15-يونيو-2024
زبيدة عسول، لويزة حنون، سعيدة نغزة (الترا جزائر)

مترشحات للرئاسيات الجزائرية (الترا جزائر)

أعلنت ثلاث ناشطات في الجزائر، عن رغبتهم في خوض سباق الرئاسيات المزمع إجراؤها في السابع أيلول/سبتمبر المقبل، وهنّ كل من رئيسة حزب العمال، لويزة حنون، ورئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير والرقي، القاضية السابقة زبيدة عسول، إضافة إلى سيّدة الأعمال، سعيدة نغزة، التي تترأس الكونفدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية.

الباحث إسماعيل حدو لـ"الترا جزائر": الانخراط في السياسة والترشح لهذا المنصب يجسّد بشكل لافت مختلف القيم والمعاير التي اكتسبتها المرأة الجزائرية

المشاركة النسوية في الرئاسيات هذه المرة تأتي في سياقات سياسية مشابهة لاستحقاقات سابقة، تطبعها عودة التحالفات الحزبية لدعم عهدة جديدة للرئيس الحالي تحت مسمّى "ائتلاف أحزاب الأغلبية من أجل الجزائر"، وخفوت صوت المعارضة، أو عدم وجود منافس قوي للرئاسيات بإمكانه إحداث توازن في الساحة السياسية، فهل ترشّح هؤلاء الناشطات هو محاولة لتحسين هذا التّمثيل في سباق انتخابي نحو هرم السلطة؟

خلفيات

عمومًا تحمِل خطوة ترشّح العنصر النسوي في الانتخابات الرئاسية مؤشرًا على حيوية المشاركة السياسية للمرأة في الجزائر، كما تقول الباحثة في العلوم السياسية الأستاذة، نصيرة آيت حمو، خاصة وأنّ المرأة منذ الاستقلال مرّت بمحطات بعد دخولها عالم الشغل والمشاركة في اقتصاد الأسرة ثم التعريج على المشاركة في قضايا تهم المجتمع.

وهذا ما يعبّر فعلًا، حسب الأستاذة آيت حمو، عن " الدور المحوري" للمرأة في شؤون المجتمع، وينعكس ذلك أيضًا على دورها في المجال السياسي.

لكن من زاوية أخرى هناك من يرى هذا الترشح بعين تركّز على أنّها "خطوة لا تنسجم مع نشاط المرأة في المجال السياسي وخاصة على المستوى الحزبي"، ويعلل هذا الرأي الذي يتفق فيه البعض في تصريحات متفرقة لـ" الترا جزائر" بوجود ثلاث نساء على رأس أحزاب سياسية فقط، من بين 60 حزبًا سياسيًا معتمدًا في البلاد.

هذا الواقع، فسح المجال لمتابعين للشّأن السياسي في الجزائر، إلى " توصيف" بعض الأسماء بأنها مجرد "أرانب السباق وليس منافسين"، مثلما يقول الناشط السياسي فريد لعلاونة، مع بعض الاستثناءات لنسبة حجم النضال السياسي لكل شخصية.

وبصرف النظر عن أسباب الترشح فإنه في حدّ ذاته شجاعة -حسب لعلاونة، لكسب رهان الدخول في بدايات الحديث عن "مشروع تأنيث المنصب الأعلى في مناصب الدولة"، بعد أن خاضت المرأة عدة مناصب قيادية في شتى المجالات.

اجتماعيًا، يبدو أن الانخراط في السياسة والترشح لهذا المنصب يحدّد بشكل لافت مختلف القيم والمعاير التي اكتسبتها المرأة الجزائرية، كما يقول الباحث في علم الاجتماع السياسي، إسماعيل حدو لـ"الترا جزائر"، وذلك طوال حياتها داخل مؤسسات التنشئة الاجتماعية، بالإضافة إلى الخيارات الشخصية في مرحلة معينة من حياتها، فيما يتعلق باستقلالها ماليًا عن الرجل والتحرر من تلك القيود التي فرضتها عليها المنظومة الاجتماعية.

المتابعون للشّأن العام في الجزائر، يلمحون إلى نوع من الخصوصية السياسية التي ستحضر في الانتخابات القادمة، وهي خصوصية تميزها هذه "الشجاعة لإعلان الترشح أمام أسماء وازنة، ولها سند سياسي، منها شخص الرئيس عبد المجيد تبون، وأطياف حزبية أعلنت دعوته للترشّح مع مساندته في استكمال مشروعه السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

هذا المعطى يرجّح كفّة "المشاركة من أجل تأثيث المشهد السياسي والواجهة الانتخابية" تطغى بقوة، رغم أن الأسماء الأنثوية الثلاثة، أعلنت نيتها في خوض المنافسة كمنافسين ببرامج وبوعي لحجم المنصب والمسؤولية الملقاة على عاتقهن".

نضال بأوجه مختلفة

إلى حين استتباب أوراق المرشحين للاستحقاقات، واحتمال إعلان مرشحات أخريات عن الرغبة في المنافسة، يمكن العودة لمسار الانتخابات الرئاسية في الجزائر، إذ تمتلك السيدة لويزة حنون رصيدًا سياسيًا لافتًا، منذ أزيد من ثلاثة عقود من الزمن، أي منذ إقرار التعددية السياسية والنقابية مع دستور 1989، وتجربتها في الترشح ثلاث مرات للمنصب بدءًا من عام 2004، وذلك في أوج قوة الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، ثم في 2009، إلى انتخابات 2014.

وعلى خلاف تلك الفترات، لم تشارك حنون في انتخابات 2019، لكنها ظلّت محافظة على نسق خطابها السياسي المشكل من صياغتين: الأولى في علاقة مع مطلب الحريات والممارسة الديمقراطية، والثانية في علاقة بانحيازها إلى المطلبية العمالية.

لذلك، فإن مكاسب شخصية حنون من النضال الميداني وشخصيتها في المواجهة، يجعلها اليوم تخوض المنافسة الانتخابية، بقوة، لكنها على عكس التجارب السابقة، لن تكون منفردة بل سيرافقها في المنافسة امرأتان كلاهما يمثلان مكوّنا من مكونات الشأن السياسي والاقتصادي في البلاد.

بالحديث عن القاضية السابقة، زبيدة عسول، وجب التذكير أنها خاضت المجال السياسي عبر منفذ الحريات والديمقراطية، بعد أن أسست حزب "الاتحاد من أجل الرقي" عقب الحراك الشعبي، في الجوار الجزائري وفي بعض الدول العربية في 2011 بما عرف إعلاميا بـ"الربيع العربي"، وتمكنت بذلك أن تستقطب عددًا من النشطاء السياسيين.

وبزغ نجم القاضية عقب 2014، وبعد رفض بعض المكوّنات السياسية في البلاد لترشّح الرئيس الراحل بوتفليقة لعهدة رئاسية رابعة، وكونت بذلك برفقة وجوه سياسية بارزة تكتل مواطن المعارض للرئيس بوتفليقة، ثم برزت بشكل أكثر وضوح في الحراك الشعبي ودفاعها من جهة على مطالب الشارع، وعن نشطاء حرّية الرأي كونها تمارس مهنة المحاماة.

كما رفضت الاعتراف بالمسار الانتخابي في 2019، لكنها غيرت تلك النظرة، بعد مضي أكثر من أربع سنوات على عهدة الرئيس الحالي عبد المجيد تبون، في محاولة منها للاستمرار في التغيير السياسي بالمشاركة والفعل وليس بالركون في رصيف الميدان وعلى هامش الأحداث.

المرشحة الثالثة للانتخابات الرئاسية، تحمل في رصيدها خلفية اقتصادية، إذ عرفت السيدة سعيدة نغزة بالجدل في الساحة الجزائرية، على اعتبار أنها واجهت زمرة من رجال الأعمال في عهد الراحل بوتفليقة، ومرت بعدة تجارب خلال سنوات من التحديات في مجال الاستثمارات داخل البلد وخارجه، ولكن بالرغم من تجربتها الثرية في مجال المال والأعمال، إلاّ أنّها كانت دوما على هامش الممارسة السياسية، والتقدم للمنافسة الرئاسية في حدّ ذاته منجز إلى غاية الإعلان النهائي عن الأسماء المقبولة قانونا لخوض المنافسة وبدء الحملة الانتخابية.

ميدان التمثيل النسوي

لمعاينة تمثيل النساء في الساحة السياسية، تحوز المرأة على 34 مقعدًا، في البرلمان من مجموع 407 مقاعد، وهذا ما يشكّل في الوقت نفسه، ما نسبته ثمانية في المائة.

بلغة الأرقام، فإن تنزيل ترشح النساء في الاستحقاقات القادمة، يعد جزءًا من الحضور السياسي، أولًا، رغم أن نسبة وجود المرأة في البرلمان تعتبر ضئيلة مقارنة بتمثيل الرجال، ما يجعل من المنافسة في إطار رئاسيات الخريف المقبل، محطة مهمة وفضاء أوسع لطموحات المترشحات.

لا يختلف الطرح الحالي في البلاد، في علاقة بالمنصب المهم الذي بقي حِكرًا على الرجل، في ظلّ غياب حقيقي لتمكين المرأة الوصول إلى الحصول على نسبة معتبرة، في مقابل المنافسة على البرامج الانتخابية.

وفي هذا السياق، تطرح العديد من المنخرطات في أحزاب سياسية في الجزائر، أنّ المنافسة ربما لا تعدو أن تكون إطارًا شكليًا فقط، لا يمكن تقفي أثره في الميدان، لأن إسهامات المرأة عمومًا في المجال السياسي مازالت منحصرة في الأطر الحزبية،وبأقل تمركز في الأطر النقابية.

وعليه، فإن البيئة السياسية في الجزائر، ظلت محل انتقادات لمختلف المكونات الحزبية في البلاد، لذا تعتقد المرشحة الحرة للانتخابات البرلمانية السابقة فريدة جحاف، بأن ترشح هذا الثلاثي، سيفتح المجال أمام الناشطات لخوض غمار الممارسة السياسية، والدخول إلى حلبة المنافسة بشكل لافت في الاستحقاقات المقبلة عقب الرئاسيات.

البيئة السياسية في الجزائر ظلت محل انتقادات لمختلف المكونات الحزبية في البلاد

وأضافت في تصريح لـ" اترا جزائر: بأن هذا التوجه، يُبشّر أيضًا ببروز وجه جديد للممارسة في النهوض بالبلاد، ويؤكّد أن حضور المرأة في الرئاسيات مهم لمشاركتها في الفعل السياسي ميدانيًا.