29-أغسطس-2023
أعضاء مجموعة بريكس في قمة اليابان  (الصورة: Getty)

أعضاء مجموعة بريكس في قمة اليابان (الصورة: Getty)

تشير النقطة 92 من ميثاق اختتام قمة مجموعة "بريكس" بجنوب إفريقيا إلى تكليف وزراء خارجية الدول الأعضاء بتكثيف العمل لتعزيز التعاون مع شركاء "بريكس" خلال القريب العاجل، ويضيف معدو الميثاق، حسب نسخة اطلع موقع "الترا جزائر عليها": "قائمة الإنضمام إلى التكتل لا تزال مفتوحة وقد يتم ضم أعضاء جدد خلال القمة المقبلة".

كيف ستكون خطة الجزائر المستقبلية للالتحاق بهذا التكتل الذي تزداد قوته يومًا بعد آخر؟

يأتي ذلك وسط تساؤل الجزائريين عن مصير الطلب الذي قدمته دولتهم للالتحاق بهذه المجموعة للاقتصادات الناشئة، ولماذا لم يتم استدعاؤها للالتحاق بالتكتل، الذي بات يضم 11 عضوًا بعدما كان يجمع خمس دول أعضاء فقط، وهي الصين والهند وروسيا وجنوب إفريقيا والبرازيل، ليتوسّع بداية من شهر جانفي/كانون الثاني 2024 إلى مصر وإثيوبيا والأرجنتين وإيران والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وما عدا تصريح وزير المالية الضمني، لم يصدر أيّ رد فعل رسمي من أعلى السلطات في البلاد لشرح سبب عدم إضافة الجزائر إلى قائمة أعضاء "بريكس" الجدد خلال الاجتماع الأخير بجوهانسبورغ، والذي كانت آمال الجزائريين معلقة به.

وتوالت بالموازاة مع ذلك تعليقات الطبقة السياسية والمجتمع المدني من أحزاب وجمعيات وحتى خبراء إقتصاد، والذين ذهب بعضهم إلى القول بأن الحظ لم يكن حليف الجزائر هذه المرة لاعتبارات اقتصادية بالدرجة الأولى، حيث أن الاصلاحات التي تمت مباشرتها بين سنتي 2020 و2023 لم تأت بأكلها لحد الساعة ولا تزال في مرحلة التشريع، أو لأسباب جيوستراتيجية، تنصب حول أن تكتل "بريكس" فضل اختيار الدول التي تضم أكبر عدد من السكان وتحتضن الهيئات الدولية والمؤسسات القومية وتتوفر على بعد جيوستراتيجي أعمق.

إلا أن السؤال الذي يجب أن يطرح في أعقاب كل ذلك، حسب هؤلاء هو : "كيف ستكون خطة الجزائر المستقبلية للالتحاق بهذا التكتل الذي تزداد قوته يوما بعد الآخر؟" خاصة وأن القمة المقبلة ستحتضنها موسكو الروسية وستكون شهر أكتوبر/ تشرين الأول 2024، أي بعد 14 شهرًا فقط.

الطلب مستمر

يشدد الخبير الاقتصادي كمال ديب على أن تصريح وزير المالية لعزيز فايد بخصوص مجموعة "بريكس"، بعد صدور قرار التكتل بضم ستة دول جديدة تستثني الجزائر، بداية من شهر جانفي/ كانون الثاني المقبل، يثبت أن طلب الالتحاق بـ "بريكس" متواصل وسيستمر ولن يتأثر بعدم القبول الذي ووجه به في المرة الأولى.

وكان وزير المالية قد صرح أن الجزائر كانت في طليعة الدول التي رافعت من أجل بناء نظام عالمي اقتصادي جديد أكثر عدالة، مضيفًا: "نحن نرى أن رؤية مجموعة "البريكس" ما هي إلا امتداد للتصور الذي طالما دافعت عنه الجزائر منذ عقود", مشددًا: "الجزائر تتقاسم المبادئ الأساسية مع مجموعة البريكس، وترى في هذا التكتل فرصة لبناء نظام دولي منصف ومتعدد الأقطاب قائم على الاحترام المتبادل".

ويعتبر الخبير ديب أن الجزائر اليوم مستمرة في دعم بنك البريكس الذي ستصبح أحد المساهمين فيه بشكل رسمي بداية من شهر سبتمبر/أيلول 2023 بقيمة 1.5 مليار دولار وهي خطوة أساسية ومهمة.
ويقول الخبير أنه من إجمالي 23 دولة قدمت ملف الانضمام، واحدة انسحبت وستة قبلت فيما تم تأجيل الفصل في ملفات 16 دولة أخرى، ما يتيح فرصًا جديدة للجزائر للالتحاق بالمجموعة خلال الاجتماعات والقمم المقبلة.

وفي هذا الصدد، يقول الخبير إن هناك سيناريوهان مطروحان أمام الذين لم يتم قبول ملفاتهم وهي إما السحب أي إلغاء طلب الانضمام أو الاستمرار في الطلب وتحسين المؤشرات والمعطيات للالتحاق في اجتماعات مقبلة، وهو السيناريو الأقرب للطرف الجزائري.

فرصة ثانية

من جهته يصف الخبير الاقتصادي البروفيسور عبد القادر بريش في تصريح لـ "الترا جزائر" عدم قبول ملف الجزائر لعضوية مجموعة "بريكس" بأنه "ليس فشلًا ولا نكسة ولا كارثة كما يتم التسويق له من طرف البعض"، خاصة أولئك من نعتهم بـ "المتشائمين الذين يرتدون النظارات السوداء، لتصوير الوضع على أنه كارثي"، قائلًا أن موقف أعضاء هذا التكتل في اجتماع جوهانسبورغ بجنوب إفريقيا، لا يحمل أية "ورقة ضد الجزائر" ويجب ألا يكون إلا محطة للتقييم والتقويم، وفق ما أسماه بمنهجية "SWOT" وهي إحدى أدوات التحليل الاستراتيجي التي تستخدم أربع نقاط أساسية للتقييم، وهي القوة والضعف والفرص والتهديدات، أي يجب على الجزائر اليوم تحديد نقاط قوتها وضعفها للإنطلاق من جديد.

بعد ذلك يؤكّد الخبير أنه لا بد من العمل بروح وعزيمة أكبر وقوة وإرادة لبناء اقتصاد قوي وعصري ومتنوع وتنافسي، وذلك ليس بالهدف السهل، فالأمر يتطلب صرامة واجتهاد كبيرين، وذهب المتحدث أبعد من ذلك قائلًا: "أراها فرصة للمراجعة وتصحيح المسار وتعميق الاصلاحات الاقتصادية الهيكلية وتوفير شروط ومتطلبات الاقلاع الاقتصادي الحقيقي".

وحسب بريش فإن الإصلاحات التي باشرتها الجزائر لا تزال تنتظر الكثير لتتجسّد ميدانيًا، أولها اكتمال النصوص التشريعية، كتلك المتعلقة بالعقار الإقتصادي المتواجد على طاولة مجلس الأمة اليوم، وأيضًا استكمال إصدار النصوص التطبيقية الخاصة بقانون النقد والمصرف والصفقات العمومية، واعتماد قانون جديد للشراكة بين القطاعين العام والخاص.

يُضاف إلى كل هذه النقاط، الإفراج عن قانون التأمينات ونصوص أخرى من شأنها رفع المكابح عن الاستثمارات العالقة والقضاء على البيروقراطية بالبنوك وتسريع الرقمنة والتخلص من كافة العراقيل الإدارية ورفع الصادرات خارج المحروقات وطرق أبواب أسواق خارجية وجلب مشاريع استثمارية أجنبية ثقيلة، أي عدم الاكتفاء بالتشريع وإنما السعي لتطبيق هذه النصوص ميدانيا أيضًا.

14 شهرًا كافية

في هذا السياق، يرى الخبير الاقتصادي والمالي الهواري تيغريسي أن تكتل "بريكس" ورغم أنه صدم الجزائر ولم يرد إيجابًا على طلب العضوية، في اجتماع اوت/ آب الجاري، عكس ما كان متوقعًا، إلا أنه يظلّ مجموعة قوية للدول، التي تضمن العدالة السياسية والاقتصادية للعالم، وهو ما يجعلها محط اهتمام الدول الساعية للتحرر من القيود الدولية التي يرعاها الغرب، بما فيها الجزائر، مضيفًا "يجب أن يستمر طلب الجزائر للإلتحاق بالمجموعة، بل والإلحاح في ذلك" مضيفا: "نستطيع تغيير الأوضاع في ظرف 14 شهرًا التي تفصلنا عن قمة بريكس بموسكو".

ويعتبر تيغرسي في تصريح لـ "الترا جزائر" أن القائمين على الجهاز التنفيذي في الجزائر مطالبون بمواصلة السعي للالتحاق بهذا التجمع في غضون 14 شهرًا المقبلة، وهي فترة كافية حسبه لتصحيح الأخطاء والعمل بجد، ويكون ذلك عبر خطة عمل دقيقة.

ويتطلب ذلك حسب المتحدث، إصلاحات جذرية ومتابعة تنفيذ التوصيات في الميدان، حيث ستكون أهم خطوة هي القضاء على البيروقراطية بشكل تام وتجريمها وإحداث نهضة في البنوك عبر التعجيل في خوصصة بعضها ومنح اعتمادات لمتعاملين خواص للاستثمار في القطاع المصرفي من جهة أخرى.

يجزم تيغريسي، أنه يجب اليوم مراجعة الحسابات، وتصفيتها، والبدء من جديد مع رسم أهداف وتحديد آجالها والعمل بجدية وصرامة ومعاقبة كل من يتماطل في التنفيذ، وإجراء تقييم لتقدم الأعمال كل شهر على مستوى المؤسسات والوزارات، وحتى كل نصف شهر، فالمطلوب إحراز مستوى نمو معقول خلال المرحلة المقبلة وعدم الاكتفاء بالاعتماد على الريع النفطي.

تبقى فرضية الالتحاق بتكتل "بريكس" قائمة خلال الفترة المقبلة

وفي النهاية، تبقى فرضية الالتحاق بتكتل "بريكس" قائمة خلال الفترة المقبلة، إلا أن الأهم من ذلك هو العمل بجد ومباشرة إصلاحات عميقة تخدم الجزائر والجزائريين أنفسهم بعيدا عن أي تكتل.