08-فبراير-2024
إعلانات التوظيف الإلكترونية

يلجأ جزائريون إلى مواقع إعلانات التوظيف لتجاوز إجراءات إدارية وبيروقراطية (الصورة: Getty)

أصبح البحث عن وظيفة في الجزائر اليوم كغيرها من الدول لا يحتاج إلى تصفح إعلانات الجرائد كما كان سابقًا، إنما باللجوء إلى إعلانات التوظيف الإلكترونية، وبالخصوص على شبكات التواصل الاجتماعي، لكن بعض هذه الشواغر لا تكون حقيقية إنما تُستعمل للاحتيال على طالبي العمل لابتزازهم بوظائف وهمية، وفق ما أثبتته تحقيقات الجهات المختصة.

خبير التكنولوجيا والأنظمة الرقمية نسيم لوشاني لـ"الترا جزائر": للأسف لا توجد تشريعات أو قانون محدَّد وصريح في الجزائر ينظم الإعلان عن الوظائف عبر الإنترنيت

وفي ظلّ عدم استطاعة وكالات التشغيل الولائية الحكومية تلبية احتياجات الباحثين عن العمل، يلجأ هؤلاء إلى مواقع الإنترنيت المختصة في حصر إعلانات الوظائف، أو إلى صفحات ومجموعات عروض العمل التي تنشر في مواقع التواصل الاجتماعي بهدف تجاوز الإجراءات الإدارية والبيروقراطية الموجودة في  وكالات التشغيل.

حالات متكررة

قبل أيام، أعلنت فرقة مكافحة الجرائم الاقتصادية والمالية التابعة لأمن ولاية الشلف، أنها تمكنت من الإطاحة بجماعة إجرامية تتكون من ثلاثة أشخاص، من بينهم امرأة، بتهمة النصب والاحتيال عبر الإنترنيت، راح ضحيتها أكثر من 90 شخصًا من مختلف مناطق الوطن، مع استرجاع أزيد من 413 مليون سنتيم.

وأشارت التحقيقات إلى أن عناصر الشبكة ينحدرون من ولايات مختلفة هي العاصمة الجزائر والبليدة وبومرداس، كانوا ينشطون تحت غطاء شركة إلكترونية، تقوم بإغراء ضحاياها بوظائف وهمية وعرض سلع وخدمات بأسعار جد مغرية، مقابل مبالغ مالية وحُلّي من المعدن الأصفر (الذهب) يدفعها الضحايا.

وطالبت المديرية العامة للأمن الوطني المواطنين بتوخي المزيد من الحذر في التعامل مع مختلف العروض التجارية التي تُطرح في العالم الافتراضي، لتجنب الوقوع في فخ الشبكات الإجرامية التي تسعى لاستمالة ضحاياها، باستعمال كل الحيّل والأساليب والترويج لوظائف وهمية.

شبكة إجرامية الشلف
شبكة النصب والاحتيال عبر الإنترنيت التي أطاحت بها شرطة الشلف

وتعمد هذه الشبكات أحيانًا لانتحال صفات مؤسسات اقتصادية كبرى، والادعاء بفتحها مسابقات للتوظيف، وهو ما حدث مع شركة "نفطال" (أحد فروع عملاق النفط الجزائرية سوناطراك)، والتي نفت في 29 كانون الثاني/جانفي المنقضي بصفة قاطعة عدم صلتها بإعلانات التوظيف الوهمية التي تغزو مواقع التواصل الاجتماعي باسمها. 

وقالت "نفطال" في بيان إن "هذه الإعلانات تجهل هوية ناشريها ويتم ذلك عبر صفحات ممولة تنتحل صفة "نفطال" للإطاحة بطالبي العمل في مصيدة النصب والاحتيال باستعمال بياناتهم لأغراض إجرامية".

ولفتت "نفطال" إلى أن "جميع عروض التوظيف الخاصة بها يتم نشرها عبر القنوات الرسمية والمعتمدة، مثل المنصة الإلكترونية للوكالة الوطنية للتشغيل، وتحث المواطنين على توخي الحيطة والحذر، وعدم التفاعل مع هذه الإعلانات الكاذبة والتبليغ عنها لمنصات التواصل الاجتماعي".

أسباب وحاجة

رغم حالات الاحتيال المتكررة التي تحدث في إعلانات التوظيف الإلكترونية، إلّا أنه من غير الممكن في الوقت الحالي تجاهل هذه الخدمة التي ظهرت مع التطور الذي عرفتها تكنولوجيا الإعلام والاتصال، بالنظر للكم الهائل من الشواغر المتوفرة في العالم الافتراضي.

وأوضح خبير التكنولوجيا والأنظمة الرقمية، نسيم لوشاني، في حديثه مع "الترا جزائر" بأن اللجوء إلى ذلك مرده أن "البحث عن الوظائف والإعلان عنها افتراضيًا يوفر العديد من المزايا للباحثين عن عمل وأصحاب العمل على حدٍ سواء، بالنظر لسهولة الوصول للإعلانات، سواء بالنسبة للمعلنين أو الفئة المستهدفة".

وأشار لوشاني إلى أنه "إضافة إلى انخفاض تكلفة الإعلانات، توفر المنصات الرقمية وشبكات التواصل الاجتماعي وصولاً واسعًا للباحثين عن عمل وأصحاب العمل على حدٍ سواء، كما تضمن سهولة نشر الإعلانات والبحث عن الوظائف في أي وقت ومن أي مكان، فهي تشكل بديلاً اقتصاديًا عن الطرق التقليدية للبحث عن عمل والإعلان عنه، على غرار الصحف والمجلات".

وتسمح هذه الطريقة بإمكانية "تحديد ميزانية محددة ومحكمة للإعلانات، وتتبع نتائج إعلانات التوظيف الإلكترونية، ونقطة الاستهداف، والسرعة والتحليلات، بناءً على الموقع الجغرافي، والمهارات، والخبرات، وغيرها، مع إتاحة إمكانية زيادة فرص الوصول إلى المرشحين المناسبين للوظيفة، إضافة للتواصل مع الباحثين عن عمل وأصحاب العمل بشكل مباشر وفوري".

وحسب خبير التكنولوجيا والأنظمة الرقمية، فإن "هناك نقطتان هامتان ساهمتا في تسريع عملية التوجه نحو استعمال العالم الافتراضي للإعلان والبحث عن الوظائف، هما التطورات التكنولوجية، حيث ساهم تطور تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تُحسّن عمليات البحث عن العمل والإعلان عنه عبر المنصات الرقمية، وكذا جائحة كورونا التي  سرّعت في اعتماد المنصات الرقمية للبحث عن عمل والإعلان عنه".

وتتوافق هذه الأسباب مع ما يذكره الشاب عبد الله لـ"الترا جزائر" الذي أشار إلى أنه اكتشف المقابلات الإلكترونية المباشرة صورة وصوتًا في الجزائر في فترة الجائحة، بالنظر لأن المؤسسات الاقتصادية تخلّت عن مقابلات العمل الحضورية جراء إجراءات التباعد التي كانت تطبق وقتها.

ارتفاع مخيف لضحايا الوظائف الوهمية

لا تتوفر أرقام رسمية بشأن عدد حالات  الاحتيال وإعلانات الوظائف الوهمية عبر  الإنترنيت، لكن التقارير الأمنية والإعلامية المتوالية تنبئ بأن الظاهرة في استمرار وزيادة بالجزائر، سواءً من قبل معلنين داخل البلاد أو خارجها، إذ أن إعلانات التوظيف الوهمي صارت تأتي اليوم دون البحث عنها، وذلك عبر رسائل وصلت الكثير من الجزائريين عبر التطبيقات المختلفة كتيليغرام وواتساب وفيسبوك.

وأصبح التحايل عبر إعلانات التوظيف الإلكترونية من أهم الجرائم الإلكترونية المسجلة في الجزائر، والتي تبقى إحصاءاتها في الغالب لا تعبر عن الواقع بالنظر إلى أن بعضها لا يتم التبليغ عنها بالنظر لارتباطها أحيانا بالابتزاز الذي قد يمس بالمعلومات والحيات الخاصة.

ولا تتوفر حتى الآن أرقام بشأن عدد الجرائم الإلكترونية المسجلة في العام الحالي أو المنقضي، لكن الرائد فريد درامشية المختص في الإجرام السيبراني بقيادة الدرك الوطني كان قد أشار في تصريح للقناة الإذاعية الأولى الحكومية شهر شباط/فيفري الماضي إلى معالجة 500 جريمة سيبرانية في الأسابيع الأولى فقط من سنة 2023.

وأكد درامشية أنّ الإجرام الإلكتروني  الذي من بينه إعلانات التوظيف الوهمية في تزايد مستمر، حيث من 2838 جريمة في 2021، إلى 4600 قضية في 2022.

ويعتقد نسيم لوشاني أنه من أهم أسباب ارتفاع حالات الاحتيال من خلال إعلانات الوظائف الوهمية المنشورة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، قلة الخبرة لدى الباحثين عن عمل جراء الأمية التكنولوجية، فبعضهم لا يميزون بين إعلانات الوظائف الوهمية والحقيقية، مما يجعلهم عرضة للاحتيال بسهولة.

الجزائر سجّلت في سنة 2022 ارتفاعًا في الجريمة الإلكترونية، التي من بينها إعلانات التوظيف الوهمية، ووصلت إلى 4600 قضية 

ولفت لوشاني إلى الأمية التكنولوجية في هذا المجال تتمثل بشكل أساسي في عدم الدراية بالطرق والأساليب الصحيحة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتصديق كل ما هو منشور من معلومات مهما كان نوعها أو الجهة التي نشرتها. إضافة إلى الجشع وقلة الوعي بمخاطر الاحتيال عبر الإنترنيت، حيث يُغرِي المحتالون ضحاياهم بعروض وظائف وهمية مثالية وجاذبة للغاية، إضافة إلى إنعام الرقابة الرقمية ونقص المعلومات الأساسية، حيث لا تتمتع بعض وسائل التواصل الاجتماعي بمستوى كافٍ من الرقابة على المحتوى المنشور - سواء بشكل متعمد أو دون قصد -، مما يُسهل على المحتالين نشر إعلانات وظائف وهمية، واستخدام تقنيات حديثة لتزييف صفحات الويب ورسائل البريد الإلكتروني.

فراغ تشريعي

هدّدت "نفطال" بمقاضاة من يقفون وراء استعمال اسمها أو شعارها دون ترخيص في إعلانات التوظيف، وهو الحل الذي يلجأ إليه في الغالب كل من يكون ضحية هذه الممارسات.

لكن يظهر أن هذا الحل يظل غير كاف، بالنظر إلى الفراغ القانوني المتعلق بقطاع الإشهار، حيث لا يوجد حتى الوقت الحالي قانون صريح ينظم سوق الإعلانات، وبالخصوص الإعلان على الإنترنيت.

وهنا علق لوشاني قائلا: "للأسف لا توجد تشريعات، أو قانون محدد واضح وصريح في الجزائر ينظم جانب إعلانات التوظيف الإلكترونية، وفي الغالب قد تُطبق بعض القوانين والتشريعات ذات الصلة، فهذا الجانب بحاجة إلى مزيد من التنظيم من خلال استحداث قانون محدد كفيل بالتقليص من هذه الظواهر".

وجراء هذا الفراغ القانوني، تتكرر حالات التحايل عبر الإعلانات الوهمية، ولعل أبرز قضية في هذا المجال تلك التي أدين واتهم فيها ممثلون ومؤثرون على مواقع التواصل الاجتماعي. مثل ريفكا ونوميديا لزول وستانلي والمتعلقة بالترويج لشركة وهمية نصبت على طلبة دفعوا أموالا طائلة من أجل السفر والدراسة في تركيا وأوكرانيا.

وقال خبير التكنولوجيا والأنظمة الرقمية نسيم لوشاني لـ "الترا جزائر" إن التصدي لشبكات الاحتيال عبر إعلانات الوظائف يتطلب اليوم جهدًا مشتركًا من مختلف الجهات، في مقدمتها الحكومية المطالبة بسن قوانين وتشريعات صارمة تنظم جانب الإعلانات في الفضاء الرقمي، وبالأخص في جانب عروض العمل، وتكثيف التعاون الدولي لتبادل المعلومات وملاحقة أصحاب الوظائف الوهمية، وتطوير أدوات تقنية للكشف عن إعلانات الوظائف الوهمية وتحسين أدائها بشكل مستمر.

الخبير لوشاني: التصدي لشبكات الاحتيال عبر إعلانات التوظيف الإلكترونية يتطلب جهدًا مشتركًا وتكثيفًا للتعاون الدولي لملاحقة المتورطين وكذا تطوير الأدوات التقنية

ويشار إلى أن الحكومة  باشرت التحضير لإطلاق برنامج مكمل لـ "سيبر ساوث" الخاص بمكافحة الجريمة الإلكترونية، والذي سيطلق عليه اسم  "سيبر ساوث+"، وينتظر دخوله حيز الخدمة  خلال العام الحالي، حيث تم التركيز فيه على جانب الأدوات التشريعية في مجال التعاون الدولي وحفظ الدليل اللامادي ومكافحة الجريمة الإلكترونية، وهو جانب مهم قد يسهم في التقليل من جرائم التحايل عبر إعلانات التوظيف الوهمية.