13-مايو-2019

ثمة مقاومات كثيرة رامزة قام بها الجيل الجديد (أ.ف.ب)

ثمة مقاومات كثيرة رامزة قام بها الجيل الجديد، في اتجاه فرض إرادته وذوقه ورؤاه، على النظام الأبوي الاجتماعي المتعسف، الذي لم يملك وسيلة للرد على روح المقاومة الشبابية، والحفاظ على أنماطه التقليدية، التي يراها تجسيدًا للهوية العامة، إلا الطعن في وطنية وأخلاق وتدين هذا الجيل، فوصفه بالمتمرد وقليل التربية والثقافة والذوق والأصل والحياء.

ثمة مقاومات كثيرة رامزة قام بها الجيل الجديد، في اتجاه فرض إرادته وذوقه ورؤاه، على النظام الأبوي الاجتماعي المتعسف

ولأن تمرد هذا الجيل على الأنماط الاجتماعية الهادفة إلى استنساخه، وفق صورة الأب والجد، بما يلغي خصوصياته، التي أثمرها تفاعله مع لحظته الوطنية والعالمية المفتوحة؛ تؤشر على تمرده المحتمل على الأنماط السياسية القائمة، فقد وقع تحالف غير معلن بين أعيان المنظومتين الاجتماعية والسياسية، على مدار سنوات الاستقلال، بما منح لمقولة "جبهة التحرير أعطيناك عهدًا" المتضمنة في النشيد الوطني، عمرًا أطول..

اقرأ/ي أيضًا: جيل الحراك الجزائري.. النهر الذي فاجأ الجميع

في مجال المقاومة الغذائية، لدى الجيل الجديد، وهو باب غير مرصود ومدروس بشكل جيد، تم التمرد على الطبق الأبوي الأول: الكسكسي، الذي يُسمى أيضًا "الطعام" و"النعمة"، كنايةً عن هيمنته على بقية الأطباق، بحيث فرض الشاب الجزائري أن يكون وجبة أسبوعية، بعد أن كان وجبة يومية.

أما موسيقيًا، فقد تمرد هذا الجيل على الأغاني الأبوية، التي كانت تهيمن على شارع العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال، وفرض أغانيه الرايوية والرابوية والغربية والعربية الخفيفة، حتى بات العرس الجزائري يقوم على "الديسك جوكي"، بما له من دلالة التحكم في ما يُبث من الأغاني. ونجح الجيل الجديد في أن يفرض إرادته في هذين البابين على سبيل المثال، بما أدى إلى انسحاب الجيل القديم والأبوي من المطبخ ومن العرس، مكتفيًا بترديد عبارة "سوق الأطفال".

أشير هنا إلى أنني لا أنظر إلى الأمر من زاوية أخلاقية، بحيث أحكم على السلوكات المشار إليها سابقًا للشاب الجديد بالخطأ أو الصواب، فلذلك سياق آخر، وإنما من زاوية التأكيد على روح المقاومة لإثبات الذات لدى هذا الشاب.

إن إغفال روح المقاومة هذه في فرض الذات، أو ما يُسمى في قاموسنا الشعبي "تغنانت" أي العناد؛ هو ما جعل المنظومة السياسية لا تفهم طبيعة وروح الحراك الشعبي والسلمي القائم، فراحت تتعامل معه باقتراح حلول ترقيعية، عوضًا عن الاستجابة للمطالب الواضحة لهذا الجيل. وهو ما أثمر رفضًا مستمرا لديه، لخصه في شعاره "يتنحاو قاع".

إننا بصدد اتجاهين متعاكسين من التغنانت/ العناد: جيل سياسي حاكم وقديم يُصر على إبقاء الوضع على ما هو عليه وهو منطق الاستمرارية، وجيل غير مؤطر وجديد يصر على إعادة رسم الملامح، وهو منطق التغيير. وهو يريد أن ينجح في أن يفرض ذاته سياسيًا، مثلما نجح في فرضها غذائيًا وموسيقيًا. جيل يقبل أن تلعب معه وله، لكنه يرفض أن تلعب به.

لماذا لم يتم الانتباه إلى رمزية أن هذا الجيل يشتري أحذية ضيقة في الأعياد، حتى أنه يتلكأ بها في المشي أيامًا، قبل أن تلين له؟ إنها روح التطويع لا الطاعة! ولقد ظهرت روح التطويع هذه، لدى الجيل الجديد، في تطويعه لثلاثة كائنات عصية: الكلاب الشرسة والعصافير البرية والدراجات الثقيلة.

إن إغفال روح المقاومة في فرض الذات لدى الجيل الجديد، هو ما جعل المنظومة السياسية لا تفهم طبيعة روح الحراك الشعبي

غير أن هناك سؤالًا آخر أكثر جدارةً بالطرح والدراسة، بعيدًا عن منطق الاصطفاف والانفعال الفيسبوكي غير المضبوط: لماذا تقبل هذا الجيل فكرة أن تتولى المرحلة الانتقالية وجوه موغلة في الشيخوخة، بعد إزاحة بقايا العصابة، ولم يسع إلى فرض وجوه موغلة في الشباب؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

"قصر الشعب".. الشباب يعلو قصور السلطة

حراك الجزائر.. ثورة الشباب على بوتفليقة والأبوية