15-يناير-2024
(الصورة: فيسبوك)

(الصورة: الترا جزائر) الأكاديمي نور الدين جوادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الشهيد حمة لخضر بولاية الوادي

يرى الأكاديمي نور الدين جوادي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الشهيد حمة لخضر بولاية الوادي، أن قرار ترسيم الأمازيغية وإقرار يناير عيدًا رسميًا، أسهم في نزع الفتيل الأيديولوجي كي لا يتم استغلاله سياسويًا، مضيفًا في حوار إلى "الترا جزائر" أن الدولة الجزائرية، كانت واعية عندما كرست التنوع الثقافي ضمن إطار مؤسساتي ومنحته طابعًا أكاديميًا.

نور الدين جوادي لـ "الترا جزائر": هناك علاقة وطيدة بين الأمن الاقتصادي والأمن الهوياتي، لذلك وجب التذكير بأن الدراسات الحديثة توصي بإشراك الجميع في ضمان الاستقرار المجتمعي

ويتطرّق البروفيسور  جوادي إلى مفهوم الجريمة الهوياتية، ويعتبر أنها لا تختلف عن الإرهاب في شيء، فهي حسبه، تتمثل في إثارة كل أشكال العنصرية والكراهية والرفض وأن الأمم المتحدة توصي بالقضاء على الجريمة الهوياتية وتجفيف منابع الإرهاب، على حدّ تعبيره.

  • في رأيك بروفيسور لماذا لجأت الجزائر إلى إقرار يناير عيدا رسميا وقبلها ترسيم الأمازيغية في دستور 2016 المعدل؟

دعني أخبرك أولا أني لا أفقه شيئا في الأمازيغية لأني لست أمازيغيًا، غير أني متفتح على الآخرين، وقد تم لي ذلك عبر مشاركتي في ندوات المحافظة السامية للأمازيغية المفتوحة للجميع، بصفتها هيئة رئاسية.

من المهم أن نتحاور كنخب حول المصلحة المشتركة للأمة الجزائرية بأبعادها الثلاثة، هذا يقرب وجهات النظر ويزيل سوء الفهم والتأويل وغيرها من الأحكام المسبقة. لذلك أجيبك بأن الدولة الجزائرية واعية عندما كرست التنوع الثقافي ضمن إطار مؤسساتي ومنحته طابعًا أكاديميًا، إن هذا تفكير سليم أسهم في نزع الفتيل الإيديولوجي كي لا يتم استغلاله سياسويًا سواءً من الداخل أو الخارج لنسف وحدة الأمة، والتسبب بوعي أو دونه في إثارة صراعات ونزاعات تؤول في نهاية المطاف إلى نسف مشروع التنمية الوطني من الأساس، اعتبارا بأن الاقتصاد هو الدعامة الضامنة للأمن الجماعي.

ربطت بين مسألة الهوية والاقتصاد هل لك أن تقرب الفكرة للأذهان؟

    هناك علاقة وطيدة بين الأمن الاقتصادي والأمن الهوياتي، لذلك وجب التذكير بأن الدراسات الحديثة توصي بإشراك الجميع في ضمان الاستقرار المجتمعي، لأن ذلك الاستقرار توطئة أساسية لكل عمليات التطوير التنموية.

    وفي هذا الصدد ثمة معطيات رقمية تدل على ما أقوله، فمنظمة الأمم المتحدة تؤكد بأن 75% من الصراعات الدولية الكبرى (حروب، نزاعات مسلحة، أعمال العنف) تعود في منشئها الأول إلى خلافات ذات بعد هوياتي وثقافي وديني. والجريمة الهوياتية التي لا تختلف عن الإرهاب في شيء، تتمثل في أثارة أشكال العنصرية والكراهية والرفض، لذلك توصي الأمم المتحدة بالقضاء على الجريمة الهوياتية وتجفيف منابع الإرهاب.

    لتوضيح ذلك نعرف مثلًا أن الجزائر عرفت عشرية سوداء بين أعوام 1991/ 1999، وأصل تلك الأزمة استعمال مكون ديني في صراع سياسي، وهناك إحصائيات واضحة في هذا الشأن حسب الرسوم البيانية التي توضح أن الناتج الإجمالي للجزائر المقدر بـ 62 مليار دولار العام 1990 انخفض خلال العام الأول للأزمة 1991، وهي فترة اضطراب سياسي، إلى حدود 48 مليار دولار، أي بناقص 14 مليار دولار في ظرف سنة، وهو رقم مهول إذا ما قدرنا على سبيل المثال أن ما بذلته الدولة بكافة مصالحها الإدارية و الدبلوماسية و التجارية أفضى خلال الأربع سنوات الماضية إلى تحقيق صادرات خارج المحروقات تقارب 11 مليار دولار.

    من هنا نستنتج أن ما تحققه جهود مضنية يمكن أن يذهب سدى عبر توتر يتسبب فيه الاستعمال المتطرف لأحد مكونات الهوية الوطنية. كما يجب توضيح ما ينعكس على ذلك على مؤشرات التنمية، حيث انخفض معدل النمو من 4.4 % العام 1989 إلى ناقص 1.2 % العام 1990، ثم إلى ناقص 2.1 % خلال 1993.

    • نفهم من المؤشرات أن السلم الاجتماعي هو رأسمال لا يقدر بثمن؟

    هذا بالتحديد ما أريد الوصول إليه، لكن ذلك الرأسمال يستوجب الاستثمار فيه. لذلك توصي الدراسات الحديثة بأن الاستثمار ينقسم إلى نوعين، استثمار في كل الموارد المحلية لخلق الثروة، وهناك استثمار آخر في موارد لا مادية، وهذه الموارد اللاّمادية هي الذاكرة الوطنية، والمرجعية الدينية، والتنوع الثقافي، وهي المواضيع التي تحقق الاستقرار المجتمعي للدولة والمجتمع معا فوجب تعزيزها للحفاظ على استقلالها وعدم تفتيت نسيجها الثقافي والاجتماعي.

    نور الدين جوادي لـ "الترا جزائر": الجزائر عرفت عشرية سوداء بين أعوام 1991/ 1999، وأصل تلك الأزمة استعمال مكون ديني في صراع سياسي

    علينا أن نعي بأن قيم التسامح هي قيمة في حد ذاتها، ذلك أن أبحاث دولية مثل بوف/ إيليا تشير بوضوح بأن ارتفاع معدل التعايش السلمي بمقدار 10 % بين أعوام 1960/2010 ساهم في ارتفاع معدل النمو في نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بحوالي 2.1% عالميا، وارتفع نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي بنحو 2.8 % في الدول النامية، أي أكثر من 0.7 %من المتوسط العالمي. عكس ذلك تشير إحصاءات جوزي ومارتا في 2003 إلى أن زيادة 1% من التعصب الثقافي تسببت في انخفاض مؤشر نصيب الفرد من الناتج المحلي بنحو 2.5 % لأن التعصب الثقافي أدى لنشوب فوضى أمنية وارتفاع نسب الجرائم وأعمال الشغب. في المحصلة النهائية الكلفة الاقتصادية لانفلات الأمن الهوياتي مرتفعة جدًا.

    • من الواضح أن مصالح الدولة واعية بهذه المعطيات، لكن المشكلة هي بعض النخب المتطرفة التي تقوّض هذا التعايش المنطقي في إطار الأمة، ما العمل لرأب الصدع.؟

    لا بدّ من الوعي بهذه المسائل وتنظيم ندوات حوار ولقاءات تثاقف مشتركة، وتقريب وجهات النظر، فالحوار يمكنه أن يسهم في إذابة كثير من الأحكام المسبقة والتأويلات المغرضة والخوف من الآخر. يجب أن نتصرف كأبناء أمة واحدة متعددة الثقافات حفاظا على مصلحتنا المشتركة، ومصلحتنا المشتركة تقتضي التعاون على تطوير الاقتصاد والتنمية وتجنب كل ما يضرهما. من المؤكد أن البلاد حققت خلال السنوات الأربع الماضية استقرارًا مؤسساتيًا واقتصاديًا.

    لكن هذه المكتسبات يمكن تبديدها في لحظة إذا لم ننتبه بأن هناك استراتيجيات معادية يمكنها أن تستغل مكونات الهوية في ضرب التنمية مثلما ضربت البلاد في وقت من الأوقات بمرجعية دينية لا علاقة لها بالمرجعية الدينية الوطنية. على النخب الجزائرية أن تعي أن استقرار المجتمع والدولة مرهون بمفاهيم ممارسة المواطنة، وبالتمسك بمرجعية دينية وطنية واحدة وبذاكرة واحدة، لذا من الضروري أن تخرج من انغلاقها داخل اختصاصاتها وقوقعتها لتطلع على هذه الملفات لتكتسب الحصانة اللازمة وكي لا تكون في حالة هشاشة.

    نور الدين جوادي لـ "الترا جزائر": من المهم أن نتحاور كنخب حول المصلحة المشتركة للأمة الجزائرية بأبعادها الثلاثة، هذا يقرب وجهات النظر ويزيل سوء الفهم والتأويل وغيرها من الأحكام المسبقة

    صحيح أن الدولة أدت ما عليها، بأن تجنبت كثيرًا من الأزمات التي عرفتها دول الجوار عبر الفوضى الأمنية التي يسمونها الربيع العربي منذ 2011، مع ملاحظة أن الإشاعات لم تعد تتحكم في الرأي العام بل صارت تذوب في دقيقة، ويبقى دور النخب المتنورة ضروريا لتوعية الرأي العام وإحاطته بمتطلبات ثقافة المواطنة التي تضمن ممارسة التنوع اللساني والهوياتي المؤسس والتعايش السلمي في إطار أمة جزائرية واحدة تربطها مصلحة مشتركة ومصير واحد.