14-أبريل-2019

من الشعارات الأولى التي رفعها الحراك "الجزائر جمهورية وليست ملكية" (أ.ف.ب)

لم يخرج الجزائريون في 22 شباط/فبراير الفارط، من أجل مطالب اجتماعية أو اقتصادية متعلقة بالخبز والماء والسكن، أو على الأقل بفعل دوافع من هذا القبيل، مثلما حصل في الخامس من تشرين الأول/أكتوبر 1988، وإنما لأهداف سياسية بشكل أساسي، وأفكار تتعلق ببنية النظام السياسي وفلسفة تأسيس مسار جمهوري جديد.

يؤكد شعار "الجزائر جمهورية وليست مملكة" على رغبة الشعب في تأسيس جمهورية ثانية تكون للجمهور وليست بدونه

شعارات الجزائريين والجزائريات منذ اليوم الأول للحراك الشعبي، يمكن أن تقرأها في كتب ومجلدات الفكر والفلسفة السياسية، كما أن هذا الحراك الفريد من نوعه نظرًا لسلميته وحضاريته، لم يكن وليد فعل ثوري منظم تقوده نخب ثقافية وحزبية، وإنما تشكل في إطار شعبي واجتماعي، ساهمت فيه كل الطبقات الاجتماعية والمهنية، على رأسهم الطلبة الجامعيون الذين كانوا الوقود والمحرك العضوي للحراك منذ الأيام الأولى. 

اقرأ/ي أيضًا: بوتفليقة الذي لم يستقل!

وهو الذي طالب في بداياته بإسقاط مشروع العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة وتنحية عائلته البيولوجية والسياسية من المشهد العام، ليتطور سقف المطالب السياسية مع الوقت امتثالًا للمثل القائل: "الشهية تأتي مع الأكل" و"العنقود يُأكل بالحبة".

ومن الشعارات الأولى التي رفعها الجزائريون في حراكهم الديمقراطي: "الجزائر جمهورية وليست ملكية". ربما لتحليل هذا الشعار القوي في حينه، يمكن ربطه بالعهدة الخامسة ومحاولة الرئيس السابق التشبث بالحكم رغم المرض، بعدما نجح عام 2009 من تغيير الدستور وفتح باب العهدات الرئاسية.

ولكن الشعار يؤكد على رغبة الجزائريين في تأسيس جمهورية جديدة، جمهورية "الجمهور" كما وصفها رئيس حزب القوى الديمقراطية والاجتماعية كريم طابو، وليست جمهورية من دون جمهور، مثلما يحصل منذ تاريخ استقلال البلاد. ويتساءل الجزائريون اليوم إن كنا حقيقة سنتجه نحو جمهورية ثانية أم أننا أمام بناء الجمهورية، على اعتبار أن الأولى لم يتم تأسيسها بعد؟!

عرف الجزائريون الجمهورية بعد الاستقلال، حيث أنه قبل هذا التاريخ، كانت الجزائر محتلة من طرف النظام الفرنسي الاستعماري الذي ألحقها بالقوة بالمتروبول لمدة 132 عامًا. وقبل 1830، تاريخ دخول الفرنسيين إلى الجزائر، كانت البلاد تابعة للحكم الإمبراطوري العثماني، وبعد الاستقلال مباشرة أعلن النظام الجمهوري، ولكن ليس بالطريقة الديمقراطية التي تحدث عنها بيان الأول من تشرين الثاني/نوفمبر 1954، والذي جاء فيه أن أبرز أهداف ثورة التحرير، العمل على تأسيس "دولة ديمقراطية اجتماعية في إطار المبادئ الإسلامية".

ولكن ما حدث في صيف 1962 لم يكن يخطر ببال الحكومة المؤقتة التي قادت مفاوضات إيفيان مع الحكومة الاستعمارية، عندما دخلت بعض الولايات الثورية التاريخية في حرب مع جيش الحدود، ثم استطاعت مجموعة "وجدة" بقيادة العقيد هواري بومدين، اختيار ممثلها لرئاسة الجمهورية الوليدة، وهو أحمد بن بلة، بعد كتابة أول دستور للجمهورية داخل قاعة سينما الأطلس في باب الوادي، لتدخل الجزائر فيما بعد في نظام "الحزب الواحد" ومسلسل الانقلابات المستمرة.

ومع أن الرئيس بوتفليقة قدم استقالته وانسحب من المشهد، تطبيقًا للمادة الدستورية 102، إلا أن الجزائريين يواصلون الحراك إلى غاية الانتقال الديمقراطي الحقيقي، الذي لا يتحكم فيه إلا الشعب الحر، مصداقًا للمادتين السابعة والثامنة من الدستور، اللتين استشهد بهما قائد الجيش أحمد قايد صالح، عند حديثه عن الحلول الدستورية لتجاوز الأزمة السياسية. 

وهاتين المادتين تؤكدان على مبدأ السيادة الشعبية، وأن الشعب مصدر كل سلطة. ولهذا يريد الحراك قطف ثمار التغيير ناضجة وليست نيئة، مثلما حدث مع شعوب المنطقة التي تعرضت لسرقة ثوراتها من طرف الحرس القديم والثورات المضادة التي ساهمت في تفعيلها قوى داخلية ودولية فاعلة.

 يظل الجزائريون متمسكون بتحقيق نقلة ديمقراطية فعلية وفق نموذج جزائري خالص، بعيدًا عن سيناريوهات الربيع العربي

لذلك يظل الجزائريون متمسكون بوحدتهم الوطنية ورافضين التدخلات الأجنبية مهما كانت، ومتعلقين بالدولة ومؤسساتها بعيدًا عن الأشخاص، لتحقيق نقلة ديمقراطية فعلية، وفق نموذج جزائري خالص، بعيدًا عن سيناريوهات ما يسمى بالربيع العربي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بالصور: مسيرات الجمعة الثامنة.. الحراك يقترح الحلول

الأخبار الكاذبة.. سيفٌ على رقبة الحراك الشعبي