15-فبراير-2024
طبق البلبول

طبق البلبول (الصورة: يوتيوب)

بين عامي 1867 و1868، عاشت الجزائر وهي تحت حكم الاستعمار الفرنسي، محنة كبيرة تمثلت في "المجاعة" التي كانت آثارها وخيمة، كارثة ديمغرافية مأساوية نتجت بسبب السياسة الاستعمارية المقيتة التي صادرت أملاك الجزائريين وشرّدتهم، وبالرغم من الخسائر في الأرواح إلاّ أنّ من نجا من الجزائريين كان بفضل تدبّره طرق غذائه وأكله.. كما فعل سكان المدية (70 كلم جنوب العاصمة) الذين "ابتكروا" أكلة "البلبول".. فما قصة الطبق؟

اختلفت الروايات حول أصل طبق "البلبول"، هل هو طبق عثماني يرتبط بفترة الأتراك في الجزائر أم طبق ولد من رحم "المجاعة"، التي شهدتها البلاد في ستينيات القرن التاسع عشر

في نهاية ستينيات القرن الـ19، انتشر الجراد وعمّ الجفاف وتفشت المجاعة والأمراض مثل الكوليرا والجذري مع اختلاف في حدّتها من منطقة لأخرى، ناهيك عن لجوء الاستعمار إلى رفع أسعار الأطعمة والحبوب ورفع الضرائب ومصادرة الأراضي، واحتكار اليهود لكل شيء. ما أدّى إلى هلاك نحو مليون جزائري، بحسب ما ورد في كتاب "الكارثة الديموغرافية 1867/1868" للكاتب الجيلالي صاري. في حين ذكرت مصادر تاريخية أخرى أنّ عدد الموتى بلغ 500 ألف شخص.

كتاب

البلبول.. ومعركة حياة أو موت

ويذكر الأكاديمي بجامعة عبد الحميد ابن باديس، بمستغانم، مختاري الطيب في مقال حول "مواقف الجزائريين من السياسة الاستعمارية عقب مجاعة 1867" اقتبس بعض معلوماته من كتاب محمد الصالح العنتري "مجاعات قسنطينة" ونشره سنة 2022 بمجلة "الإنسان والمجال" أنّ "معاناة الجزائريين مع الجراد لم تتوقف، فجاءهم الزلزال، الذي ضرب البليدة والمتيجة (بالقرب من المدية)، إلى جانب مرض التيفوس والكوليرا، مما اضطر الناس إلى أكل الأعشاب ونبش القبور، وأكل ما لا يحلّ أكله.".

وفي ظل هذه الكوارث التي عصفت بمختلف المناطق الجزائرية، لجأ سكان مناطق أخرى وبالخصوص منطقة المدية إلى البحث عن سبيل للبقاء على قيد الحياة باعتبار خطر المجاعة الذي يتهدد حياتهم، والسياسة الفرنسية التي تحاصرهم من كل جهة، فطبقوا الاقتصاد في الأكل والاعتماد على القليل الذي ادخروه من المنتجات الزراعية التي "نجت" من بطش الاستعمار.. وكان "البلبول" أحدها والذي ساهم في إنقاذ سكان المدينة من الجوع، خلال تلك المحنة العصيبة.

لا يزال طبق "البلبول" الشعبي منتشرًا ومشهورًا بمدينة المدية جنوب العاصمة الجزائر، مقارنة بغيابه وانعدام أثره  بالولايات الأخرى سواء في الشمال أو الجنوب أو الغرب أو الشرق، أو بالأحرى يجهل أغلب الجزائريين ماهية هذه الأكلة التقليدية التي رافقت الشعب الجزائري في أعظم محنه وكرباته.

"الطبق المنقذ"

وبالرغم من اختلاف الروايات حول أصله هل هو طبق عثماني يرتبط بفترة الأتراك في الجزائر أم طبق ولد من رحم "المجاعة" التي شهدتها البلاد في ستينيات القرن التاسع عشر، إلاّ أنّه بقي محافظًا على سماته التي ظهر بها في جوهره وبساطته و "اقتصاديته".

لا يستغني سكان المدية الجزائرية عن هذا الطبق الصّحي، فهو يرافق موائدهم طوال السنة وينتشر استهلاكه في فصلي الشتاء والربيع، باعتبار المنطقة معروفة بجوها البارد، كما يقدم في المناسبات ويوم الجمعة، كما يشكل جزء من تراث المطبخ المداني (نسبة إلى المدية)، إلى جانب مأكولات عريقة أخرى مثل "دشيشة المرمز"، "الكسكس"، "العصبان"، "الخليع" و"الطبيخة" و"العصبان".

"البلبول" عبارة عن خبز يابس أو "كسرة" تقوم النساء بطحنه، ثم فتله كما الكسكس، ثم يفور ويمزج مع مسحوق نبتة الزعتر وزيت الزيتون، ويقدم ساخنا مع اللبن أو الحليب سواء للضيوف أو لأهل المنزل. حيث يعرف بأنه أكل "ثقيل" يمنح الجسم الإحساس بالشبع وهي الحكمة التي تكمن وراءه من خلال لجوء الجزائريين إليه خلال مأساة المجاعة التي حلّت بهم خلال القرن الـ19.

وعملية تحضيره سهلة وبسيطة  ومكوناته ليست كثيرة وليست مكلفة، حيث تقوم النساء بتجفيف الخبز اليابس (الكسرة) سواء المصنوع من الشعير أو القمح، ثم تنقيته بواسطة الماء، وعصره بعدها حتى لا يتعجن، والقيام بغربلته بواسطة "الغربال" مرتين أو ثلاث حسب حالته، فيخرج الطحين الرقيق وهو "البلبول"، ثم تبدأ عملية تفويره عبر "كسكاس" موضوع على قدر به ماء يغلي، يصعد إليه بخار الماء، ثم يرش بالماء ويضاف إليه بعض الزعتر المطحون، وقبل إخراجه من "كسكاس القدر" يضاف إليه زيت الزيتون أو الزبدة... وبذلك يصبح جاهزا للاستهلاك.

"البلبول" لـ"البيع" على منصات التواصل

 بدأ طبق "البلبول" يخرج من محليته من مدينة المدية، إلى زبائن في مدن أخرى، من خلال بيعه وتسويقه عبر منصات التواصل الاجتماعي بأسعار مختلفة بحسب كمية الطبق بالكيلوغرام.

وانتشرت صفحات على منصات التواصل الاجتماعي تروج لبيع "البلبول" من بينها صفحة "المدية للعجابن" والتي تعرض أطباق البلبول بأسعار مختلفة. حيث يترواح السعر بين 380 دج و450 دج (2 دولار) للكيلوغرام الواحد.

بلبولبلبول