كان الإعلان الترويجي لوثائقي "الجزائر بلد كل الثورات" على القناة الفرنسية (M6)، بداية جدل واسع على مواقع التواصل الاجتماعي تباينت فيه الآراء ووجهات النظر، حيث سبقت عرض الوثائقي تصريحات بعض المستجوبين فيه، أكّدوا فيها أنّ "القناة الفرنسية حاولت التسويق لصورة نمطية عن الجزائر معتمدة على بتر بعض التصريحات والمشاهد".
وثائقي قناة الفرنسية (M6) كان حصيلة عمل دام سنتين حسب تصريحات القائمين عليه
وكانت القناة الفرنسية(M6) ، بثّت وثائقيًا بعنوان "الجزائر بلد كل الثورات"، كان حصيلة عمل دام سنتين حسب تصريحات القائمين عليه، سبقه إعلان ترويجي موّضحًا أن العمل يخوض في موضوع الحراك الشعبي، لكن بعد بثه تبيّن أنّه لم يخرج عن رصد المشاكل الاجتماعية لشباب جزائريين باحثين عن العمل والسكن والحرّية، فيما كان نصيب الحراك الذي حرّر الجزائريين من نظام بوتفليقة مجرّد مشاهد في بداية ونهاية الوثائقي.
اقرأ/ي أيضًا: مهدي بوقاسم لـ "الترا جزائر": لا يوجد أيّ شاب معتقل بسبب وثائقي "فرانس 5"
قصص عادية جدًا
بنى الفريق الصحافي الذي اشتغل على الوثائقي عمله على قصص شباب جزائريين في مناطق مختلفة من الوطن، حيث حلّت كاميرا البرنامج الفرنسي الشهير في كل من شلغوم العيد بولاية ميلة وورقلة وسطيف، إضافة لمشاهد تم تصوريها في أماكن مختلفة من العاصمة.
ونقل الوثائقي شهادة نور، شابة في الثانية والعشرين من عمرها، صنعت شهرة عارمة عبر مواقع التواصل الاجتماعي بفيديوهات عن مواد التجميل، وتحدّث إلى الفنانة الشابة نرجس عسلي، لتروي قصتها وحلمها في جزائر تسود فيها قوة القانون، ويعيش فيها كل فرد حياته التي يريد بعيدًا عن أعين الناس.
فيما يريد أيوب المتطوّع في مدرسة تابعة لجمعية الإصلاح والإرشاد أن يكون دستور الجزائر مستمدًا من الدين الإسلامي فقط، وأن تكون الجزائر بلدًا إسلاميًا خالصًا، فيما حملت ثنايا الوثائقي "قصة كئيبة" لشاب من مدينة ورقلة، مهندس عجز عن إيجاد عمل في أغنى مدينة جزائرية وأكبر عواصم النفط فيها.
ردود فعل
على غرار وثائقي "الجزائر حبيبتي" الذي بثّته قناة فرانس 5، أثار بثّ "الجزائر بلد كل الثورات" ردود أفعال متباينة على مواقع التواصل الاجتماعي، وكانت غالبية تعليقات الجزائريين منتقدة للعمل الذي بدا لهم باهتًا مقارنة بالشهرة العالمية للبرنامج الفرنسي الذي تبثته قناة (M6)منذ أزيد من خمسة عشر سنة.
هنا، يتساءل الإعلامي نجم الدين سيدي عثمان عن "الأمر الذي يجمع فتاة تقدم محتوى متعلق بمساحيق التجميل على يوتوب، وباحث عن العمل وشاب حصل على سكن في مدينة العلمة، وشاب متطوّع في جمعية الإصلاح والإرشاد بشلغوم العيد ولاعب كرة هاوٍ؟".
مضيفًا "جمعهم عمل صحافي فرنسي حتى لا أقول تحقيقًا، وعجن قصصهم المتناثرة، فجاء العمل مفككًا دون عمق لا يعرف له رأسًا من ساقين، مع حشر الحراك الشعبي في الأخير كي يبدو أنه جديد بينما صور أغلب العمل قبل شهور وربما سنوات".
وعلى عكس رأي سيدي عثمان، يرى المدوّن شمس الدين بريك، أنّه "بصرف النظر عن بعض الأخطاء، أجد أن التقرير يمثل بشكلٍ عادل الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي للبلد وفوق كل شيء يكشف بشكلٍ مأساوي عن كارثة 58 عامًا من حكم شمولي".
من جهته، يرى المنتج والمخرج بشير درايس أنّ المواضيع التي تناولتها القناة الفرنسية تنشر حولها مئات الفيديوهات يوميًا على مواقع التواصل الاجتماعي متسائلًا "ما الجديد الذي نقله الوثائقي لينال كل هذا الجدل لمدّة أسبوع، حتى أنّ البعض اعتبر أن الوثائقي مؤامرة ضد الجزائر"، ليضيف "علينا أن ندرك أنه بالنسبة للعديد من الأجيال الجديدة ، تعتبر المرأة التي تدخن أو تشرب (عاهرة)، حتى ولو كانت أستاذة في الطب".
فيما كتبت راضية عشّي على حسابها " أي شخص مهما كانت درجة غبائه أو ذكائه، يعلم أنّ الصحافة الفرنسية لا تملك نية ترويج صورة جيّدة عن الجزائر، وخصوصًا موضوع يخص المرأة، فتختار القنوات الفرنسية إما النساء المحجبات وتصورهن بالضرورة كخاضعات، أو تتجّه نحو لطبقة أخرى تنشط على السوشيل ميديا وتصور الحياة الجزائرية التي لا تشبه الجزائريين".
من جهته كتب الإعلامي سلاّم صغيّر " بعيدًا عن تعليقات الصحافي والأحكام التي أطلقها النصّ المقروء استمعت إلى أحاديث شباب الجنوب وشباب العاصمة والشرق خاصة أولئك الحراقة (مهاجرين سرّيين)، سواءً نحو الضفة الشمالية أو في بحر الرمال بصحرائنا الشاسعة. كلامهم يكفي لتشريح منظومة حكم نخرها الفساد واحتقار المواطن".
شهادات
كتبت نور، وهي إحدى الوجوه التي روى الوثائقي قصّة نجاحها، أنّه تم خداعها، بعد أن بثت القناة مقطعًا صغيرًا فقط رغم أنّ التصوير دام لساعات، وندّدت الناشطة على مواقع التواصل الاجتماعي بما أسمته "نقص مهنية" من طرف القائمين على التصوير، حيث تم استعمالها على حسب أقوالها من أجل الترويج لصورة سيئة عن حال المرأة الجزائرية في المجتمع والتي وصفوها أنّها ستظّل "قاصرة طول حياتها" نظرًا لطبيعة المجتمع الجزائري، في مقابل ذلك تضيف المتحدّثة، حاولت التسويق لفكرة أن المرأة الجزائرية استطاعت اقتحام مجالات عديدة رغم ارتدائها الحجاب.
من جهة أخرى، أدلى الشاب يوسف حوّاش بشهادته في الموضوع، بعد أنّ تم التصوير معه دون أن تبث المقاطع الخاصّة بع رفقة مجموعة أصدقائه، حيث كان لهم لقاء مع صحافية جزائرية وأخرى فرانكو جزائرية من أجل التصوير في ساحة كنسية السيدة الإفريقية بأعالي العاصمة.
ويقول حوّاش "اتصل بنا فريق الأعداد من أجل التصوير السنة الماضية، في عزّ الحراك الشعبي، وكان المتفق عليه أنّ الحديث سيكون حول الشأن السياسي الجزائري وكيف يتصوّر الشباب الجزائري المخرج للأزمة التي يعاني منها البلد".
ويتابع المتحدث "كانت الصحافية تحاول في كلّ مرّة توجيه النقاش نحو الزاوية التي تساعدها، وكأنها تريد أن تنقل على ألسنتنا أمورا معيّنة، ولقد تواصل الأمر لمدة ثلاث ساعات".
يوسف حواش: عدم تعاطينا مع توجّه القناة حال دون بثّ المشاهد التي استُجوبنا فيها
ويعلّق يوسف "فخور بالرفاق، فرغم صغر سنهم والمحاولات الحثيثة لجرّهم للمواضيع التي تساعد زاوية القناة الفرنسية وتوجه كلامهم، إلا أنهم لم يتمكنوا من أخذ ما يريدون"، وهو السبب في عدم بث شهاداتهم يعتقد المتحدّث.
اقرأ/ي أيضًا:
"الجزائر حبيبتي".. وثائقيٌّ في تمجيد الحراك الشعبي أو في ذمّه؟