31-ديسمبر-2019

دعوة الرئيس تبون إلى الحوار تهدّد بانقسام الحراك الشعبي (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

يرى كثير من المتتبعين، أن الحراك الشعبي يقف اليوم أمام مفترق الطرق، حيث يواجه تحدياتٍ جديدة فرضتها معطيات حديثة، ظهرت على الساحة السياسية في الفترة الأخيرة.

 بات الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون اليوم أمرًا واقعًا، ورحل قائد الأركان السابق قايد صالح، الواجهة العسكرية التي كانت تعبئ الحراك الشعبي من غير قصد عبر خطاباته الأسبوعية، إضافة إلى رحيل الرئيس المؤقّت عبد القادر بن صالح، ووزيره الأوّل نور الدين بدوي باعتبارهما من مكوّنات النظام السابق. وأصبحت الأوضاع في ليبيا والساحل الأفريقي، تُثير مخاوف وقلق الشارع الجزائري، وبدا الحراك منقسمًا بين متمسّكٍ بالمطالب نفسها دون الالتفات إلى الظروف الجديدة، وبين مؤيّدٍ للحوار مع النظام.

 معادلة سياسية جديدة

في هذا الشأن، يقول الإعلامي رياض هويلي، إن الحراك الشعبي في الجزائر بدأ بطريقة عفوية وهو أمرٌ مفهومٌ، كونه كان تعبيرًا عن رفض واسعٍ للحالة السياسية في الجزائر. وأوضح أنه وبمرور الوقت، وبعد عشرة أشهر من المظاهرات، "يبدو واضحًا أننا لم نعد في المعادلة السياسية نفسها الخاصّة بالأسابيع الأولى". وبناءً على المتغيرات الجديدة، يرى محدّثنا أن الحراك الشعبي يمرّ حاليًا بواحدة من أصعب مراحله، ما يتطلّب استراتيجية سياسيةً واضحة منعًا لنهايته، بحسب تقديره.

وبخصوص آليات استمرار الحراك مستقبلًا، ذكر هويلي أنه لا بدّ أن يرتقي الحراك الشعبي سياسيًا، ويُحدث قفزةً نوعية كيفًا وكمًا، وهذا قصد الوقوف في وجه محاولات السلطة لتشتيته وإنهائه. وأضاف أن الحراك لن يستطيع تحقيق التغيير الذي يرجوه، دون أن يقدّم البديل السياسي، وهذا البديل لن يتمّ توفيره دون تكوين سياسي، على حدّ قوله.

اقرأ/ي أيضًا: 2019 في الجزائر.. أول الحصاد وعتبة مفتوحة على المستقبل

الانتقال الديمقراطي

من جهته أفاد المحلّل السياسي، زين العابدين غبولي، أن الجدير بالملاحظة هو أن الحراك الشعبي السلمي، يبقى لحظة فارقة في تاريخ الأمّة الجزائرية، وتابع قائلًا: "إنه يعبّر عن تطور في الوعي السوسيو اجتماعي الجزائري المتعطش لدولة المواطنة، بكل ما تعنيه من حرّيات، وديمقراطية، وعدالة اجتماعية، وسلطان القانون".

ويستطرد محدّثنا، أن هذا الوعي الذي يحمل أهدافًا وغاياتٍ سياسية، تتعلّق بالانتقال إلى دولة جديدة، بحاجة إلى مؤسسات جديدة تعمل بآليات جديدة، وممارسات جديدة تجسّد القطيعة مع ما هو كائن، على حدّ تعبيره. ويستلزم هذا الانتقال جملة من المعطيات، بحسب المحلّل السياسي، متمثّلة في تنظيم وهيكلة الحراك لأحزاب جديدة، وجمعيات للمجتمع المدني، ولجان الأحياء، والمنتديات والنقابات والمؤسّسات الإعلامية.

 وأضاف غبولي، أنه عبر هذه الأطر والأدوات، يُطرح مشروع المجتمع، أو على الأقلّ تلخص مطالب الناس في برنامج وتتهيّأ لتحمّل السلطة، أو التفاوض مع النظام دون تأخير، ملفتًا إلى أن النظام بسلطاته المتعدّدة، يبقى اللاعب السياسي والفاعل الرئيسي في اتجاهات الأحداث، وأن "السلطة إلى حدّ الساعة تبقى المسيطر على أدوات العمل السياسي، وهو ما جعل الحراك يراوح مكانه طيلة عشرة أشهر".

 الحراك وعي جماعي

 من جهته، يرى الباحث في علم الاجتماع السياسي، ياسين فعفاع، في حديث إلى "الترا جزائر"، أن الحراك الشعبي يمثّل حركة احتجاجية سوسيو-سياسية، تعبّر عن تفاعل الوعي الفردي والجماعي، ونضجه وتلاحمه، ليشكّل ديناميكية جماعية، أو ما يسمّى في علم الاجتماع بالضمير الجمعي، على حدّ قوله. 

عدم تمثيل الحراك حصانة له

 ويبرّر المتحدّث فكرته، أن تنظيم الحراك لم يكن مقبولًا عند أوساط واسعة منه، نظرًا لوجود عدّة عوامل؛ منها حالة عدم ثقة واسعة بين الجميع، وتخوّف من خطط النظام للمناورة لإجهاضه.

وبخصوص المعطيات الجديدة التي ظهرت على الساحة السياسية، أشار المتحدث أن الوضع لم يتغير بعد الانتخابات، رغم أن رئيس الجمهورية دعا للحوار، موضحًا أن مطالب الحوار تبقى بدون ضمانات وظروف تهدئة مبدئيًا، مضيفًا أن التنازل غير مقبول من الطرفين، خاصّة بوجود معتقلين في السجون والتضييق المفروض على المسيرات، على حدّ تعبيره.

وفي تقدير فعفاع، فإن الأجواء المشحونة تحول دون وجود رؤى عقلانية لحلول الأزمة عمومًا، معتبرًا أن الحراك يعيش أزمة ثقة وتخوّف وغياب المصداقية المطلوبة لدى الشخصيات الوطنية، وهي عوامل، حسبه، تحول دون وجود طرح واقعي لتمثيله وتنظيمه.

 يستدرك الباحث أن "عدم تمثيل الحراك وضع له تبعات إيجابية وسلبية على حدّ سواء؛ فالجانب الإيجابي، هو احتفاظ الحراك بصفة كيانه الاجتماعي الموحّد، ومجهول الهويّة القيادية، مما يصعب على النظام وضع خطط تثبيطه وتوقيف نشاطه. بينما الجانب السلبي في عدم التنظيم والتمثيل، هو أن الحراك مهدّد في وجوده، وإمكانية خروجه عن مساره وحدوث انشقاقات داخله".

هل الحراك عفوي؟

 بعد عشرة أشهر من المسيرات الشعبية، ما زال السؤال حول من يقف وراء الحراك شاغلًا. هنا، يطرح في بعض مواقع التواصل الاجتماعي، والصالونات السياسية سؤال: هل الحراك عفوي؟

 يبرّر هؤلاء هذا الموقف بأن العفوية يُمكن أن تزول بين عشية وضحاها، ويرون أن الحراك تحرّكه أطراف متعدّدة غير ظاهرة للعيان، لا تريد الظهور لأنها إمّا خائفة من التخوين، أو أنّ لها نوايا وأجندات لا تتماشى مع الحراك. يُستدل على ذلك بطبيعة الشعارات المرفوعة والصور التي توزّع، والأغاني التي تردّدها مجموعات في الشارع، وكلّ هذا لا يدخل في العفوية، ويخلص هؤلاء أن الحراك أصلًأ منظم لكن دون تمثيل علني.

الحراك غير متجانس

 إذا انتقلنا إلى سؤالٍ جوهري، وهو هل سيستمرّ الحراك بدون تنظيم ودون تمثيل؟ هنا يجب أن نقف عند تركيبة الحراك. يرى متابعون أن الحراك الشعبي غير متجانس، فهو يجمع فئات مختلفة، بعضها مؤدلج، وبعضها الآخر مندمج في الحراك، لكن دون أن يكون فاعلًا فيه، والبعض الآخر متلوّن دون تصور كاملٍ، وعدم تجانس الحراك يحمل مخاطر تعرّضه إلى الاستغلال والمناورة من طرف دوائر أكثر تنظيمًا وتأطيرًا أو إلى اختراقٍ من طرف السلطة.

من العمل الاحتجاجي إلى العمل السياسي.

يشدّد بعض نشطاء الحراك الشعبي، على أنّ المستقبل يجب أن يصنعه الحراك وحده بعيدًا عن هذه التيّارات القديمة، وعن التخوين والتشكيك والبقاء في الدائرة المفرغة.

يشترط هؤلاء، أن يرسم الحراك الشعبي خارطة طريق، تتمثّل في تعيين مجموعات تمثّله في كل ولايات الوطن، معدّل أعمارهم يتراوح بين العشرين والخمسين سنة ويملكون مستوىً ثقافيًا مقبولًا، لتكون هناك خطوة أولية تتّفق على وضع أرضية توافقية، وإعلان ميلاد تنظيم ينتقل من العمل الاحتجاجي إلى العمل السياسي، وتأطير الكتلة الجماهيرية، فدون هذه النقلة لا مستقبل للحراك، في ظلّ تزايد مخاوف الانزلاق نحو العنف المادي والمعنوي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

 المؤسّسة العسكرية والحراك الجزائري.. من استفاد من الآخر؟

تبون يفعّل لقاءات مع شخصيات نادى بها الحراك الشعبي