14-أبريل-2021

غالبًا ما ترتبط احتجاجات نقابات التربية بالمواعيد الانتخابية (الصورة: الخبر)

 

بعد هدوء دام عدة أشهر، أعلنت عدة نقابات بقطاع التربية العودة إلى الاحتجاجات والإضرابات، تنديدا بعدم استجابة الوزارة لمطالبها الموجودة على مكتب الوصاية منذ مدة، خاصة المتعلقة بتحسين الأجور التي أصبحت لا تتلاءم مع ارتفاع الأسعار وتراجع القدرة الشرائية.

عودة الإضرابات مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية يثير عدّة تساؤلات 

غير أن تزامن عودة الإضرابات مع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية يُثير التساؤل إن كانت النقابات ستخير الحكومة بين تلبية مطالبها، والمشاركة في إنجاح الموعد الانتخابي أو الدعوة لمقاطعته، وهي التي تمثّل قطاعًا له وزنه المجتمعي والانتخابي.

اقرأ/ي أيضًا: 5 ملايين سنتيم منحة لعمال التربية المصابين بكورونا

إضرابات متتالية

تتزايد نبرة التصعيد في المؤسسات التربوية يومًا بعد يوم، فالأسبوع الماضي أعلن المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار للتربية "كنابست" الدخول في إضراب وطني "تحذيري إنذاري"، والذي بدا اليوم ويستمرّ يوم غد 13 نيسان/أفريل الجاري.

لطالما سبّبت إضرابات نقابة "كنابست" صداعًا لوزارة التربية والحكومة، بالنظر إلى أنها من أقوى الشركاء الاجتماعيين تأثيرًا على سير الدروس خصوصًا في الطور الثانوي.

وتضمّن بيان الإضراب 18 مطلبًا تستعجل فيه نقابة "كنابست" تسويته من طرف الحكومة، منها "تحسين القدرة الشرائية للأستاذ التي تعرف تدنيًا غير مسبوق، ممّا يستوجب رفع الأجور وتثمين النقطة الاستدلالية بما يتوافق و ترقية مكانته المادية والمعنوية، وجعله في أريحية اقتصادية واجتماعية".

وتتمسّك النقابة بالمطالب المرفوعة والمرتبطة بملفات التقاعد والخدمات الاجتماعية و طب العمل، وحماية الحرّيات النقابية  ورفع "التضييق الممنهج" على النشاط النقابي.

وقبل إضراب "كنابست"، كان أساتذة التعليم الابتدائي قد شلوا عديد المدارس نهاية شهر آذار/مارس الماضي استجابة للإضراب الذي دعت له التنسيقية الوطنية لأساتذة التعليم الابتدائي التي تطالب بتطبيق المرسوم الرئاسي رقم 266-14 الصادر سنة 2014 في الجريدة الرسمية، حيث ينصّ على رفع تصنيف أستاذ الابتدائي من صنف 11 إلى صنف 12.

وعود الرئيس تبون 

تحيي الجزائر في الـ 16 نيسان/أفريل الجاري اليوم الوطني للعلم، ومعه ستستذكر الأسرة التربوية الوعود التي أطلقها الرئيس تبون قبل عام في رسالته بهذه المناسبة، والتي ترى معظم النقابات أنها لم تنفذ، خاصة ما تعلق منها بتحسين الوضع الاجتماعي.

وقال تبون قبل عام في رسالته "أجدد التزامًا قطعته على نفسي أمامكم في خطاب القسم، بالاهتمام بالمعلّم، والأستاذ والباحث ماديًا واجتماعيًا، لصنع نهضة وطنية شاملة تعيد الاعتبار للمدرسة الوطنية بكل أطوارها، وتستعيد الدولة فيها هيبتها، ويتنافس في ظلها أبناؤها وبناتها على العمل الصالح ونكران  الذات، مسترشدين بسيرة أسلافنا الميامين المنسجمة مع بيان أول نوفمبر الذي يظل مصدر إلهامنا ومرجع سياساتنا".

ومنذ وصوله إلى السلطة في 12 كانون الأول/ديسمبر 2019، حرص الرئيس تبون على الاعتراف بالوضع المعيشي والمهني والمادي الذي يعيشه الأساتذة والمعلمون، وتعهد في أكثر من مرة بتحسين هذه الجوانب.

غير أن تنفيذ هذه الوعود يظلّ صعبًا في الوقت الراهن، بسبب الوضع المالي الذي تعيشه الجزائر، جرّاء تراجع عائدات المحروقات، وركود النشاط الافتصادي بسبب جائحة كورونا التي ضاعفت متاعب الحكومة التي تبقى حتى اليوم غير قادرة على تنفيذ كل ما جاء في خطة إنعاش الاقتصاد الذي جاء بها الرئيس تبون.

 ولا يرتبط الأمر بالجانب المادي فقط، فالحكومة تتأخّر حتى اليوم في معالجة ملفات أخرى تتعلّق بإصلاح المنظومة التربوية، وإنقاذها من الهاوية التي تتّجه إليها بفعل إصلاحات علي بن زاغو والوزيرة السابقة نورية بن غبريت، إضافة إلى ملفات أخرى كالعودة إلى التقاعد النسبي والمسبق وتصنيف مهنة التعليم ضمن المهن الشاقة، وتعديل القانون الأساسي ومعالجة ملفات السكن والتكوين وغيرها من الملفات التي صارت معروفة لدى العام والخاص.

الظرف المناسب؟

يتزامن إعلان نقابات التربوية العودة إلى الاحتجاجات مع تحضير الحكومة لإجراء الانتخابات التشريعية في 12 حزيران/جوان المقبل، وهو التاريخ الذي يتصادف مع فترة اختبارات الفصل الثالث والامتحانات الرسمية خاصّة بالنسبة للطورين الأوّل والثاني.

 ولا يعد اختيار النقابات لهذه الفترة اعتباطيًا، حتى وإن كان قطاع التربية في الجزائر يصحو ويغفو على الحركات الاحتجاجية، بالنظر إلى أن كثيرًا ما هددت النقابات في السنوات الماضية بمقاطعة الانتخابات أو التخلّي عن حراسة الصناديق لما كانت المهمة بيد وزارة الداخلية، حيث كان اللجوء لموظفي قطاع التعليم الحلّ الوحيد للمساعدة في تأطير العملية الانتخابية.

وإن لم تتضمن بيانات الإضراب الصادرة عن مختلف النقابات، خطابات مساومة بتلبية مطالبها أو مقاطعة التشريعيات، بالنظر إلى أن الاستحقاق الانتخابي المقبل يبقى محلّ جدل في الجزائر؛ بل وأصبحت ورقة المشاركة أو المقاطعة، تهمة توجّه لمتبنّيها من قبل السلطة أو الحراك الشعبي، إلا أن الرسالة تكون قد وصلت إلى الحكومة بالنظر إلى أن قطاع التربية يبقى أكبر مجال يهتم به الجزائريون، كونه يضم أكثر من 600 ألف موظف يشكّل فيهم الأساتذة الأغلبية، والذين يهتمّون بنحو 10 ملايين تلميذ، وهي أرقام لها وزن في العملية الانتخابية تحرص السلطة دومًا على معالجتها ولو بحلول استعجالية.

لا يشكّل النشاط النقابي في هذه الظروف فقط محاولة لتحقيق مكاسب مهنية، إنّما أيضًا يعتقد البعض أنه محاولة لحصد أصوات قبل الموعد الانتخابي، فالبرلمان شهد على الدوام وصول نقابيين تربويين إلى قبته ومن كل الأطياف السياسية، ونذكر على سبيل المثال في تشكيلة المجلس الوطني الشعبي المحلّ فرحات شابخ القادم من الاتحادية الوطنية لعمال التربية والتجمع الوطني الديمقراطي، ومسعود عمراوي النقابي السابق في الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين، وعضو الاتحاد من أجل النهضة والعدالة والبناء، وغيرهما.

قد لا تحمل الإضرابات التي تنفذها نقابات التربوية جديدًا لقطاع التعليم في الوقت الحالي

قد لا تحمل الإضرابات التي تنفّذها نقابات التربوية جديدًا لقطاع التعليم في الوقت الحالي، بالنظر إلى أن اللقاءات التي جرت مع الوزارة لم تخرج نتائجها عن المعتاد، غير أنها تبقى معيارًا لاستمرار الحركة العمالية في أقوى قطاع ظلّ يندد ويحتج ضد السياسات الخاطئة للسلطة، حتى في عهد تهديدات وإغراءات نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

23 نقابة في قطاع التربية.. تمييعٌ أم تنويعٌ للحركة العمّالية؟

كورونا.. وزارة التربية تخفّف من البرنامج الدراسي