يُمكن في الجزائر أن يتحوّل العَلَم إلى سبب للتفرقة بين الجزائريين، لكن التجربة التي عاشها الشارع الجزائري في الجمعة الثامنة عشر، أشاحت عن مستوى ما من الوعي بخطورة اللعب بالرموز.
على الجزائريين أن يتعاملوا مع العلم الوطني والعلم الممثّل للثقافة الأمازيغية كرمزين مكمّلين لمنظومة القيم المؤسّسة للهويّة
لقد لاحظنا في المقابل تطوّرًا خطيرًا في خطاب القايد صالح الأخير لمّا وظّف لفظة "الأقليات"!
اقرأ/ي أيضًا: تحوّلات الرّعب في الجزائر
صحيح أنّ الجزائريين تمكنوا لحدّ الآن من فكّ القنابل الموقوتة التي زرعتها فلول السلطة، ولكن هذه الفلول مازالت تقاوم وجودها باللجوء إلى اللعب في المساحات الملغّمة، مثل الهويّة، العرقية، الرموز الوطنية وحتى الدينية، لكن هذه الألغام يُمكنها أن تنفجر في أي وقت، ما لم نحسن التعامل معها، وقد تجرّ البلد إلى سيناريوهات كابوسية.
وبخصوص الحديث عن الأعلام، ففي تصوّري أنّ على الجزائريين أن يتعاملوا مع العلم الوطني والعلم الممثّل للثقافة الأمازيغية كرمزين مكمّلين لمنظومة القيم المؤسّسة للهويّة الجزائرية المتعدّدة في أبعادها المختلفة؛ فبلد في حجم قارّة يجب أن يكون من التنوّع ما يفرض القبول بالاختلافات كقيم مضافة.
كما أنّ العلم الامازيغي، على الرغم من التشويه الذي تعرّض له وسوء فهمه، فهو تمثيل لأحد الأبعاد المؤسّسة لهذه الهويّة الجزائرية، وأنّ هذا العلم لا علاقة له بدعاوي الانفصال عن الجزائر، بل إنه ذلك المتعدّد المثري للهوية الوطنية.
لابدّ على الجزائريين، وملامح هذا الوعي مازالت غير واضحة تمامًا، أن يدركوا بأنّ العالم يتّجه نحو تعايش القوميات والثقافات، في إطار ما يُطلق عليه في الأنثروبولوجيا الثقافية بالهجنة الثقافية؛ ولابدّ أن يعرفوا جيدًا أنّ فكرة الهويّة النقية أو العرق النقي، فهما تنتميان إلى المعجمية الكولونيالية، وهما أيضًا من صميم الخطابات الفاشية والنازية التي آمنت باصطفاء الأعراق.
بل وعلى الأمازيغ أنفسهم ألا يسقطوا في محاكاة هذه الأيديولوجيا المقيتة، ولابد أن يدركوا بأنّ أمازيغيتهم هي نتاج تلاقحات ثقافية عبر التاريخ، بل سيجدون أن في ثقافتهم مكوّنات من ثقافات أخرى غير أمازيغية.
لا يوجد في الجزائر أي دراسة تقول بأنّ هناك عرقًا نقيًا، لهذا فإنّ الذين يتراشقون بالأفكار العنصرية هم مجرّد أدوات في يدّ بقايا النظام السياسي، يستغلونهم لضرب الحراك من الداخل.
إننا إذا أعملنا منطق العقل، والتفكير الموضوعي فإنه لا بديل لنا عن فكرة التعدّدية الثقافية واللغوية، خاصّة وأن خلف هذا التعدّد توجد هويّة جزائرية مشتركة، أما الخيط الناظم له فهو "العقلية الجزائرية " التي تميّز كل الجزائريين على اختلاف انتماءاتهم الجغرافية او الثقافية أو اللغوية. هناك ذات جزائرية، كما أن هناك هويّة جزائرية، وعادات وتقاليد تجمعنا جميعا كجزائريين، حتى "خبز الدار / الكسرة " هو عامل ثقافي مشترك يجب الانتباه له بشكل كبير.
لا يجب أن ننسى بأن هناك أزمات مفتعلة فقط بسبب الترويج لفكرة الأقليّات الثقافية، وبسبب الترويج لمثل هذه الأفكار انفجرت حروبٌ أهلية، وانقسمت دول، وتشتت شعوب، فكانت بعدها لقمة سائغة وسهلة للقوى الامبريالية المتربّصة بها.
كتب ويل كيمليكا يقول: " والواقع أنّ المجتمع الدولي كان دائمًا على وعي تام بـ " مشكلة الأقليات" ومهتمًا بأن تعالج على نحو سليم، لقد كانت الأقليّات المتضرّرة مصدر صراع في أواسط القرن التاسع عشر، كما أعادت نزاعات الانفصالين والانضماميين رسم خريطة أوروبا أكثر من مرّة وبطرق عنيفة، كثيرًا ما قوّضت الاستقرار " ( أوديسا التعددية الثقافية، ص46)
الحروب الداخلية تبدأ دائمًا في شكل رفض متبادل داخل المجتمع الواحد بسبب اختلافات لغوية أو دينية أو عرقية
هذا ما يمكن الخلوص إليه من دروس التاريخ، ذلك أن رفض التعايش الثقافي، ورفض التعدّدية الثقافية هما وقود الحروب الداخلية، فهي تبدأ دائمًا في شكل رفض متبادل داخل المجتمع الواحد بسبب اختلافات لغوية أو دينية أو عرقية قبل أن تتحوّل إلى حروب طاحنة، يخسر فيها الجميع.
اقرأ/ي أيضًا: