27-مايو-2024
 (فيسبوك/الترا جزائر) مقر حزب الأفافاس

(فيسبوك/الترا جزائر) مقر حزب الأفافاس

بعد ربع قرن من مقاطعته للانتخابات الرئاسية، يعود حزب جبهة القوى الاشتراكية "أفافاس" للواجهة الانتخابية، تحسبًا للرئاسيات المقرّرة في السابع من شهر سبتمبر/ أيلول المقبل، مع ترقب تقديم مرشّح يدخل المنافسة سيتم الفصل فيه لاحقًا خلال مؤتمر استثنائي، وهو ما يطرح عدّة أسئلة على الصعيد السياسي حول هذا التحول المفاجئ لهذا الحزب العريق.

خلال 5 استحقاقات رئاسية عرفتها الجزائر عقب التعددية السياسية في تسعينيات القرن الماضي، اختارت جبهة القوى الاشتراكية ألا تكون فاعلًا سياسيًا

إلى هنا، يعتبر متابعون للشّأن السياسي في الجزائر، أن قرار "الأفافاس" وهو حزب يساري كان"مفاجئًا لصالح المشاركة"، إذ تعوّد الحزب على مقاطعة المشهد الانتخابي خاصة منه المتعلق بالاستحقاقات الرئاسية،وظلّ يقاطع الانتخابات الرئاسية ولم يشارك في أربع استحقاقات رئاسية متتالية.

وتعدّ جبهة القوى الاشتراكية، أول حزب سياسي ظهر في الساحة في 1963، أي بعد استقلال الجزائر، وقاطع مختلف الاستحقاقات الرئاسية منذ أن انسحب مرشحه الزعيم التاريخي حسين آيت أحمد أو " الدا الحسين" من المنافسة الانتخابية في رئاسيات 1999 رفقة خمسة مترشحين أيضًا، وهم: مولود حمروش، أحمد طالب الابراهيمي، مقداد سيفي، عبد هللا جاب الله ويوسف الخطيب، وتركوا بساط الرئاسة مفروشًا وقتها أمام المرشح الوحيد عبد العزيز بوتفليقة..

في كلّ مرة، كانت مبرّرات الحزب بالمقاطعة للرئاسيات، كثيرة منها ما تعلق بـ" الظروف التي لم تكن تسمح له بالمشاركة بدافع تعكّر أجواء البيئة السياسية، وعدم تهيئة مناخ الحريات"، فضلًا عن تحريه النزاهة والشفافية في الاستحقاقات، وذلك أمر كان في السابق غير متوفر في المناسبات الانتخابية السابقة.

قطع القطيعة

خلال خمس استحقاقات رئاسية عرفتها الجزائر عقب التعددية السياسية في تسعينيات القرن الماضي، اختارت جبهة القوى الاشتراكية ألا تكون فاعلًا سياسيًا في الواجهة الانتخابية، لذا تُطرح أسئلة كثيرة في علاقة بتحوّل خيارات هذا الحزب أهمها: ما الذي تغيّر منذ ذلك الوقت إلى اليوم؟ وما هي الدوافع الأساسية لخيار المشاركة؟، وهل يمكن أن يسهم القرار ومشاركة "الأفافاس" في رفع نسبة المشاركة في منطقة الفبائل خاصة، وانهاء فعل المقاطعة؟

  قبل الإجابة على هذه الاستفهامات، وكثير سواها، لابدّ من العودة لقراءة عميقة لبيان المجلس الوطني للحزب، الذي أقرّ إعلان المشاركة، فالواضح أن الأجهزة الداخلية للجبهة قدّمت خلال ساعات المناقشات حول القرار مبرّرات المشاركة، إذ بدا وجود عدة مواقف داخل الحزب، مردّه الظروف المثيرة التي ستُجرى فيها الاستحقاقات، إلا أن الكفة مالت للجهة التي تدعو للمشاركة نظرا ً لكون هذه "الانتخابات ستوفر فرصة لإعادة التعبئة السياسية لاستعادة الفضاءات السياسية الديمقراطية".

كما دعا الحزب "جميع النّخب الوطنية، أينما كانت، للخروج من حالة الأمر الواقع السلبية المفروضة والعمل على منع البلاد من الغرق في الجمود".

كما ألمح الحزب إلى أنه ثمّن ابتعاد الجزائريين "عن استراتيجيات المواجهة والتطرف التي ينادي بها دعاة الفوضى وتفكيك الدولة الوطنية"، مشيرا في الآن نفسه إلى "العشرية السوداء"، موجهة أصابع الاتهام لمن أسمتهم مجموعات متطرفة وضعت نفسها تحت تصرف جماعات مصالح غامضة أو تخضع لأجندات خارجية،"

وفقًا لما سبق ذكره، فإن خيار المشاركة جاء بناءً على ما وصفه البيان بـ"مسؤولياته التاريخية في لحظة مفصلية، والوفاء لأخلاقيات الجبهة السياسية" مشترطًا ذلك بتهيئة الظروف لتقديم مرشّح عن الجبهة.

كما ذكّر بمقاطعته للرئاسيات قبل خمس سنوات، إذ تعلقت آنذاك بما قاله البيان بـ"رفض الجزائريين لأكبر محاولات الاستحواذ على السلطة ومصادرتها لصالح زمرة مفترسة"، وهو ما يفسر على أن هناك متغيرات جدت في الساحة السياسية من نظرة الحزب وتماهييها مع مطلب تحريك الساحة السياسية بالفعل الإيجابي، والتخلّي عن دور المتفرّج.

تغيير قيادة الحزب أثّر كذلك على تغيير خيارات الحزب الحالية، إذ أكد الأمين الوطني الأول، يوسف أوشيش، أن القرار يعتبر "تضحية" ومحطة من النضال لتجديد العهد مع المبادئ الأساسية والتأسيسية للحزب، من أجل ربح فضاءات أخرى لصالح الأفافاس.

مفاجأة..

يأخذ موقف "الأفافاس" بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية، طابع المفاجأة، إذ اعتبره كثيرون تحوّلًا مهمًّا في مواقف الحزب الذي لطالما كان ضد خيارات السلطة، تمسك الحزب بموقفه الرافض للمسار الانتخابي حتى بعد رئاسيات 2019، وانضم إلى تكتل "البديل الديمقراطي" ضم الأفافاس والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية (الأرسيدي) وجيل جديد، والحركة الديمقراطية الاجتماعية (الأمدياس) والاتحاد من أجل التغيير والرقي، لكنه انسحب بعد مشاركته في الانتخابات المحلية التي جرت نهاية عام 2021 من هذا التكتل.

كما يتمسك الحزب بمطلب إطلاق سراج سجناء الرأي، فضلا عن الدفاع عن دولة القانون والحريات والعدالة الاجتماعية، كما كان لدى القيادة السابقة للحزب موقف نقدي ومعترض على طبيعة تلك الانتخابات وأدواتها ويقود هذا لطرح السؤال حول المتغير الذي دفع الحزب إلى تغبير موقفه؟

انعطافة تاريخية

لكن يبدو أن تغير القيادة، منذ المؤتمر الوطني السادس للحزب في نهاية 2022، باعتبارها قيادة فتية وشابة وإجراء الحزب لمراجعة ذاتية في علاقته بالدولة ومؤسساتها وإجراء مراجعة أيضا في خطابها السياسي وتخليه عن بعض مطالبه التاريخية مثل مطلب المجلس التأسيسي والمرحلة الانتقالية والتي كانت في مضمون خطاباته أُثناء الحراك وحتى في مؤتمره الأخير.

وعزت بعض الأطراف من داخل الحزب في تصريحات لـ"الترا جزائر" اتخاذ هذه " الانعطافة التاريخية"، إلى طبيعة الظّرف الداخلي في الجزائر في علاقة ببروز حركة "الماك" الانفصالية التي تصفها السلطات الجزائرية بـ"الحركة الإرهابية"، التي تحاول بعض الأطراف استخدامها لزعزعة المنطقة.

إلى حين المؤتمر الاستثنائي للجبهة وتقديم مرشّح للاستحقاقات المقبلة، هناك أطراف أخرى، دعت إلى المشاركة لأن "المقاطعة لن تخدم الحزب ولا البلد"، لكن كانت ترى في عدم تقديم مترشح مع عدم الدعوة للمقاطعة أفضل سيناريو لـ" الأفافاس".

تموقع سياسي

مشاركة "الأفافاس" تستهدف حسب الناشط السياسي جمال زغدار، إعادة تهيئة أجواء الممارسة السياسية، "كرصيد لإعادة ترتيب دولة ديمقراطية والتأسيس لقواعد جديدة في الفعل السياسي والخروج من حالة الجمود في تنوّع الأفكار المطروحة في الساحة وأيضا على مستوى البرامج الانتخابية".

كما نبّه زغدار في تصريح لـ"الترا جزائر" إلى أن الأفافاس يبقى دومًا الحزب الذي يسعى للحفاظ على الدولة الوطنية ووحدتها، وطرحه السياسي يمكن أن يعيد للساحة السياسية زخمًا وتنوعًا في الأفكار والبرامج، خصوصًا أنّ المتغيرات الموجودة إقليميا تتطلب مشاركة مختلف المكونات السياسية في البلاد في السعي نحو الحفاظ على استقرار البلاد.

من جهة أخرى، فإن هذا القرار يكشف بشكلٍ واضح عن عملية استرداد لمساحة الحوار بين السلطة ومختلف المكوّنات السياسية في الساحة، بما فيها التي عارضت المسار الانتخابي في 2019.

ويشير أستاذ العلوم السياسية، الباحث فريد هني، بأن "موقف الأفافاس، لا يمكن قراءته بسطحية، بل هو مبني على عدة مراجعات قامت بها القيادات الحزبية لهذا الحزب العريق بل التاريخي، والمتشبع بالقيم الوطنية أيضا.

 ويرى الأستاذ هني، لـ" الترا جزائر" أن القيادة الحالية للحزب "لا ترضى اليوم بردّ اليد الممدودة من السلطة، وفتح الأخيرة لأبواب النقاش والحوار"، في إشارة من المتحدث للقاء الرئيس عبد المجيد تبون بالأحزاب، وجمع شمل مختلف الحساسيات السياسية في البلاد.

هل هي مصالحة انتخابية؟

واقعيا، يتوقع البعض أن مشاركة هذا الحزب المعارض سيقطع أيضا مع ما يصفه العارفون بالمجال السياسي بـ" حالة القطيعة المزمنة"، إذ سيؤثّر حتما على "مقاطعة منطقة القبائل للانتخابات وصناديق الاقتراع عموما"، كما ستؤثّر " إيجابيا" على نسبة المشاركة في منطقة القبائل، بل سيُسهم هذا القرار في تلك النّسبة التي كانت دوما ضعيفة وتتذيل مجموع نسب المشاركة والتصويت مقارنة بمختلف الولايات الجزائرية.

والملفت للانتباه، للخطوات التي باشرتها بعض الأحزاب في إطار جهود سياسية تنظيم عدة لقاءات في المنطقة مثلما فعله رئيس التجمع الوطني الديمقراطي،

والملفت للنظر، أن هذا الموقف سيعيد تموقع "الأفافاس" ضمن خارطة الأحزاب الوطنية وينزع عنه ثوب الحزب المناطقي كونه كان مرتكزاً في منطقة القبائل، ويدفع بمشاركة قوية لسكان المنطقة" والاقبال على الانتخابات

ويبدو أن الأحزاب، ستركّز جهودها الانتخابية على المنطقة في صورة الحملة الانتخابية المرتقبة، فبالعودة إلى نسب المشاركة وجب الإشارة هنا إلى نسبة التصويت التي لم تتعد 2 في المائة في المنطقة (ولايات تيزي وزو، بجاية والبويرة) في رئاسيات 2019، لكنها شهدت صعودًا لافتًا في الانتخابات التشريعية في 2021 إلى نسبة 33.18 في المائة في ولاية البويرة و20 في المائة في ولاية تيزي وزو، و18.36 في ولاية بجاية.

وجدير بالإشارة، إلى أن الرئيس عبد المجيد تبون أكد لحظة انتخابه في 2019 بأنه يتوق لزيارة ولاية تيزي وزو في إشارة منه إلى أن العمل على المنطقة يستهدف جمع شمل الجزائريين وقطع الطريق أمام التفرقة.  

يأخذ موقف "الأفافاس" بالمشاركة في الانتخابات الرئاسية، طابع المفاجأة، إذ اعتبره كثيرون تحوّلًا مهمًّا في مواقف الحزب الذي لطالما كان ضد خيارات السلطة

وفي هذا السياق، يكشف الكثيرون أن لقاء الرئيس تبون بالأحزاب، في الـ 21 من شهر أيار/ماي الجاري، يعرج نحو تكريس السلطة لجهودها في المنطقة على خطى الدفع بـ"غلق الباب" أمام من يحاولون ضرب استقرارها، وعقد مصالحة انتخابية تترك المجال للمنافسة عبر الصندوق.