دعت منظمات غير حكومية وجمعيات حقوقية، الدولة الفرنسية للاعتراف بمسؤوليتها عن ممارسة التعذيب خلال الثورة الجزائرية، ونقلت شهادات فظيعة عما كان يحدث في معتقلات الاستعمار.
المنظمات الحقوقية: تم التنظير للتعذيب كنظام حرب وتعليمه وممارسته والتستر عليه وتصديره من قبل الحكومات الفرنسية، الأمر الذي ينطوي على مسؤولية الدولة الكاملة
وكتبت نحو 20 منظمة في ملف أرسل إلى الإليزيه وتم تقديمه في مؤتمر صحافي، أن "سلوك طريق فهم الدوامة القمعية التي أدت إلى ممارسة التعذيب، والذي شكل الاغتصاب أداته الأساسية (…) ليس تعبيرا عن الندم، بل هو عامل من عوامل الثقة بقيم الأمة".
وأعربت المنظمات الموقعة على النداء عن استنكارها لعدم استقبالها في قصر الرئاسة الفرنسي من أجل تسليم الملف.
وقالت إنه خلال ما سمّي لفترة طويلة "أحداث" الجزائر، "تم التنظير للتعذيب كنظام حرب وتعليمه وممارسته والتستر عليه وتصديره من قبل الحكومات الفرنسية، الأمر الذي ينطوي على مسؤولية الدولة الكاملة".
ويوجد من بين المنظمات الموقعة، رابطة حقوق الإنسان و"المجندون السابقون في الجزائر وأصدقاؤهم ضد الحرب".
وكانت الرئاسة الفرنسية، قد اتخذت خطوة أولى في هذا الاتجاه قبل عامين، خلال تكريم المحاربين القدامى الذين شاركوا في حرب الجزائر.
لكن نيل أندرسون، رئيس منظمة "العمل ضد الاستعمار اليوم"، يقول في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء الفرنسية، إنه هذا الاعتراف رغم أنه "مهم" و"شجاع"، إلا أنه غير مكتمل كونه "لا يحدد سلسلة من المسؤوليات، خصوصا في أعلى هرم الدولة".
وأبرز أن "الأمر لا يتعلق بالإدانة ولا بالحكم على أحد، بل بالنظر إلى التاريخ وجها لوجه، بهدف التهدئة".
وأضاف أن هذا ما "سيسمح لنا بالانتقال إلى الخطوة التالية، وهي فهم كيف أمكن حصول ذلك ثم المضي قدما في العيش معا. وهذا مهم لأن المسألة الجزائرية حساسة في الرأي الفرنسي".
وقدّمت المنظمات في ملفها أدّلة وشواهد، منها أن التعذيب “تم تدريسه منذ عام 1955” في المدارس العسكرية الكبرى مثل “سان سير”، وأن أولئك الذين عارضوه خلال حرب الجزائر “أدينوا” في المحاكم.
كما تم نشر عشرات الشهادات لأشخاص تعرضوا للتعذيب خلال الحرب التي أدت إلى استقلال الجزائر.
وفي هذا السياق، قال حور كبير، الذي وصف اعتقاله في تشرين الأول/ أكتوبر 1957 في رسالة إلى المدعي العام في ليون: “لقد عانينا من أفظع الانتهاكات”، لافتا الى “التعذيب بالإغراق في حوض الاستحمام” أو “الصعقات الكهربائية” في “الأعضاء التناسلية”.
وأضاف هذا السجين السابق “مع نهاية هذه الجلسة (من التعذيب)، مشينا لفترة طويلة وأقدامنا في أحذية داخلها مسامير حادة اخترقت أقدامنا”.
من جانبها، أوضحت غابرييل بينيشو غيمينيز لمحاميها أنها تعاملت مع هذه المحنة “بكل ثقة في الذات” في تشرين الأول/ أكتوبر 1956، بعد أن تعرضت للتعذيب بالفعل خلال حرب الجزائر، علما أنها تعرضت للممارسات نفسها في الحرب العالمية الثانية عام 1941.
وأكدت تعرضها “للجلد”، و”الإجبار على الاستحمام بالماء البارد في فصل الشتاء” و”اللكمات”، بدون أن “تنطق بكلمة” عن المعلومات التي كان يريدها الجلاّدون. واضافت “لا بد من أنني تسببت بخيبة أمل. فبعد إحدى عشرة ساعة من هذا التعذيب، لم يعد بإمكاني الصمود”.
وبدأ تقديم الشهادات المكتوبة حول التعذيب أثناء الثورة والذي لم يسلم منه المجاهدون الجزائريون أو المتعاطفون مع الثورة من الفرنسيين على حدّ سواء.
وفي عام 1958، قدّم الكاتب الصحافي والمناضل الشيوعي هنري أللاغ شهادته على التعذيب الذي تعرض له من جانب الجيش الفرنسي، في كتاب صادم تم حظره على الفور عنوانه “السؤال”.
وبعد أكثر من أربعة عقود، اعترف الجنرال بول أوساريس بممارسة التعذيب، وهو أحد سجّاني بطل الثورة الجزائر العربي بن مهيدي.