29-يونيو-2019

الحراك الشعبي رفع شعارات رافضة لخطابات قائد أركان الجيش (أ.ف.ب)

ليس من عادة رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، أن يذكر الآخرين بأسمائهم في خطاباته، ما عدا رئيس الجمهوريّة، باعتباره القائد الأعلى للقوّات المسلّحة. لذلك أثار إقدامه على الإشادة بالبرنامج السّياسيّ الحواريّ "في دائرة الضوء"، الذّي يبثّه التّلفزيون الحكوميّ، وبمقدّمه الصّحفيّ كريم بوسالم وبضيوفه، موجةً من السّخريّة بين الإعلاميين، بما فيهم بعض المساندين لخطّ رئيس أركان الجيش.

 قائد الأركان أحمد قايد صالح أشاد بصحافي من التلفزيون الحكومي خصّص برنامجه للإشادة بالمؤسّسة العسكرية وجاهزية الجيش

حدث ذلك في الكلمة التّي ألقاها قايد صالح، الذي بات يوصف بكونه الحاكم الفعليّ للجزائر، الأربعاء، أثناء زيارته إلى أكاديميّة شرشال العسكريّة، حيث قال: "لقد تابعت هذه الحصّة وغيرها من الحصص الأخرى باهتمام شديد. ولمست مدى أهمّية مثل هذه الحصص، ومثل هذه الموائد المستديرة وفضاءات الحوارات والنّقاشات الموضوعيّة والهادئة والمقنعة، التّي تديرها نخب ذات توجّه وطنيّ عفيف تنضح منها روح وطنيّة".

اقرأ/ي أيضًا:خطاب قايد صالح.. تجديد القطيعة مع مطالب الحراك الشعبي

ذكر رئيس أركان الجيش منشّط الحصّة بالاسم، وكذلك الأساتذة الجامعيّين والضّابط السّامي المتقاعد الذين استضافهم. وأشاد بما أسماه "حوارًا هادئًا"، رغم أنّ ما تمّ بثّه تقريران صادران عن وزارة الدّفاع الوطنيّ نفسها، في إطار  تمرين بيانيّ أجراه الجيش في منطقة تندوف على الحدود الجزائريّة الموريتانيّة، تحت مسمّى "إعصار 2019"، مع الإشادة بدور رئيس الأركان في تطوير مؤسّسة الجيش وحماية الدّولة والشّعب.

ووصف أحمد قايد صالح، أسرة البرنامج التّلفزيوني الذّي يعدّ من أقدم البرامج السّياسيّة الحواريّة في التّلفزيون الحكوميّ، بقوله: "هؤلاء الذّين كانوا، من خلال تحاليلهم وآرائهم الموضوعية، مرآةً حقيقيّةً لما يجري في الجيش الوطنيّ الشّعبيّ، من جهود تطويريّة ولما يحدوه من آمال واعدة في سبيل الارتقاء بالقدرات القتاليّة والعملياتيّة لقوّاتنا المسلّحة، إلى ما يكفل لها التّأمين الكامل لأمن الجزائر واستقرارها".

وكتب الإعلاميّ محمّد علاوة حاجي، في تدوينة فيسبوكيّة، إنّه في البلدان الشّموليّة، والجزائر أحدها، لا يستمع الممسكون بالسّلطة- وبوتفليقة كان أحدَهم- إلّا للأصوات التّي تقول ما يرغبون في سماعه. "ووسائلُ الإعلام، الحكوميّة خاصّةً، تتفنّن في هذا الباب". ويقرأ حاجّي خطوة قايد صالح على أنّها دعوة إلى وسائل الإعلام، حكوميةً كانت أو خاصّةً، للاكتفاء بالرّأي الأحادي، وإقصاء أيّ صوتٍ مختلف، "وهذا يجعلنا نُخمّن بأنّ الأصوات المختلفة هي المقصودة بعبارة الأبواق الناعقة التّي وصف بها الآخرين".

وخلص حاجّي إلى القول: "لو كان لرئيس أركان الجيش أن يعتبر من مآل صديقه الرّئيس السّابق لاستمع إلى ما لا تحبّ نفسه سماعه. ولعلم أنّ الذين يُطبّلون له اليوم هُم من سينصّبون له المشانق غدًا، على التلفزيون الحكوميّ نفسه، وربّما في البرنامج نفسه".

من جهته أبدى الكاتب الصّحفيّ نجيب بلحيمر في تدوينة طويلة له، اندهاشه من كون الثّناء "جاء في خطاب كان يتوقّع الجزائريّون أن يجدوا فيه معالم الخطوة التّالية، التّي قد يخطوها الجيش، بعد حديث الرّايات، الذّي أثار الرّعب من احتمالات حدوث شرخ في النّسيج الاجتماعيّ".

وهو ما يشكل سابقة في الخطاب الرسمي، يقول بلحيمر، فالمتدخلون تحدّثوا عن الدور الذي لعبه قايد صالح في تكوين الجيش، ووصل الأمر بالضّابط المشارك إلى حدّ القول إنّ هذا المستوى الذّي بلغه الجيش هو ثمرة عشرين سنة من العمل في حين كان الآخرون، وهو يقصد بوضوح بوتفليقة وجماعته، يخرّبون البلد وينهبون المال العام. وهو حديث يستهدف الفصل بين قايد صالح وفترة حكم بوتفليقة، رغم أن كل ما أنجزه الجيش كان بفضل "توجيهات فخامة رئيس الجمهورية وزير الدفاع الوطني القائد الأعلى للقوات المسلّحة، كما كان يريد قايد صالح نفسه في جميع خطاباته".

وظهر لـ بلحيمر واضحًا أنّ قايد صالح يحبّ الإطراء، وهو يضع شخصه في قلب الأحداث، فكل انتقاد له هو في النّهاية جزء ممّا يصفه بـ"الحملات الدّنيئة والمتكرّرة، التّي ما فتئت تتعرّض لها قيادة الجيش الوطنيّ الشّعبيّ"، في حين أنّ كلّ ثناء عليه وتركيز على دوره الشّخصيّ في تحسين قدرات الجيش هو عمل وطنيّ مخلص يستحقّ الثّناءعلى حدّ قوله.

من جهتها قرأت الإعلاميّة زهور شنّوف، ثناء رئيس أركان الجيش على صحفيّ التلفزيون الحكوميّ، على أنّه "أعطاه كمثال على اللّامهنية والانصياع، وذكّر النّاس بأنّه أحد الوجوه، التّي خُصّصت لتمجيد بوتفليقة طوال مساره، والتّعليق على تزوير الانتخابات بدموع الفرح ولم تمارس وظيفة الصّحافة الحقيقة يومًا".

وفي الوقت الذي قالت التّدوينة الفيسبوكيّة لزهور شنّوف إنّ وظيفة التّلفزيون ليست أن يُمجد الجيش ولا الرّئيس ولا الأشخاص، راحت تسأل: "ما هي مناسبة تخصيص حصّة في التّلفزيون العموميّ للحديث عن جاهزيّة الجيش وتميّزه؟ هل نحن في حرب مثلًا؟ هل نشكّ في أنّ جيشنا ليس في مستوى الجاهزيّة المطلوبة؟ هل ذكر كم هي ميزانية الجيش السّنويّة وتحدّث عن الشّفافيّة؟ هل انتقد خطاب عسكريين موجّهًا للمدنيّين، وتساءل بأيِّ صفة يكون مثقلًا بالعنصريّة والجهويّة؟".

تستطرد المتحدّثة، أن رئيس أركان الجيش، بهذا الخطاب، "نزل إلى الدّرك الأسفل. وصغّر المؤسّسة مجدّدًا، ليس للأشخاص الذّين ذكرهم بالذّات، فلسنا بصدد تقييم أحد، وإنما لأنه أمضى على آخر ورقة لوجود ثقافة الدّولة ولو شكليًّا في بلادنا".

باتت خطابات قائد الأركان تثير جدلًا واسعًا في الآونة الأخيرة بسبب تطرّقه لمواضيع سياسية بعيدًا عن مهامه الدستورية

ويبدو أنّ رئيس أركان الجيش بات يجني عكس ما يهدف إليه في خطاباته، فهو بات يثير عليه زوابع من المواقف والتعليقات الموغلة في الرّفض والسّخرية معًا. فهل يراجع نفسه مستقبلًا، أم أنّه يمضي في سياسته غير آبه بما يقال عنه، مثلما فعل معظم العسكريّين، الذّين أقحموا أنفسهم في السّياسة؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

رسائل الإبراهيمي.. مبادرات تلقي بالكرة في ملعب الجيش

هكذا سخر الجزائريّون من خطاب عبد القادر بن صالح