30-يناير-2023
جامعة الجزائر (الأناضول/Getty)

جامعة الجزائر (الأناضول/Getty)

عاد الحديث مجددًا في الجزائر حول منظومة التعليم الجامعي واختلالات المناهج التعليمية، حيث أثيرت تساؤلات حول قضية التكوين في مستويات الليسانس وطور الماستر وإعادة النظر في التكوين في سلك الدكتوراه، بل هناك من يطالب بالعودة إلى نظام التعليم القديم.

شدد الأكاديمي كريم مقطوف على أن التجارب السابقة أثبتت ضرورة العودة إلى نظام 4 سنوات بالنسبة لسلك الليسانس

السؤال الجوهري الذي طالما طرحته الأسرة الجامعية في الجزائر، يتعلق بمدى نجاح نظام " أل.أم.دي" في الجامعات والمعاهد الجزائرية، إذا بات هذا النظام يوفر حاضنة كبيرة للجدل حول تكييف التعليم داخل المؤسسات الجامعية وعلاقتها بسوق الشغل، أو ما يسمى بـ"التجسير" بين الجامعة والتوظيف بعد حيازة الشهادات العليا.

تقييم ومقترحات

إلى هنا، لا يمكن الحديث عن المنظومة التعلمية من حيث سنوات الدراسة، دون التطرّق لهذا النظام الذي تم إقراره في الجزائر منذ العام 2004، في حكومة أحمد أويحيى سابقًا، وفي تلك الفترة نادت بعض الأطراف أن الزج بالجامعة ومنها الطلبة في هذا النظام يحتاج أولًا  إلى تكييفه مع القوانين الناظمة للدراسة على مستوى الكادر البشري والإداري والمقاييس (المواد التعليمية)، فضلًا عن المخرجات التي وجب ربطها بالمنظومة المجتمعية، في مختلف التخصّصات تفاديًا للبطالة.

قبل أيام أشارت عدة ندوات للأسرة الجامعية على مستوى الجامعات الجزائرية، إلى العودة إلى التعليم القديم بشكلٍ مغاير لما كان عليه قبل 2004، أي ليسانس لمدة أربع سنوات، مع شهادة مزدوجة لتخصصين اثنين في الوقت نفسه، وهي مقترحات دعت الأسرة الجامعية إلى التدقيق فيها وطرحها على مستوى الوزارة لكي يتم ضبطها بدءًا من العام الجامعي المقبل.

في هذا السياق، اعتبرت بعض الأوساط الجامعية أن هذه المقترحات "مجرد ذر الرماد في العيون"، على حد تعبير أستاذ العلوم القانونية بجامعة (الجزائر2) بالعاصمة الجزائرية عبد الحكيم مجبر، مشيرًا إلى أنه لا يمكن الزجّ بالطرح المنهجي والتنظيمي في الدراسات الجامعية بمقترحات بعيدة كل البعد عن الواقع.

وفي تقييمه لبعض التخصّصات أو المواد التي يتم تدريسها اليوم، قال الأستاذ مجبر ( 24 سنة في سلك التعليم الجامعي) إن بعض التخصصات أكل الدهر عليها وشرب من حيث المستوى المعرفي المقدم للطلبة، لافتًا في تصريح لـ" الترا جزائر" أنه "من واجبنا كأسرة جامعية الدعوة للإصلاحات، ولكن دون هلاك الطالب الجامعي".

ودافع الأستاذ مجبر عن الطالب الجامعي من منظور ميداني، قائلًا إن الجميع يتحدث عن الإصلاحات، وإعادة النظر في التكوين الجامعي، دونما البحث في أساليب التدريس ومدى توافقها مع المجتمع، والسوق الوطنية للشغل.

سنوات الدراسة

الحديث عن هذه المشاريع المطروحة اليوم للنقاش ولو على سبيل الإثراء بهدف التوصل إلى حلول جذرية، تمس الجانب البيداغوجي، وهو ما يحتاج من الوزير الحالي كمال بيداري التريث لإعادة النظر في منظومة التعليم الجامعي، قبل الحديث عن زمن وكيفية ربطها بالجانب الاقتصادي أو العمل بعد التخرج، خاصة بعدما طرح فكرة إنجاز أطروحات متصلة بالمنتج الخارجي وعلاقتها بالاختراعات.

ويعتقد البعض من ضمن الكوادر الجامعية الجزائرية، أن الفضاءات العلمية والأكاديمية في الجزائر تعاني في عدة جوانب، أهمّها مدة التكوين التي لا تزال بين مد وجزر بسبب المكونات السابقة ومخلفات الأعوام التي سبقت تعديل المنظومة التعليمية في الجامعات، ومازال لحد الآن التفريق بين مستوى الكلاسيكي في التعليم والمستوى الجديد من نظام التّعليم (أل أم دي) أي ليسانس ثلاث سنوات وماستر سنتين ودكتوراه خمس سنوات.

من جهتها، قالت الأستاذة فريدة مهني من كلية العلوم الاقتصادية بجامعة قسنطينة شرق الجزائر، أن التكوين البيداغوجي أنهك الأساتذة قبل الطلبة متحدثة لـ" الترا جزائر" عن مسائل تتعلق بتقليص المواد والمقاييس والدروس، التي لا تتماشى أبدًا مع المغزى من التكوين، على حد قولها.

ولفتت الأستاذة مهني إلى أهمية التنسيق بين المؤسّسات الجامعية بمخرجاتها الأكاديمية والواقع المعيش، فالطالب الجامعي يعيش في الجامعة بين واقع مفروض وفوضى خارج أسوارها، متسائلة عن من المسؤول عن كل هذا؟ .

ودعت من خلال خبرتها في الجامعة إلى ضرورة إجراء اجتماعات دورية من خلال الندوات الجهوية لأساتذة التعليم الجامعي، حول نظام التكوين في الليسانس، مشددة على دور المقترحات الفعالة في تحقيق قفزة في التكوين والتدريب في إطار نهاية كل طور تكويني سواء على مستوى الليسانس أو الماستر أو الدكتوراه.

فترة التكوين .. نقطة استفهام

ومن خلال هذا الطرح، يقترح البعض إقرار فترة تأهيلية يخضع لها الطالب قبل انتقاء المسلك الدراسي الذي سيباشر في تعلمه في الجامعة، وليس اختيارات مرتبطة بمدة زمنية محددة مسبقًا، أي ما هو معمول به لحد الآن في الجزائر منذ النجاح في شهادة الباكالوريا إلى غاية التسجيل الأولي والنهائي، وهي فترة غير مناسبة وقد تودي بأحلام الآلاف إلى الهامش، وتدخلهم نفقًا مظلمًا يكابدون فيه من أجل الحصول على الشهادة وفقط.

وفي هذا المنوال، شدد الأخصائي في علوم التربية والأستاذ الجامعي بكلية علوم التربية بجامعة وهران كريم مقطوف، في حديث إلى الترا جزائر"، بأن أية مقترحات تضعها الأسرة الجامعية على طاولة النقاشات، وجب ربطها مباشرة بمتغيرات العصر، وطرق التدريس، وتكييفها مع الواقع، وانسجامها مع متطلبات العصر.

وشدد الأستاذ مقطوف على أن التجارب السابقة أثبتت ضرورة العودة لنظام أربع سنوات بالنسبة لسلك الليسانس، وهو أمر يمكن تطبيقه ولكن تكلفته ستكون باهظة الثمن أمام ارتفاع أعداد الوافدين الجدد للجامعات وعدم توافق هذه الأعداد مع مخرجات حقيقية في الميدان.

وزارة التعليم العالي  تسعى منذ أشهر في سبيل إعادة ترسيم تعليم اللغة الإنجليزية في الجامعات

تجدر الإشارة إلى أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي، تسعى منذ أشهر في سبيل إعادة ترسيم تعليم اللغة الإنجليزية وضرورة تمكين الأساتذة والطلبة منها لاتساقها مع المخرجات العلمية العالمية، فضلًا عن فتح نقاش من أجل التوصل إلى حلول مجدية لتحسين المستوى الجامعي.