14-مايو-2023
مخدرات

(الصورة: GETTY)

يجلس أحمد ولطفي ومنير، ثلاثة شباب مدمنين أعمارهم بين العشرين والثلاثين، أمام المعالج كمال عبيدات، في قاعة بمركز مكافحة الإدمان ببوشاوي في الجزائر العاصمة، ليستمعوا إلى درس لا يمكن لهم نسيانه عن المخدرات، ينتهي بأخذ تعهد من كل واحد منهم بتطليق هذا العالم نهائيًا.

المختصة في الأمراض النفسية سميرة فكراش: المخدرات أصبحت تهديدًا حقيقيًا للمجتمع، بالنظر لتأثيراتها من الناحية النفسية والانفعالية على المدمن

في بداية الجلسة التي حضر جزء منها "الترا جزائر"، يشرح كل شاب ظروف دخوله عالم الإدمان، فمنهم من قال إنه اكتشف المخدرات والمهلوسات عبر أصدقائه ومنهم من ذكر أنه فقد الأمل وظروف الحياة دفعته للتعاطي من أجل وهم النسيان، وكل يبدي ندمه على ذلك ويؤكد أن حضوره لهذا المكان دليل على رغبته في العلاج. وفي القاعة، ثمة مكان مخصص لمرافق كل شاب، أسلوب يعتمده المعالج حتى يضاعف من إحساس الذنب للمريض ويجعل أقرب الناس إليه شاهدين على إعلانه الالتزام ببدء حياة جديدة.

ينطلق بعد ذلك المعالج في إلقاء محاضرة مسجلة بصوته الجهوري، يغوص فيها بأسلوب قريب من لغة الشباب في خطر المخدرات على جسم الإنسان وعقله والطريقة التي تدمر كيانه، ينتقل فيها تارة بين الموعظة الاجتماعية وإيقاظ الوازع الديني وتارة أخرى بين الحقائق العلمية وتجارب لأشخاص عرفوا نهايات مأساوية وقصصا بالمقابل متفائلة لشباب تعالجوا وانقلبت حياتهم رأسا على عقب، ومن هؤلاء يحكي المعالج من أصبحوا حتى عاملين في حقل مكافحة الإدمان يريدون نفع غيرهم.

الشباب الثلاثة ينحدرون من تقرت والعاصمة والبويرة.. مدن في وسط وشرق وجنوب البلاد، تدل على أن ظاهرة المخدرات لم تعد محصورة في منطقة بعينها وهي آخذة في الانتشار كالنار في الهشيم في مختلف مدن البلاد. هذا الواقع، يفسر حالة الطوارئ التي أعلنتها السلطات في الفترة الأخيرة ضد المخدرات في كامل الجزائر، إذ لا يخلو يوم إلا وتنشر مصالح الأمن أخبارا عن تفكيك شبكات تروج هذه السموم وتقديمها أمام العدالة.

مراكز العلاج وخطواته

لدى المعالج عبيدات الذي يشرف منذ مدة طويلة على مركز بوشاوي الواقع في قلب غابة هادئة، تقنيته الخاصة في العلاج التي طورها مع الزمن، فهو يعتمد أولا على غسل دماغ المريض وإقناعه تماما باستحالة الاستمرار في طريق الإدمان، ثم يطبق بروتوكول علاج طبيعي يتضمن جلسات نفسية وأخرى علاجية بالمياه الساخنة وممارسة الرياضة وتناول مشروب من خلطة أعشاب طبية تعمل كمهدئ للمريض يساعده على التخلص من سموم المخدرات ومرافقته في رحلة الفطام من الإدمان.

ويوجد مثل هذا المكان، وفق وزير الصحة عبد الحق سايحي، عمومًا في الجزائر حاليًا 46 مركزًا وسيطًا لعلاج الإدمان و5 مصالح استشفاء (مراكز علاج)، وهي منتشرة عبر كل مناطق الوطن. كما تدعّم هذا الميدان ب 30 طبيبا اتبعوا تكوينا في إطار شهادة الدراسات المتخصّصة في علم الإدمان لمدة سنة ونصف. وتشير الأرقام الرسمية إلى خضوع نحو 27 ألف مدمن للعلاج في هذه المراكز سنة 2022 وهو عدد ضئيل مقارنة بانتشار الظاهرة، علما أن الوصول لهذه المراكز هو في حد ذاته تحد كبير للمدمن الذي يحتاج إلى الشجاعة والمرافقة في محيطه حتى يستطيع التغلب على الحواجز النفسية الكثيرة التي تعيقه عن العلاج.

وفي حال خطا الشاب الخطوة الأولى نحو هذه المراكز فإنه يكون قد اقترب بشكل كبير من العلاج. ومن الأقطاب الطبية الشهيرة في الجزائر، المركز الإستشفائي لمكافحة الادمان لولاية البليدة (40 كيلومتر غرب العاصمة) التابع لمستشفى فرانس فانون الجامعي، والذي يشهد إقبالا كبيرا للعلاج  الطبي والنفسي لمدمني المخدرات، حيث استقبل في سنة 2022 نحو 8000 مدمنا على مختلف أنواع المخدرات على غرار "الكيف المعالج" والحبوب المهلوسة والمشروبات الكحولية  والذين لا يتطلب علاجهم المكوث في المستشفى، ونحو 9000 من مدمني المخدرات الصلبة،  مثل الهيروين والكوكايين والذين يستدعي علاجهم المكوث مدة طويلة في المركز.

وفي حديث لـ"الترا جزائر"، تقول المختصة في الأمراض النفسية سميرة فكراش، إن المخدرات أصبحت تهديدًا حقيقيًا للمجتمع، بالنظر لتأثيراتها من الناحية النفسية والانفعالية على المدمن الذي يكون في حاجة دائمة إلى سند خارجي (المخدرات)، وهو ما يؤثر على تصوراته الحياتية الآنية والمستقبلية حيث يفقد الثقة في نفسه وفي قدراته، وبذلك -تضيف- كلما ارتفع عدد المدمنين كلما زاد تعطيل جزء هام من المجتمع.

وعن أعراض الإدمان الشائعة في الجزائر، قالت المختصة إنها تظهر في الانفعال والغضب المبالغ فيه، والعنف الجسدي واللفظي مثل السب والشتم، والعدوانية الموجهة نحو الناس ونحو شخص المدمن نفسه، واحمرار العينين واصفرار الأسنان، بينما العلاج هو منظومة متكاملة، حسبها تتدخل فيها الكثير من الأطراف مثل الطبيب والمختص النفسي والذي له دور كبير في تقويم نفسية وسلوك المدمن بعد العلاج الطبي وسحب السموم من الجسم.

تعبئة عامة

خلال الأيام الأخيرة، أعلنت الجزائر ما يشبه التعبئة العامة ضد المخدرات. فقد نظمت حملة تحسيسية كبرى دامت أسبوعا، شاركت فيها إلى جانب وزارة الصحة والداخلية ووزارة الشؤون الدينية، المؤسسات الإعلامية والجامعات والإقامات الجامعية، حيث سطرت فيها برامج توعوية حول مكافحة افة المخدرات من خلال استضافة دكاترة ومفكرين ومختصين في منتديات علمية وبرامج تلفزيونية ودعوة خطباء المساجد لتخصيص دروسهم وخطبهم حول هذه الآفة.

وحذر وزير الصحة في كلمته خلال أشغال اليوم الدراسي حول ظاهرة الإدمان على المخدرات بالعاصمة، من أن ظاهرة تعاطي المخدرات بدأت تأخذ أبعادا خطيرة خاصة لدى الشباب وفي الوسط المدرسي من خلال تعريض الشخص المدمن حياته وحياة الآخرين للخطر نظرا لردود أفعاله وتصرفاته. وأبرز الحكومة "سطرت سياسة متعددة القطاعات تهدف بالدرجة الأولى إلى الحفاظ على صحة وسلامة مواطنينا من خلال إعتماد العمل الوقائي كآلية ومنهجية من شأنها أن تشكل أداة هامة لمكافحة العديد من الآفات الخطيرة على غرار ظاهرة الإدمان على المخدرات".

وتأتي مبادرة الأسبوع التحسيسي في إطار مساعي الجزائر لتوعية الشباب والمجتمع وحمايتهم من أضرار تعاطي المؤثرات العقلية بعد الانتشار الواسع لها، وهو تعكسه الأرقام التي قدمها وزير الداخلية إبراهيم مراد، خلال جلسة استجواب في البرلمان، حيث أبرز أن وحدات الجيش ومختلف الأجهزة الأمنية قامت بحجز حوالي 2.5 طن من القنب الهندي و17 كيلوغراماً من الكوكايين وحوالي كيلوغرام من الهيروين، بالإضافة إلى 3.5 مليون قرص حبوب الهلوسة في الثلاثي الأول من سنة 2023.  وأضاف المسؤول، أن السلطات اعتقلت أكثر من 37 ألف شخص متورطين في عمليات تهريب وتجارة وتوزيع القنب الهندي والمخدرات، في مقابل 97 ألف شخص أوقفوا بسبب قضايا وجرائم ذات صلة بالمخدرات خلال عام 2022.

رهان على القانون الجديد

واعتمد البرلمان في الجزائر مؤخرًا قانونًا جديدًا يتعلق بالوقاية من المخدرات والمؤثرات العقلية. وقال النائب رشيد زين الذي شارك في إثراء النص، في تصريح لـ"الترا جزائر" إن المجلس الشعبي الوطني صادق على هذا القانون بالإجماع بين الموالاة والمعارضة، لأن فيه تعزيزا لحماية المجتمع الجزائري من هذه الآفة، وفيه أيضا مواكبة للمستجدات العالمية في هذا الشأن، كون ترويج المخدرات هو جريمة عالمية تمتد للجزائر وإلى البلدان الأخرى.

وأوضح المختص أن هناك نصوص تشديدية للترويج للمخدرات أو استغلال فئات هشة للمتاجرة بها والتي ستأتي أكلها، كما أن هناك شقا محفزا على العلاج من خلال إعفاء المتعالجين من العقوبة.

ويقر القانون "عقوبات مشددة قد تصل إلى 30 سنة سجنا على المتاجرة في المواد المخدرة وكل ما يتعلق بها من أفعال خطيرة، إذا كان الفاعل موظفا عموميا سهلت له وظيفته ارتكاب الجريمة، وترتفع العقوبة إلى السجن المؤبد في حال ارتكبت هذه الأفعال من قبل جماعة إجرامية منظمة".

وجاء النص بمقاربة جديدة تحفز التدابير العلاجية على المتابعة الجزائية، بإعفاء المدمنين من العقوبة إذا ما تابعوا هذا العلاج المزيل للتسمم بعد ثبوت الإدمان وفقا للكيفيات المعتمدة إما داخل المؤسسات المتخصصة أو تحت المراقبة الطبية خارجها.