26-أبريل-2021

تقرّر إجراء الانتخابات البرلمانية في الـ 12 حزيران/جوان المقبل (أ.ف.ب)

يتسابق أساتذة الجامعات في الجزائر وبشكلٍ غير مسبوق، سعيًا للحصول على مقعد في البرلمان بمناسبة الانتخابات البرلمانية، المقرّرة في الـ 12 حزيران/جوان المقبل، إذ تضمّ قائمة مرشحين لهذه المنافسة الانتخابية، في ولاية سطيف لوحدها 12 أستاذًا جامعيًا، وهو ما لوحظ في كثير من ولايات الوطن.

يبدو أن هناك عدّة دوافع أسهَمت في تقدّم العشرات من كوادر الجامعات الجزائرية للتشريعيات

ليس غريبًا أن يترشّح الأستاذة في القوائم الانتخابية، إذ سبق وأن أثّث الأساتذة على طول مسار العمليات الانتخابية في الجزائر منذ التعدّدية السياسية من أساتذة مترشحين، ولكن هذه المرّة، يُجمع كثيرون حول وجود أعداد كبيرة من الأساتذة في تلك القوائم، وهو تحوّل إلى ظاهرة سياسية مؤخّرًا. 

اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات التشريعية في الجزائر.. تباين في مواقف المعارضة

لا يمكن إغفال هذا المعطى السياسي المهمّ، ما يطرحُ أسئلة كثيرة حول دوافع هذه الظاهرة السياسية والمبرّرات التي تقف وراء هذا الاندفاع نحو مغادرة الجامعة إلى المؤسسة التشريعية من جهة، وتجنب الانضواء تحت قوائم حزبية من مبدأ الاستقلالية عن التشكيلات السياسية من جهة ثانية. 

أسباب موضوعية

من هذا المنطلق، يبدو أن هناك عدّة دوافع أسهَمت في تقدّم العشرات من كوادر الجامعات الجزائرية وحتى من المؤسسات التربوية بالأطوار الأساسية للتشريعيات، أولها إمكانية استغلال ظروف الوضع السياسي في البلاد المساعدة لهذه الخطوة، إضافة إلى تبنّي الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون والسلطة السياسية في البلاد فكرة ضرورة فسح المجال لمختلف فعاليات المجتمع المدني، نحو السعي للحصول على مقعد في البرلمان، وإعادة تشكيل المؤسسة التشريعية بوجوه جديدة. 

أما ثاني معطى، فيتمثل في الظروف السياسية السابقة، ومحيط الممارسة التشريعية، التي انحسرت لزمن طويل بين تشكيلاتٍ سياسيةٍ سيطرت على هذه الهيئة، حيث ظلّ فيها أستاذة الجامعات ينأون بأنفسهم عن المجال السياسي، وبعيدون عن الفعل السياسي والانخراط في الأحزاب السياسية التي تعطي الأولوية غالبًا لرجال الأعمال. 

في هذا السياق، تفيد بعض التصريحات من بعض كوادر جامعية لـ "الترا جزائر"، أن هناك مُعطى أكثر حساسية وأكثر خطورة يتمثّل في أن الجامعة لم تعد تُغري الأساتذة على العمل الأكاديمي والاشتغال على البحوث العلمية، والإسهامات في تقديم رؤى مستقبلية، لأسباب ترتبط أساسًا بتغير البيئة الجامعية والحوافز المادية المنحصرة في الراتب غير المناسب لأستاذ جامعي وباحث أكاديمي ومشاكل مع الطّلبة، فضلًا عن العوامل السوسيو- اقتصادية في البلاد. 

هناك أسباب أخرى، دفعت بالمتقدّمين للترشح في قوائم حرة من المنتسبين لقطاع الجامعات، وتجريب تغيير مسارهم العلمي، باتجاه الممارسة السياسية بهدف المشاركة في سنّ التشريعات المتعلقة بالسياسات العامة، حسب تصريحات أستاذ الإعلام بجامعة الشيخ العربي التبسي بولاية تبسة شرق الجزائر البروفيسور رضوان بلخيري.

وأفاد البروفيسور بلخيري أن خيار دخوله المعترك السياسي، راجع إلى "دعوة رئيس الجمهورية إلى ضرورة وجود وجوه شابة وجديدة، فضلًا عن فتح المجال السياسي وإعطاء الفرصة للشباب".

أمّا الدّافع الأكثر تحفيزًا لخيار الأستاذ بلخيري يتمثّل  في "خِدمة ولاية تبسّة وإيصال صوت مواطنيها إلى الجهات العليا، والتي رغم ثرواتها وخيراتها لكنها تعاني التهميش في جميع القطاعات".

وأضاف المتحدّث أن ارتباطه بمهنة التعليم العالي واحتكاكه اليومي بكافة طبقات المجتمع لا يمنعه بالتواصل مع الجامعة، بل "الجامعة نقطة انطلاقتي خدمة للطبقة المثقّفة والمرافعة لانشغالات الطلبة والمرافعة على خريجي الجامعات لاسيما طلبة الدكتوراه، علاوة على إيصال صوتهم لأنهم هم قوّة البناء ورهان المستقبل وإتاحة الفرصة لهم لنيل منصب عمل يليق بالشهادة المتحصل عليها وبمستواه العلمي".

وبخصوص التجربة في حدّ ذاتها، قال المتحدث أنّها المرة الأولى التي يسلك طريق السياسة، ولم يسبق له أن انتمى إلى حزبٍ سياسيّ، غير أنه يعتقد أن الفرصة سانحة لتحقيق التغيير وتقديم إضافة سواءً على الصعيدين المحلي والوطني، بالتفرّغ لخدمة سكان الولاية والفئات الهشة وإيصال صوتهم والدفاع عنهم، والمحافظة على أمانة وصوت المواطن وبناء الجزائر وفق رؤية جديدة بسواعد كل أبنائها".

السياسة دون خلفيات

عمومًا، تُؤثّر الصّورة الذهنية للأستاذ الجامعي، الذي لم يسبق له الانخراط في العملية السياسية والنضال في تشكيلات سياسية، على ما سيقدّمه فعليًا في الميدان، إذ يعتقد البعض أن الولوج للسياسية في منافسة انتخابية دون خلفية سابقة، ستكون نتائجها غير محسوبة العواقب في مختلف المعارك السياسية خاصة على مستوى الهيئة التشريعية. 

عدم الانخراط في الأحزاب والنضال في تشكيلات سياسية يطرح الكثير من الاستفهامات، بل يراها البعض "مشكلة حقيقة أمام المترشحين"، إذ يعتقد الأستاذ في الأنثروبولوجيا بجامعة باتنة شرق الجزائر إبراهيم بن عرفة، أنه من "لم يمارس السياسة في وكرها فلن يكون جلدًا أمام المعارك السياسية" حسب تعبيره. 

وقال بن عرفة في تصريح لـ "الترا جزائر"، إن الانتخابات تحتاج إلى تكوين سياسي لسنوات في المعترك السياسي من خلال الأطر الحزبية وجمعيات المجتمع المدني، لافتًا إلى أن "السياسة بمفهومها هي سنّ قوانين للصالح العام ولتسيير أمور الناس".

وتبعًا لذلك فإن الخبرة الأكاديمية وحدها لا تكفي لخوض غمار المنافسات السياسية، حسب الأستاذ بن عرفة معلقًا بالقول إن "الخبرة بين أسوار الجامعة لا تكفي، لأنهم أكثر الناس انعزالًا عن المجتمع، وما يوجد من معارك في الساحة السياسية يتطلب تكوينًا وتجربة مسبقة ليكونوا من مستوى التحدي".

من هذا المنظور، يرى البعض أن ممارسة السياسية تحتاج إلى انخراط قوي في المجتمع، إذ لا يمكننا أن نغضّ الطّرف عن وجود طبقة كفاءات عالية في الجزائر لكنها ظلّت حبيسة المكاتب. 

هذا الرأي يتفق معه كثيرون، إذ يرون في الانتخابات المقبلة تجربة لـ "كسر الحاجز النفسي" للنخبة الجامعية، وفرصة لتجريب العملية الانتخابية حسب الأستاذة فريدة بهلول من جامعة الأغواط، مؤكدة لـ "الترا جزائر"، أنها تخوض الانتخابات ضمن قائمة مستقلّة، متجاوزة بذلك البقاء على هامش الأحداث، والانخراط في الفعل التشريعي وخدمة المواطن في مؤسّسة البرلمان، على حدّ تعبيرها. 

 أغلب المترشحين من أساتذة الجامعات فضّلوا الانخراط في قوائم مستقلة 

الملفِت للنّظر أن أغلب المترشحين من أساتذة الجامعات فضّلوا الانخراط في قوائم مستقلة، على أمل دراستها من طرف اللجنة المستقلة للانتخابات، دون انضواء أغلبهم تحت غطاء أحد الأحزاب السياسية الموجودة في الساحة، وهذا في حدّ ذاته مؤشرٌ آخر، عن إفلاس حزبي في استقطاب الكوادر لخوض المنافسة الانتخابية المنتظر تنظيمها بعد أقل من شهرين. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

مشروع قانون الانتخابات.. تغيير نمط الاقتراع وفرض شروط جديدة للترشح

قانون الانتخابات الجديد.. نحو حلّ مشكلة المال الفاسد والعزوف الانتخابي