07-يونيو-2022

(الصورة: فيسبوك)

تعرف الجزائر في السنوات الأخيرة بعض النقص في الأدوية يصل أحيانًا إلى درجة الندرة، خصوصًا تلك المتعلقة بالأمراض المزمنة التي يتوجب على المريض تناولها بصفة يومية مدى الحياة، وأدوية الاستعجالات التي إن لم تؤخذ في الوقت المناسب قد تسبب في وفاة المريض، مما يجعل المرضى في حالة قلق دائم مضطرين إلى التنقل والبحث في جميع الصيدليات ولمسافات بعيدة، أو الانتظار حتى يتوفر الدواء مع كل ما يحمله ذلك من مخاطر على صحتهم.

مديرة مبيعات: هناك 700 دواء مفقود يخص الأمراض المزمنة كمرض السكري والربو والأمراض المناعية والمضادات الحيوية وأدوية السرطان خاصّة الموجهة للأطفال

وقد اعترفت أعلى السلطات في الدولة بوجود اضطراب في توزيع بعض الأدوية، وهو ما دفع الرئيس عبد المجيد تبون شخصيًا في آخر آذار/مارس 2022  في لقائه الدوري مع الصحافة الوطنية، للإعلان عن فتح المفتشية العامة لرئاسة الجمهورية لتحقيقات حول ندرة بعض الأدوية الخاصة بالأمراض المزمنة، متهما جهات وصفها باللوبيات بالوقوف وراء الظاهرة، وأضاف  الرئيس أن اللجنة مكونة من 37 مفتشًا من الرئاسة ستقوم بعملها واعدا بالإفراج عن نتائج التحقيقات فور الانتهاء منها.

واقع ندرة الأدوية في الصيدليات

وعن حقيقة النقص الموجود في الميدان، قالت مديرة مبيعات في إحدى مؤسّسات توزيع بالجملة للمواد الصيدلانية والمستلزمات الطبية في الشرق الجزائري لـ"الترا جزائر" أن عدد الأدوية المنقطعة بالأسماء التجارية وصل إلى 700 دواء تخص الأمراض المزمنة كمرض السكري والربو والأمراض المناعية والمضادات الحيوية وأدوية السرطان خاصّة الموجهة للأطفال.

وتعود هذه الأزمة حسب المتحدثة التي فضلت عدم كشف اسمها، إلى تأخر الوزارة في توقيع طلبات الاستيراد نظرا لتقليص فاتورة الاستيراد الخاصة بالأدوية. وأشارت إلى أن جائحة كورونا كان لها دور في انقطاع العديد من الأدوية التي شاع بين الجزائريين أنها تساهم في الشفاء من الفيروس، مما أحدث ندرة حادة في شهر شباط/فيفري الفارط في مسكن الآلام "براسيتامول" وفي فيتامين دال.

ويقول نائب رئيس نقابة الصيادلة الخواص في الجزائر،  الدكتور كريم مرغمي، أن ندرة الأدوية أصبحت روتينًا يعيشه المواطن الجزائري في السنوات الأخيرة، وتتضاعف حدته من فترة إلى أخرى، مبرزًا أنه خلال جائحة كورونا كان هناك  انقطاعًا في دواء لوفينوكس (مضاد تخثر الدم)، وفيتامين (دي 3)، ودوليبران،  لكن بعد تلاشي الفيروس، عادت الأدوية التي كانت مفقودة الى السوق وفُقدت أخرى، مثل الفونتولين لعلاج الربو وبعض قطرات مرض العيون.

وأكد مرغمي في حديث مع "الترا جزائر"،  أن منظمته قامت بإرسال تحذيرات وتنبيهات  إلى وزارة الصناعة الصيدلانية بخصوص هذه الندرة، وأن هذه المسألة يتم  دراستها في المرصد الوطني لليقظة الذي ينعقد بشكل دوري كل شهر في وزارة الصناعة الصيدلانية.  وأضاف أن لنقابة الصيادلة الخواص ممثل دائم في المرصد الوطني لليقظة لتوفير المواد الصيدلانية ويقوم بنقل كل الاضطرابات التي تعرفها الصيدليات من حيث انقطاع الأدوية.

وحول العدد الدقيق للأدوية النادرة، قال المتحدث إنه يتغير من يوم لآخر وأن مرصد اليقظة هو الوحيد الذي يملك الأرقام بدقة، مشيرا إلى أن وزير الصناعة الصيدلانية أكد انقطاع أكثر من خمسين تسمية دولية بمعدل كل شهر.

أسباب ندرة الأدوية

وفي خلفيات الندرة، يؤكد نائب رئيس نقابة الصيادلة الخواص،  أن كلّ دواء مفقود أو مضطرب في السوق له أسبابه المختلفة التي قد تكون خارجية مثل ما حدث مع وباء كورونا حيث  توقفت معظم المخابر عن إنتاج المواد الأولية العالمية، ناهيك عن تعطل في عملية النقل، وزيادة الطلب على بعض الأدوية خلال تلك الفترة.

وهناك أيضًا أسباب داخلية، حسب النقابي، تتعلق بإجراءات إدارية، مثل دواء الفونتولين الذي كان سبب اختفائه الإجراء الذي اعتمدته وزارة التجارة، حيث أقرت شهادة تنظيم أدت إلى إطالة دخول هذا الدواء إلى الجزائر وبالتالي ندرة الدواء، وهو ما دفع السلطات  إلى التجاوب بإعفاء المواد الصيدلانية من شهادة التنظيم التي تمنحها وكالة التجارة الخارجية "ألجكس" مما سيقلص مدة دخول المواد الصيدلانية إلى الجزائر. كما أن هناك أسبابا أخرى تتعلق بالكميات القليلة التي تمضي عليها وزارة الصناعة الصيدلانية فيما يخص برامج الاستيراد.

ويؤكد من جهته، القيادي في حزب العمال والنائب السابق رمضان تعزيبت وجود خلفيات سياسية وراء نقص الدواء بسبب تفضيل الحكومة خفض فاتورة الاستيراد. وقال المتحدث في تصريح ل"الترا جزائر"، أن الأسباب التي أدت إلى ندرة الأدوية عديدة منها، الرغبة في تقليص فاتورة الاستيراد بطريقة بيروقراطية وتحكم اللوبيات في التجارة الخارجية، مما أدى إلى تقليص دور الدولة في تموين وضبط السوق الوطني.  

وأضاف النائب السابق أن وجود وزارتين في القطاع زاد من الأزمة فلا يمكن فصل الصحة عن صناعة الأدوية، لافتًا إلى أن  توقف وتوتر سلسلة الإنتاج عالميًا بسبب جائحة "كوفيد-19" كشف أيضًا عن غياب القدرة الاستشرافية واستباق الأحداث بالإضافة إلى الدور الغامض، حسبه،  للصيدلية المركزية للمستشفيات التي لها مسؤولية كبرى في توفير الأدوية بالكمية اللائقة. 

تعامل الصيادلة مع الوضع

وأدى هذا الواقع بالصيادلة إلى ابتكار طرق للتعامل مع نقص الأدوية والاستمرار في تقديم الخدمة للمرضى. وقالت في هذا السياق، صيدلانية ل"الترا جزائر" أنها تلجأ إلى نظام "الكوطة" لكي تحصل على بضعة علب من دواء منقطع تحافظ به على زبائنها، وغالبًا ما تضطر للاتصال بالطبيب من أجل تغيير العلاج أو تقوم بتعويض الدواء الأصلي بدواء جنيس متوفر.

وحذر الدكتور مرغمي من أن ندرة الأدوية أدت الى ظهور ممارسات غير قانونية من طرف المتعاملين مثل البيع المشروط للأدوية التي تعرف اضطرابا أو تكون مفقودة، حيث يتم إجبار الصيادلة على شراء هذه الأدوية مقابل مواد صيدلانية أخرى لا يحتاجونها برقم أعمال كبير، مما أرهق كاهل الصيادلة، حسبه، وجعلهم يعيشون ظروف اقتصادية صعبة.

كما ظهرت في الآونة الأخيرة حلول تكنولوجية لمواجهة هذه الأزمة، مثل التطبيق الذي  أطلقه  الاتحاد الوطني للصيادلة الجزائريين(Snpaa في 22 كانون الثاني/جانفي 2021  بعنوان Med-rupture، وهو تطبيق يُحمل على الهواتف الذكية يمكن الصيادلة الخواص من الإبلاغ في أي وقت، عن الأدوية الواقعة تحت ضغط أو نفاد المخزون. وتم اعتماد هذا الحل لمحاربة ندرة الأدوية بالتعاون مع وزارة الصناعة الصيدلانية.

إجراءات الحكومة للحد من  الندرة

وأمام معضلة نقص الأدوية، لجأت الحكومة عبر وزارة الصناعة الصيدلانية لإنشاء مرصد اليقظة الوطني لتوفير المواد الصيدلانية، من مهامه تحيين قائمة المواد الصيدلانية التي نفد مخزونها أو التي تواجه صعوبات في توفيرها، كما يعمل المرصد على اقتراح إجراءات من أجل ضمان توفر المواد الصيدلانية، وتسجيل نتائج عمله في محاضر، ثم يعد تقريرًا فصليًا يرسله إلى وزير القطاع.

لجأت الحكومة عبر وزارة الصناعة الصيدلانية لإنشاء مرصد اليقظة الوطني لتوفير المواد الصيدلانية

ويتكون المرصد من ممثل عن الوزير المكلف بالصناعة الصيدلانية، ويتم تعيين أعضائه لمدة سنة قابلة للتجديد بقرار من الوزير المكلف بالصناعة الصيدلانية بناء على اقتراح المؤسّسات والمنظمات التابعة لها.