13-سبتمبر-2023
بيئة

حملة تطوعية لتنظيف المحيط لجمعية "غرين بايك" (الصورة: فيسبوك)

فاق عدد الإخطارات التي وصلت الوكالة الوطنية للنفايات حول تشويه المحيط والرمي العشوائي للأوساخ خلال أقل من 30  شهرًا فقط، ستة آلاف إخطارٍ، وهو ما يعني تسجيل اعتداءاتٍ كثيرةٍ على المحيط؛ لكن البعض يرى في هذا الرقم دليلًا على اهتمام الجزائريين بقضايا البيئة والمناخ التي ظلّت إلى وقت قريب خارج حساباتهم.

متخصصة في مجال البيئة لـ"الترا جزائر": تسيير النفايات في الجزائر يعرف تأخرًا كبيرًا  عطّل استغلالها لتطوير اقتصاد الرسكلة والتثمين الطاقوي

وفي الغالب، لا تشكل الملفات البيئية نقاشًا كبيرًا في الجزائر، والحديث عنها بقي لفترات طويلة مقتصرًا على بعض الحالات المرتبطة بالنشاط الرسمي أو الجمعوي، وبعض الأحداث ذات الشأن الوطني مثل ما حدث في احتجاجات الغاز الصخري عام 2014، وذلك في وقت صارت هذه المواضيع في صلب اهتمام العالم، وبالخصوص في الدول المتقدمة، حيث تشكل قضايا البيئة عنصرًا هامًا في نقاشات الحملات الانتخابية.

أقل من 3 أشهر

وفي غياب دراسات استطلاعية لتوجهات الجزائريين، واهتمامهم بملف المناخ والبيئة، يبقى الحكم في هذا الموضوع مرتبطًا ببعض المؤشرات المعينة، ومنها على سبيل المثال الإخطارات المتعلقة بمحاربة الأفعال المضرة بالبيئة.

وسجلت الوكالة الوطنية للنفايات 6649 بلاغًا على المستوى الوطني، عبر تطبيق "نظيف"، المخصص للمراقبة والتبليغ عن النقاط السوداء والمفرغات العشوائية، خلال الفترة الممتدة بين 1 حزيران/جوان و28 آب/أوت 2023.

وأفاد بيان للوكالة ذاتها، أن المعطيات المقدمة، قد تم تحليلها بالنسبة للولايات العشر الأولى المصنفة حسب عدد البلاغات المسجلة خلال تلك الفترة، حيث تم تحميل التطبيق 24.086 مرة على المستوى الوطني، وتخص ولايات الجزائر ووهران والبليدة والجلفة وعنابة ومستغانم وغليزان ومعسكر وقسنطينة وتلمسان.

وتطبيق "نظيف" الذي يمكن تحميله على موقع "غوغل بلاي ستور" تم إطلاقه من قبل وزارة الداخلية، وذلك بالتعاون مع الوكالة الوطنية  للنفايات.

وفي التفاصيل، سجلت الوكالة الوطنية للنفايات على مستوى العاصمة 1131 بلاغًا، منها 61 % تخص النقاط السوداء و39 % تتعلق بالتقصير في جمع القمامة، مقابل 496 بلاغًا على مستوى ولاية وهران (72.2 % تخص النقاط السوداء و 27.6 % لتقصير في جمع النفايات).

و بولاية البليدة، سجّل 301 بلاغ (50.8 % تخص النقاط السوداء و 49.2 % تخص تقصير في الجمع)، في حين تم تسجيل 301 بلاغ (57.5 % تخص النقاط السوداء و42.5 % تخص تقصير في جمع القمامة) على مستوى ولاية الجلفة.

وسجلت عنابة مجموع 267 بلاغًا منها 57.5 % تخص النقاط السوداء و42.5 % تتعلق بالتقصير في جمع النفايات، وبمستغانم تم تلقي 254 بلاغًا (8.8 % نقاط سوداء و 51.2 % تقصير في جمع النفايات).   

أما ولاية غليزان، فقد سجلت 242 بلاغًا (46.3 % نقاط سوداء و53.7 تقصير في الجمع)، مقابل 218 بلاغًا بمعسكر (50.5 % نقاط سوداء و49.5 % تقصير في الجمع).

وبولاية قسنطينة المصنفة ضمن المدن الكبرى، لم يسجل سوى203 بلاغ (70.9 % نقاط سوداء و 29.1 % تقصير في جمع النفايات)، فيما سجلت ولاية تلمسان 202 بلاغًا (54 % نقاط سوداء و46 % تقصير في جمع القمامة).

ويظهر من هذا النتائج أن نسبة البلاغات لا ترتبط  بعدد سكان المدينة، فبعض الولايات ذات الكثافة السكانية المنخفضة، قام سكانها بالإخطار عن هذه المخالفات أكثر من سكان ولايات يرتفع عدد سكانها مقارنة بالولاية الأولى.

في هذا السياق، قالت المتخصصة في مجال البيئة بسمة بلبجاوي لـ"الترا جزائر"، إن تسيير النفايات في الجزائر يعرف تأخرًا كبيرًا سواء في المجال التقني من حيث تقنيات التسيير ، أو الفرز  و التثمين، وحتى في مجال الدراسات و البيانات اللازمة لتطوير اقتصاد الرسكلة و التثمين الطاقوي.

ورغم وجود حقيبة وزارية للبيئة في الجزائر منذ سنوات، ترى بلبجاوي أن الجزائر ما تزال تسجل مشاكل بيئية كبيرة ناتجة عن سوء تسييرنا للنفايات التي تعتبر ثروة اقتصادية هامة ذات طابع بيئي واجتماعي يجب الاستفادة منها.

سند للتغيير

وقالت بسمة لبجاوي أيضًا "6649 بلاغًا هو رقم لا يدهشني وأظنه أكبر بكثير، فنقاط التلوث و المفرغات العشوائية في تزايد مستمر  للأسف، في جميع ولايات الوطن، منها من بلّغ عنه و منها من تنتظر".

وبدورها، أشارت الوكالة إلى أن هذه النتائج "استندت فقط على البلاغات التي تم تلقيها عبر تطبيق نظيف وهي لا تعكس مجموع إشكاليات تسيير النفايات في كل بلدية".

وتابع المصدر ذاته، أن "هذه المعطيات تعد أداة ثمينة لتحديد المناطق التي تمثل إشكاليات وكذا التحسينات اللازمة التي يجب القيام بها"  مبينة أن "مسار معالجة البلاغات بالموازاة مع تسجيلها “سيشكل موضوع اتصال عندما يتم تكييف مختلف الفاعلين مع الآليات العملياتية التي وضعت لهذا الغرض".

وما تزال الجزائر إلى اليوم تفتقد إلى بيانات ومعطيات إحصائية كافية حول جوانب عدة تتعلق بنظامها البيئي وسلوكات مواطنيها تجاه محيطهم، والمشاكل الإيكولوجية التي تعانيها البلاد، بالرغم من  أهمة هذه المعطيات اليوم لمواجهة التغيرات المناخية، وكذا خلال تنفيذ المشاريع الاستثمارية.

غير كافٍ

لا تنفي الخبيرة الإيكولوجية بسمة بلبجاوي أن هذه الإخطارات المعلنة من قبل الوكالة الوطنية للنفايات تعبر في أحد جوانبها عن وجود وعي لدى المبلّغين عن المخالفات بأهمية الحفاظ على المحيط، مشيرة في حديثها لـ"الترا جزائر" أن الوعي البيئي وسط المجتمع الجزائري في تطور مستمر، إلا أنه لا يكفي لوحده لمواجهات التحديات المطروحة، لذا "يجب علينا إعادة وضع الأطر القانونية التي تتماشى مع السوق الحالية".

الجزائر تفتقد إلى معطيات وبيانات إحصائية كافية حول النظام البيئي للجزائريين وسلوكاتهم تجاه محيطهم

ودعت بلبجاوي إلى " ضبط القوانين للحد من ظواهر التلوث وتجريم كل من يتسبب بها، مع ضرورة القيام بحملات توعوية مستمرة، والحرص على تقديم تعليم بيئي أكثر عمقا من المقدم حاليًا".

وترى المختصة ذاتها أن بات على الجزائر التوجه بجدية إلىى "تسيير وتحويل نفاياتنا المنزلية إلى طاقة ومواد مرسكلة، وعدم ردم كل النفايات في مراكز الردم التقني بطريقة أوتوماتيكية، وذلك بهدف الحد من انتشار النفايات الخطيرة وتسييرها بإحكام".

من المؤكد أن الاهتمام بقضايا البيئة والمناخ لم يعد اليوم مقتصرا على الحكومات فقط، إنما يتطلب تجند المجتمع بكل أطيافه لمواجهة التحديات الراهنة، وبالخصوص خلال حدوث الكوارث الطبيعية والمخاطر الكبرى، لذلك يجب أن تشكل هذه القضايا أولوية في حياتنا للتمكن من مواجهة مختلف الرهانات التي تطرحها التغيرات المناخية الجديدة.