22-أكتوبر-2023
كاتب ياسين

مشهد من مسرحية "المرأة المتوحشة" لكاتب ياسين (الصورة:Getty)

الفن الرابع في الجزائر، شغلته هموم الوطن العربي وقضاياه الكثيرة، فعلى خشباته تجسّدت وتعدّدت المشاهد واللوحات حول آمال وآلام الشعوب العربية ومن بينها الشعب الفلسطيني، الذي احتفت الخشبة الجزائرية بكفاحه ونضاله ضد الكيان الصهيوني.

الناقد المسرحي تليلاني أحسن:  تعدُّ مسرحية "فلسطين المخدوعة" من أهم ما كُتِب عن القضية الفلسطينية في الأدب الجزائري، العربي والعالمي

أعمال مسرحية مختلفة قدّمها مخرجون وكتّاب حول القضية الفلسطينية، بقيت محفورة في ذاكرة الجمهور وفي "ريبرتوار" المسرح الجزائري، تنتصر لفلسطين وتفضح الصهاينة وحلفائهم، وباعتبارها من أوائل الأعمال المسرحية التي تناولت فلسطين من الجميل العودة إلى استعراض أبرزها في ظل ما يحدث في قطاع غزّة من جرائم ومجازر وتقتيل من طرف الاحتلال الصهيوني الغاشم.

بانر

وارتأى "الترا جزائر" في هذا السياق أن ينبش في الذاكرة المسرحية ويستعيد واحدة من أهمّ المسرحيات، التي سلطّت الضوء على القضية الفلسطينية.. إنّها مسرحية "فلسطين المخدوعة" التي كتبها الأديب والروائي الراحل كاتب ياسين.

العرض الأوّل                               

"فلسطين المخدوعة" عمل مسرحي جاء مكتوبًا بالدارجة الجزائرية، وأنتجه المسرح الجهوي لسيدي بلعباس (غرب البلاد)، وقُدّم على الركح في عرضه الشرفي الأوّل في 5 حزيران/جوان 1978، ونظمت للمسرحية عروض كثيرة بعديد ولايات الوطن، وموضوعه الرئيس القضية الفلسطينية والتكالب الصهيوني والغربي على فلسطين، دون أن يغفل العمل الذي تبنى فيه كاتب ياسين خطايا ثوريًا وتحرريًا  فضح تقاعس العرب عن القضية.

في "فلسطين المخدوعة" التي كتبها الأديب الراحل كاتب ياسين سنة 1977، تعود إلى "التاريخ السياسي لأرض فلسطين، مستعرضًا من خلالها أهمّ الأحداث والأطراف الرئيسية المتورطة في المؤامرة الدنيئة من طرف الصهاينة ومؤيّديهم ضد فلسطين"، بحسب ما ورد في مقال كتبه ونشره بن عزوزي عبد الله أستاذ بجامعة عبد الحميد ابن باديس بمستغانم، في مجلة "النص" (عدد حزيران/جوان 2023) علمية محكمة تصدر عن مخبر النص المسرحي الجزائري بجامعة جيلالي اليابس بسيدي بلعباس.

جاء نص "فلسطين المخدوعة" في شكل لوحات متتالية تعالج وتتطرق إلى مواضيع سياسية، اعتمد عبرها كاتب ياسين على الطابع الملحمي في مشاهد متعددة، تتناول كل واحدة منها قضية سياسية لها علاقة بالقضية الفلسطينية والصراع العربي-الصهيوني والأطراف المشاركة فيه، بحسب الكاتب بن عزوزي.

قصة المسرحية.. 

وتبدأ قصة المسرحية من دير يهود، حيث يقوم اليهود بطقوس دينية خاصة بهم، وتحدث أحدهم عن النبي موسى وقصته مع النار في سيناء، حيث يخطر بباله إطلاق إشاعة خبيثة حول عودة النبي موسى من جديد؟، ثم يقوم بإشعال النار في مكنسى "موسى الكنّاس" ليوهِم الجميع أنّها معجزة إلهية وأنّ موسى الكناس هو النبي العائد، فسارع الحضور خاصة وجهاء القوم إلى التقرب من موسى الكنّاس، وأخذ البعض يطرح عليه انشغالاته، حتى دخل سكيران، فيقوم "الربي" (الذي يعبد الرّب) بطردهما بحجة أنّهما أهانا "الدير"، ثم اكتشف موسى الخدعة، وأنّ مكنسته ليست مكنسة إلهية، يحملها ويضرب بها "الرّبّيّ" لأنه خدعه، يفرّ ويقوم بسرقة حمار "الرّبّي"، ثم يشرع اليهود في ملاحقته لينتقموا منه.

مسرحية "فلسطين المخدوعة" كُتِبت بالدارجة الجزائرية  من أجل أن تصل أفكار صاحبها كاتب ياسين إلى أكبر عدد من الجزائريين

وهو فارٌ يلتقي في طريقه محمد العربي (مسلم)، فيغطي موسى وجهه، لألاّ يتعرّف عليه محمد، فيطلب من محمد دون أن يكشف عن وجهه أن يأخذ حمار موسى، لكن محمد يردّ بأنّ موسى مطارد والجميع من اليهود يلاحقه، يسأل موسى محمد ما رأيك في موسى؟، يجيب محمد أنه يشكّ في صهيونيته، فيردّ موسى بأنه ليس صهيونيًا كما يدّعون، فيترك موسى حمار "الرّبّي" لمحمد فيقوم محمد بإيصاله لمالكه، وبينما هو في الطريق يتعرض لها سكيران تعرّفا على الحمار، فاتّهما محمد بسرقته، ممّا يدفع محمد إلى التخلي عن الحمار والفرار باحثًا عن موسى، مدركًا أنّ موسى خدعه، وعندما التقاه دار بينهما نقاش حول المنطقة وأصلها، فيصرّ محمد أنّها فلسطين، ويقول موسى أنّها "إسرائيل".

 وبينما هما في جدال يصِلُ ضابط إنجليزي، يحشر الضابط أنفه في الصراع، فيقف خلال النقاش مع موسى ضدّ محمد، في تلميح واضح إلى التآمر الغربي الصهيوني على العرب والمسلمين واحتلال فلسطين، بحسب ما ورد في مقالة بن عزوزي.

وفي المسرحية يتناول كاتب ياسين أيضًا في لوحة أخرى مظاهرات تشرين الأول/أكتوبر بمصر، الثائرة ضد الرأسمالية، ثم يتطرق إلى شخصية "موح الزيتون" الذي باع أرضه بثمن بخص إلى المستوطنين الصهاينة، بسبب الفقر والحاجة.. إلخ. ثم في لوحة أخرى يظهر هتلر مع مفتي الأراضي الفلسطينية، هنا يعود الكاتب إلى الصراع النازي الشيوعي، فينتظر سيف الدين أن يقضي هتلر على اليهود، لكن هتلر يقوم بحرق كل بيت فيه "محمد أو موسى"، لكن يهرب محمد وموسى، ثم يظهر "الرّبّي" وسيموال هيربرت المندوب البريطاني في فلسطين، الذي يطلب منهم إخلاء المكان، فيتقرّب إليه "الرّبّي" ويتوسل إليه حتى يبقي على موسى لكونه يهوديًا، فيكون ردّ المندوب أنّها مؤامرة فقط للتخلص من محمد.

وفي مشهد آخر يتناول كاتب ياسين الصراع العربي الإسرائيلي من خلال "مصارعة الديكة"، ديك موسى وديك محمد، يتطور الصراع ليصبح عراكًا بالأيدي، فتتدخل أميركا وتحسم الصراع لصالح موسى. وهنا يشير كاتب ياسين إلى رعاية أميركا للصهاينة ووقوفها ضد فلسطين والعرب.

460 عرضًا.. كاتب ياسين ينتصر لفلسطين

وعن مسرحية "فلسطين المخدوعة" قال الكاتب والمترجم بوداود عمير على حسابه بفيسبوك في منشور نشره في كانون الأوّل/ديسمبر 2017: "لكاتب ياسين مسرحية تحمل عنوان: فلسطين المخدوعة La Palestine trahie، ينتصر فيها للقضية الفلسطينية، ويُدين فيها تخاذل الأنظمة العربية، كتبها بالدارجة الجزائرية، ضمن سلسلة من النصوص المسرحية، في موقف أدبي نادر، وهو المتحكم في اللغة الفرنسية بامتياز، وكان هدفه أن تصل أفكاره في الثقافة والسياسة، إلى أكبر عدد من الجزائريين، هكذا قام مسرح سيدي بلعباس بعرضها في عدد كبير من المدن الجزائرية مطلع الثمانينيات."

 وأضاف عميّر: "أذكر أنني شاهدت المسرحية، شابًا، لم أفهم كثيرًا عُمق مغزاها، الشيء الوحيد الذي لا يزال راسخًا في ذهني، هو انسحاب رئيس الدائرة والوفد المرافق له، في وسط العرض، احتجاجًا فيما يبدو. تواصل العرض، القاعة غاصة بالجمهور، الذي كان يضحك من الصور الكاريكاتيرية للحكام العرب. وعند انتهاء العرض وقف الجمهور طويلًا، يُحيي فرقة سيدي بلعباس وكاتب ياسين، وفلسطين المخدوعة."

وحول "فلسطين المخدوعة" كتب الناقد المسرحي والأكاديمي تليلاني أحسن على فيسبوك: "تعد مسرحية: (فلسطين المخدوعة) لكاتب ياسين، من أهم ما كتب عن القضية الفلسطينية في الأدب الجزائري، العربي والعالمي. ومنذ أن قال إنها مخدوعة وهي مخدوعة لليوم. وها هو الصمت العربي قدامنا.. نسكت خير."

للإشارة شارك في أداء أدوار هذه المسرحية، التي كان إخراجها جماعيًا وسينوغرافيتها جماعية أيضًا كل من  إكروان عبد الرحمان، لكرون محفوظ، عسوس فضيلة، أحسن عسوس، عبيد نجية، لمير بن سعيد، اسليم محمد، جوزي احسن، جقدو رزقي، قادري محمد، نشار حسين، مصطفى نجار، آيت مولود يوسف، حبار إسماعيل، قزول رشيد، بوضياف الطاهر.. وغيرهم.

وبلغ عدد عروض هذه المسرحية 460 عرضًا، وجرت بكل من ولاية سيدي بلعباس، مدينة حاسي دحو، ولايات وهران وتلمسان ومستغانم وعين تموشنت وسعيدة والجزائر العاصمة وتيزي  وزو وبجاية وقسنطينة، والبليدة، وتيسمسيلت، وتندوف، وعنّابة وورقلة وغرداية، إضافة إلى العطّاف، بوقطب، حاسي الرمل، حاسي مسعود، القالة، مغنية.. ومدن أخرى.

وإلى جانب هذه المسرحية المهمّة التي كانت بقعة ضوء حول القضية الفلسطينية، أنجز مخرجون جزائريون مسرحيات عن فلسطين من بينها مسرحية "عيون الكلام" من إنتاج فوج العمل الثقافي، لقسنطينة، إخراج عبد الله حملاوي، مسرحية "حنبعل" للكاتب أحمد توفيق المدني، مسرحيتي "ولادات" و"الزيتونة" لمحمد بودية المسرحي الجزائري الذي ناضل في صفوف الثورة الفلسطينية، وسقط شهيدًا بعد تفجير الموساد لسيارته في باريس، إضافة إلى مسرحية "البحث عن الشمس" لعزالدين جلاوجي ومسرحية "الشروق" لصالح لمباركية.. وغيرها.

والجدير بالذكر أنّ كاتب ياسين ولد بقسنطينة، في آب/أوت عام 1929، والتحق بالمدرسة القرآنية، ثم المدرسة الفرنسية، فواصَلَ تعليمَهُ حتى أيار/ماي 1948. وكان واحدًا من بين آلاف الجزائريين، الذين خرجوا في مظاهرات "8 ماي 1945"، ضد الاستعمار الفرنسي للمطالبة بالاستقلال، فيما سُجِنَ كاتب على خلفية مشاركته في المظاهرات، وفي السجن وقَّعَ "مناجاة" أول مجموعة شعريّة له.

في رصيد كاتب ياسين مجموعةً من المؤلفات: مجموعتين شعريتين "مناجاة" و"أشعار الجزائر المضطهدة"، مسرحيّات "فلسطين مخدوعة، "الجثة المطوقة" و"الرجل ذو النعل المطّاطي".. إلخ، في حين تبقى "نجمة" أشهر رواية جزائرية باللغة الفرنسية.

توفي كاتب ياسين في 28 تشرين الأوّل/أكتوبر سنة 1989، بفرنسا، عن عمر ناهز 60 عامًا، ونقل جثمانه ودفن في الجزائر، يوم 1 تشرين الثاني/نوفمبر من العام ذاته.