنسبة التصويت، وتريد إجراء الانتخابات في وقتها المحدّد آنفًا، ومهما كانت الظّروف"، يقول الناشط في الحراك الشعبي من ولاية باتنة عبد القادر زوقاري، موضحًا لـ"الترا جزائر" أنّ "الانتخابات باعتبارها عملية شكلية تنطلق من التنظيم والإشراف إلى غاية إعلان النتائج، هو ما يمنح شرعية للرئيس القادم، لكن نسبة التصويت هي التي تعطي شرعية للانتخابات في حدّ ذاتها".

هل تتجاوز السلطة مسألة مصداقية اختيار الرئيس القادم؟ وهل يتمسّك الرئيس بمنصبة دون شرعية انتخابية؟

بالعودة إلى مواعيد سابق، أعلنت هيئة تنظيم الانتخابات في رئاسيات نيسان/ أفريل 2014، عن مشاركة ما نسبته 52.7 في المائة، رغم تصريحات المعارضة آنذاك القائل بتزوير النتائج وتضخيم الأرقام، وهو ما يُفيد أن نسبة التصويت هي التي "تعطي مصداقية للسلطة التي تزعم الآن أن الشّعب مع خيارها الانتخابي"، فهل تتجاوز السلطة مسألة مصداقية اختيار الرئيس القادم؟ وهل يتمسّك الرئيس المنتظر بمنصبه دون شرعية انتخابية؟.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مرشحات في الانتخابات المحلية.. أخت وزوجة بدون اسم!

تأجيل الانتخابات البلدية في تونس.. ارتداد آخر عن مسار التحول الديمقراطي