انحاز رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون، إلى تشكيل حكومة تكنوقراط ترتكز بالأساس على الكفاءات المستقلة والكوادر الإدارية ذات الخبرة في تسيير الشأن العام، وذلك بخلاف ما كان متوقعًا أن ينجز الرئيس حكومة سياسية يُشرك فيها الأحزاب بمختلف الأطياف، خاصة تلك التي شكّلت حزامه الانتخابي الداعم في الانتخابات الرئاسية التي جرت في السابع أيلول/ سبتمبر الماضي.
ما يمكن ملاحظته في هذه الحكومة الحضور السياسي والحزبي مقابل تعزيز الرئيس لخياره في الاعتماد على كفاءات
بلغة الاقتصاد
وبالرغم من احتفاظ الرئيس تبون ببعض الوزراء في بعض القطاعات البارزة، أو ترحيل بعضهم من وزارات إلى أخرى، إلا أنّ الملاحظة الأولية، هي الإفراج عن أسماء لم تكن في حسابات السياسة ولا من وجهة نظر الأحزاب التي كانت في الواجهة.
في قراءة أولية؛ خسِرت حركة البناء الوطني، التي يقودها عبد القادر بن قرينة، حقيبتين وزاريتين، هما الصيد البحري والتكوين المهني، لصالح كفاءات خلفيتها العلمية والإدارية واضحة، على الرغم من أنّ بن قرينة، كان أكثر قادة الأحزاب السياسية الداعمة لتبّون نشاطًا وتحشيدًا لصالح الرئيس في استحقاقات الرئاسة الماضية.
ولوحظ في خضمّ التّشكيل الوزاري الجديد، خسارة حزب جبهة المستقبل، للحقيبة الوزارية الوحيدة التي كان يحوزها في الحكومة، وهي حقيبة العلاقات مع البرلمان، التي شغلتها بسمة عزوار، وتعيين كوثر كريكو محلها، بعدما شغلت الأخيرة مهام وزيرة التضامن الوطني والأسرة وقضايا المرأة.
كما خسر حزب جبهة التحرير الوطني، كبرى الأحزاب السياسية في الجزائر، والذي يحوز على أكبر كتلة في البرلمان، حقيبة وزارة العدل، التي كان يشغلها العضو القيادي في الحزب رشيد طبي، والأخير كان مرشحًا خلال المؤتمر العام السابق أن يُعيّن أمينًا عامًا للحزب.
تقلص حزبي
في مقابل خسارة هذه الأحزاب، لهذه الحقائب يبرز بشكل لافت؛ تقلُّص الحضور السياسي والحزبي في الحكومة في مقابل تعزيز الرئيس لخياره في الاعتماد على كفاءات من التكنوقراط ممن لديها سابق تجربة، في إدارة قطاعات وشغل مناصب إدارية، وتنفيذية.
وفي هذا السياق عين والي ولاية وهران (غرب) سعيد سعيود، وزيرًا للنقل، كما عين الأمين لولاية غرداية، زهير بللو وزيرًا للثقافة، فيما عين مستشار الرئيس لشؤون التعليم والجامعات وزيرا للتربية.
ولكن على خلاف ما كان متداولًا بشأن إمكانية إشراك أحزاب معارضة، في أول حكومة للرئيس في عهدته الثانية، فإنّ أحزابًا كحركة مجتمع السلم وجبهة القوى الاشتراكية، لم تظهر في الطاقم الوزاري الجديد، على الرغم من تقارير جانبية، كانت تحدثت عن إمكانية ذلك.
كملاحظة بارزة، فإنّ اعتماد الرئيس تبون على الكفاءات التقنية، يؤكد بأنه يسعى إلى تحقيق نتائج أفضل لسياساته الحكومية، في المرحلة المقبلة، خاصة أنّه كان قد أكد خلال حملته الانتخابية، أن العهدة المقبلة ستكون اقتصادية بامتياز.
تعهدات تبون
وبحسب متابعين للسير الذاتية للطاقم الوزاري الذي سيعتمد عليه في المرحلة المقبلة، يرمي الرئيس تبون من خلال رجالات الوزارة الأولى إلى الوفاء بمختلف الالتزامات التي أطلقها خلال حملته الانتخابية، ورؤيته المستقبلية في فترة حكمه الثانية، وذلك بالاستناد في تنفيذ المشاريع الكبرى خاصة منها التنموية إلى كفاءات ذات خبرات في الميدان.
وبخصوص ذلك، يعتقد أستاذ العلوم السياسية فريد سعدوني بأن وعود الرئيس تبون قبل الانتخابات الأخيرة انحسرت في الرفع من المستوى المعيشي والاستمرار في تنفيذ لمشاريع الكبرى في علاقة بـ" التزاماته التي أطلقها من أجل تطوير بعض القطاعات الاقتصادية وتحسين نظم التجارة وتعزيز التشغيل والمهن،وتحسين إرادات البلاد خارج إطار المحروقات".
وقال الأستاذ سعدوني في تصريح لـ"الترا جزائر" بأنّ التوليفة الوزارية سيكون لها مخطّط توجيه استراتيجي اقتصادي، يستهدف الحفاظ على مكتسبات النمو التي تحققت خلال العهدة الأولى للرئيس، بالإضافة إلى فتح المجال أمام استكمال العديد من المشاريع، وبعث مشاريع أخرى.
في هذا السياق، أضاف بأنّ هذا المخطط من المتوقّع أن يتضمن مجموعة من الإجراءات التي تركز على تعزيز الاستقرار الاقتصادي، والسياسات التي تدفع إلى تشجيع الاستثمارات وتحفيز النمو المستدام، والرفع من مداخيل تعتمد أساسًا على زيادة التنوع الاقتصادي.
وبخصوص بعض الأهداف التي قد تتضمنها هذه الاستراتيجية، فمن المنتظر – حسب المتحدث-أن تستمر الدولة في تحفيز القطاعات الحيوية وتشجيع الاستثمارات في النفط والغاز، بالموازاة مع تطوير القطاعات غير النفطية مثل الصناعة، والتكنولوجيا، والزراعة في علاقتها بالشراكة الدولية وفتح مجال الصادرات خارج المحروقات.
وفي قراءة ثانية للطاقم الوزاري الحالي، يتوقع متابعون بأنّ الأخير سيعمل على تحسين بيئة الأعمال، من خلال تبسيط الإجراءات الإدارية، وتحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، بالإضافة إلى دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، التي تستهدف تعزيز الابتكار وتوفير فرص العمل.
تحديات
يعتقد الخبير الاقتصادي نور الدين محمدي، بأنّ هذا التغيير الحكومي يستهدف "تعزيز النمو الشامل من خلال تنويع الاقتصاد، وتطوير البنية التحتية لمواكبة التحديات المستقبلية".
وأضاف في إفادته لـ" الترا جزائر" بأنّ التوجه الحالي سيكون نحو "الاستثمار في البنية التحتية، خاصة في مختلف القطاعات التي تدعم النمو على المدى الطويل مثل النقل والطاقة المتجددة."
وبالإضافة إلى ذلك، من المهم حاليًا التحكم في التضخم والعجز المالي، وذلك عبر سياسات نقدية ومالية مناسبة، بالإضافة إلى تحسين كفاءة الإنفاق العام.
وأشار في الأخير إلى أنّ هذه الاستراتيجية تعتمد بشكل كبير على الاستقرار السياسي والإدارة الفعّالة للموارد الاقتصادية في البلاد، من أجل تنفيذ سياسات تهدف إلى تحسين مستوى المعيشة.