30-ديسمبر-2023
(الصورة: فيسبوك) من فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف

(الصورة: فيسبوك) من فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف

يتّفق كثير من الفاعلين في المجال الثقافي في الجزائر، على وجود حركية محسوسة هذا العام للقطاع في مختلف مجالاته، سواءً كانت من طرف المثقفين والفنانين والنشطاء يودون العودة بقوة إلى نشاطهم، أو كان ذلك من طرف المصالح الرسمية، فرغم التذبذب الذي حصل خلال هذه السنة نظرًا لظروف خاصّة، منها الحرائق التي مسّت بعض ولايات الوطن، إضافة إلى تعليق كل مظاهر الاحتفال في الجزائر تضامنًا مع الأشقاء في غزة، إلا أن الحصيلة الثقافية لسنة 2023 قد شهدت نشاطًا معتبرًا -نسبيًا- بين التخطيط والتجسيد مقارنة بالسنوات الماضية، خاصة بعد التعافي من فترة كورونا التي أضرّت كثيرًا بالقطاع وبكل نشطائه في السينما والمسرح والموسيقى والأدب وغيرها من المجالات الهامة في تكوين البناء الثقافي الوطني.

تأجلت بعض المهرجانات التي كان من المقرر إقامتها بعد شهر أكتوبر  إلى وقت لاحق تزامنًا مع تعليق النشاطات الفنية والثقافية تضامنًا مع أحداث غزة أهمها مهرجانات عنابة للفيلم المتوسطي

"سيلا" بين أفريقيا وغزة

يعد الصالون الدولي للكتاب في الجزائر أكبر فرصة للم شمل الكتاب وأصحاب دور النشر بالجمهور، حيث يوفّر عددًا مهمًا من الإصدارات الأدبية والعلمية بمختلف اللغات، والتي يفضّل أصحابها الكشف عندها دائمًا خلال هذه التظاهرة، حيث تميّزت الطبعة السادسة والعشرون لهذا العام بشعار "أفريقيا تكتب مستقبلها"، وقد امتدّت فعالياتها من الـ 25 تشرن الأول/ أكتوبر إلى غاية الرابع من تشرين الثاني/نوفمبر، واحتفت بالثقافة الأفريقية التي كانت ضيف شرف المعرض، من خلال مشاركة حوالي 19 دولة أفريقية من أصل واحد وستين حضرت المعرض.

من ناحية أخرى، تم استحداث "فضاء غزة" و"فضاء طاسيلي" تضامنًا مع أهل غزة وضحايا العدوان الصهيوني، حيث تم تنشيط العديد من الندوات والأمسيات الشعرية التي شارك فيها مثقفون جزائريون وفلسطينيون وعرب، إضافة إلى تخصيص مساحات تعرض كل ما يتعلق بالأدب والثقافة الفلسطينية.

وكانت طبعة هذا العام من الصالون قد شهدت عدم تمكن الكاتبة الفرنسية الحائزة على جائزة نوبل للآداب آني إيرنو من الحصول على تأشيرة الدخول إلى الجزائر للمشاركة في نشاط أدبي يتخلل المعرض، إضافة إلى تصريح  دار " كوكو "  للنشر بتلقيها لخطاب من محافظة "سيلا" يحتوي على قرار منع مشاركتها في المعرض.

تأتي هنا سياسة المنع التي تنتهجها السلطات والجهات المعنية كخطوة اعتبرها العديد من المثقفين والكتاب وأصحاب دور النشر "مجحفة" وضارّة  بحرّية النشر والكتابة في البلاد، حيث اعتُبرت هذه الخطوة إحدى العراقيل التي تمنع معرض الكتاب الدولي من الانفتاح على التجارب الأدبية العالمية التي من حق القارئ الجزائري الاطلاع عليها.

أهم إصدارات العام

صدرت عن منشورات "البرزخ" عدّة مؤلفات أدبية منها رواية الكاتبة سوزان الكنز من "الجليد ومن النار"، والترجمة الفرنسية للمجموعة القصصية "هذه أمور تحدث" للكاتب صلاح باديس، أما دار "القصبة" فقد قدمت بدورها عدة إصدارات أهمها الكتاب السينمائي الجديد للناقد أحمد بجاوي تحت عنوان "سكوت فيتسجيرالد ومعاصريه في مواجهة هوليود"، والمجموعة القصصية "قصص العالم السفلي" لمحمد الكورتي.

من جهتها، أصدرت دار "ميم" كتاب "العقل النقدي المعاصر، إمكانات الاختلاف ومشروعية الاستئناف" للدكتورة آمنة بلعلى، وفي الرواية "انا والعجائز السبع" للكاتبة جميلة مراني، و"مزرعة الأسلاك الشائكة للكاتب طاهر النور، وقدمت أيضًا دار داليمان عددًا من الإصدارات الروائية باللغة الفرنسية منها  "وماذا لو كان أبي بروح طفل" لفاتح بومهدي والترجمة الفرنسية لرواية “الذروة” لربيعة جلطي.

من جهة أخرى قدمت  "الوطن اليوم" أعداد إضافية لسلسلتها "أعلام الجزائر" تم تخصيصها لعدد مهم من العلماء والشخصيات الجزائرية منها مالك بن نبي، محمد بن أبي شنب، محمد أركون، مولود قاسم نايت بلقاسم، مصطفى الأشرف وغيرهم من الكثير من الشخصيات التاريخية الفكرية والأدبية والعلمية والسياسية.

وفي إصدارت متفرقة، نذكر رواية الكاتب محمد ساري "جسدي المستباح"، و"باب الوادي" لأحمد طيباوي، "على فراش الحياة" للكاتبة سارة النمس، المجموعة القصصية "نزق" لبوداود عمير، مجموعة شعرية جديدة للشاعر خالد بن صالح تحت عنوان "مرثية الأبطال الخارقين" عن محترف أوكسيجين للنشر، ورواية أولى للناقد عبد الكريم قادري بعنوان "حقيبة واحدة لا تكفي".

المسرح يتحدى فتور الرسميات

يأتي المسرح في الجزائر كفعل تحدي ومنافسة، لكنه أيضًا يجمع التيارات والمدارس المختلفة ليمنحنا خليطًا متجانسًا من الأجيال التي تسعى كل منها لفرض فلسفتها على الخشبة وخلف الكواليس.

لهذا، وانطلاقًا من فكرة المنافسة، جرت هذا العام عدة مناسبات جمعت أهل المسرح، حيث تقام حاليًا فعاليات المهرجان الوطني للمسرح المحترف في طبعته 16، والذي يمتد بين 22 كانون الأول/ديسمبر والفاتح من كانون الثاني/جانفي القادم في عروض تتنافس على ركح المسرح الوطني الجزائري "محي الدين بشطارزي".

 يشارك  المسرح الوطني في هذه الطبعة بإنتاجه الجديد "مسرحية البونكي"، إضافة إلى مشاركة مسارح عديدة من بسكرة وبشار ومعسكر وعنابة والأغواط وسيدي بلعباس، كما ستقدم عروض أخرى من إنتاج التعاونيات الفنية "الشمعة" من قسنطينة، و"الموجة" من مستغانم و"نوميديا" من برج بوعريريج.

 شهد حفل افتتاح المهرجان تكريم الفنان القدير سيد أحمد أڨومي في جو سادت عليه العاطفة والعرفان لهذه القامة، حيث استذكر الجميع بين الجمهور وأهل الفن الحاضرين مشوار ضيف شرف المهرجان المليء بالانجازات الفنية المسرحية والسينمائية والتلفزيونية أيضا.

قبل ذلك، جرت فعاليات الطبعة 54 لمهرجان الوطني لمسرح الهواة في مستغانم، إذ شهد مشاركة  15 فرقة مسرحية من مختلف أنحاء البلاد، والتي تنافست على جائزة "الكاكي الذهبي"، وقد فازت تعاونية الشمعة للثقافة من قسنطينة بالجائزة الكبرى عن مسرحية "شمة دوريجين" ، كما تحصلت الجمعية الثقافية الموجة من مستغانم على الجائزة الثانية عن مسرحية 60-45، فيما عادت الجائزة الثالثة إلى حركة مسرح القليعة لولاية تيبازة عن مسرحية "ناكر الجميل".

من ناحية أخرى، نذكر أيضًا ولاية بلعباس التي احتضنت المهرجان الثقافي المحلي للمسرح المحترف في طبعته 13 بعد تأجيله بسبب تعليق النشاطات الثقافية والفنية في الجزائر إثر العدوان على غزة، ليعود في بداية شهر ديسمبر الحالي بالكثير من النشاطات والعروض والفعاليات المواكبة للظرف الحالي تضامنا مع الشعب الفلسطيني وضحايا جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

في هذا السياق، يمكن ذكر العروض التي واكبت احتفالية ستينية الاستقلال، حيث قُدمت عدة أعمال تقوم مواضيعها بالأصل على ثيمة الثورة وفكرة الكفاح التي لقنتها الثورة الجزائرية للأجيال داخل البلاد وحول العالم من أجل الاستقلال.

إنعاش السينما في الجزائر

عادت اللقاءات السينمائية لولاية بجاية إلى الواجهة بعد احتجاب دام أكثر من ثلاث سنوات، حيث جاءت بوجه جديد وطاقات شابة متطوعة كما هو معتاد، بمشاركة 33 فيلما من 14 دولة؛ من بينها تونس وفلسطين، لبنان ومصر وغينيا، إيطاليا وفرنسا، بلجيكا، ألمانيا ،السويد، البرازيل وكندا.

عرفت هذه النسخة عدة عروض منها خمسة أفلام روائية طويلة، وثمانية عشر فيلمًا قصيرًا، وعشرة أفلام وثائقية تحت شعار "السينما والمدينة"، إضافة إلى ندوات ولقاءات وبعض الورشات لكتابة السيناريو.

أما مهرجان إيمدغاسن الدولي للفيلم القصير، فقد أقيم في ولاية باتنة في طبعة ثانية عرفت مشاركة حوالي 24 دولة عربية وأجنبية، وحضور عدة أسماء فنية محلية وعربية وأخرى أجنبية، إضافة إلى تنظيم ورشات سينمائية في التصوير والإخراج والرسوم المتحركة.

وعرف قطاع السينما أيضًا مشاريع لشبكة نوادي السينما، وقانون السينما الذي طرحته الوزارة الوصية على العاملين في القطاع وعرف عدة تحفظات وانتقادات، إضافة إلى تنظيم جلسات وندوات مختلفة بغية النهوض بالقطاع وإشراك فئة من العاملين فيه في نقاشات دورية، إضافة إلى إقامة ورشة لكتابة السيناريو من تنظيم المركز الجزائري للسينما، وكذا إنتاج خصص هذه السنة للاحتفال بستينية الاستقلال بين أفلام قصيرة وأخرى وثائقية اختارتها لجنة خاصة من بين الكثير من الترشيحات التي قدمت للوزارة.

يذكر هنا، أن بعض المهرجانات التي كان من المقرر إقامتها بعد شهر تشرين الأول/أكتوبر تأجلت إلى وقت لاحق تزامنًا مع تعليق النشاطات الفنية والثقافية بكل أنواعها تضامنا مع أحداث غزة، أهمها مهرجانات عنابة للفيلم المتوسطي، مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي ومهرجان الجزائر الدولي للسينما، حيث يتم التحضير لها في نسخ جديدة العام المقبل حسب منظميها.

الموسيقيون يحتفلون بتصنيف الراي

ركزت التظاهرات الموسيقية لهذا العام على الاحتفاء بموسيقى الراي الجزائري التي صنفتها منظمة اليونسكو جزءًا من التراث غير المادي خلال العام الماضي، حيث قدمت الجزائر ملفًا ثريًا سمح لها بالحفاظ على هذا الإرث الموسيقي الكبير وكسب الحق في تصنيفه كتراث خاص بها.

في هذا السياق، جرت فعاليات مهرجان الصيف

 الموسيقي خلال شهر أوت في نسخته السادسة  في مسرح الهواء الطلق الكازيف بالعاصمة، حيث جمع أسماء عديدة من داخل الوطن وخارجه، منها جمال لعروسي، الأوركسترا الوطنية بارباس، فرقة البسطة، جمال الدين رفاس، الثنائي مهدي العيفاوي وعبد العاطي بن جباري، سميرة براهمية، فرقة الوريثات، إضافة إلى مغني الراب فلان وتاكفاريناس، كما كان هنالك حضور مميز لفنانين أجانب منهم السنغالي ماغو سامب والبرازيلية سيمون مورينو والفنان التونسي فريد ايكسترانخيرو.

من ناحية أخرى، احتضنت مدينة وهران نسخة جديدة من المهرجان الثقافي الوطني لأغنية الراي في عدده الثالث عشر، بمسرح الهواء الطلق حسني شقرون، وقد ترأس هذه الطبعة الفنان محمد بوسماحة الذي فقدناه مؤخرا إثر حادث سير أليم.

شهدت هذه النسخة مشاركة 22 مغنيا من أجيال مختلفة، أحيت جميعها أغاني رايوية قديمة وحديثة تخليدًا وتكريمًا لعدة أسماء أثرت هذا الفن، منها جيلالي عمارنة، حسني، خالد، الشيخة الجنية وغيرهم.

عرفت الجزائر أيضًا عودة المهرجان الأوروبي  للموسيقى، حيث نظمت نسخته لهذا العام تحت شعار "أصوات أوروبا" في المسرح الوطني محي الدين باشطارزي، بمشاركة أحد عشر بلدا أوروبيا، احتفت هذا العام بموسيقى الراي وتسجيلها من طرف اليونيسكو.

عرف المهرجان 14 حفلًا موسيقيًا نشطته العديد من الأسماء من الجزائر وأوروبا منها سفيان سعيدي، كريمة نايت، أولريتش دريكسلر، جوليا هورنونغ و"مجموعة جانغو" والعديد من الأصوات التي مثلت مختلف الطبوع الموسيقية العالمية.

أما في قسنطينة، فقد عاد مهرجان المالوف الدولي إلى الواجهة خلال شهر جويلية، بعد غياب دام خمس سنوات، حيث جمع العديد من الأسماء التي أحيت هذه الطبعة 11، أهمها أحمد عوايدية، سليم فرقاني، عباس ريغي، إضافة إلى استضافة أسماء من دول أخرى منها لبنان، تونس، إيطاليا وليبيا.

في السياق ذاته، أقيم مهرجان أغنية الشعبي الذي وصل إلى نسخته 12، حيث جاء هذا العام تكريمًا لروح الفقيد عزيوز رايس، وتقديرا للفنان عبد المجيد مسكود لما قدمه لأغنية الشعبي، وقد عرفت هذه الطبعة مشاركة 16 متسابقا من 15 ولاية جزائرية في الفترة التي امتدت ما بين 06 إلى 09 أفريل 2023.

يطالب الفاعلون في الحقل الثقافي بتوفير مناخ صحي يسمح بنشاط حر وغير مقيد وفي ظروف محترمة

تبدو إرادة التغيير واضحة خلال هذا العام إذا ما كان التعاون بين أهل الثقافة والجهات الرسمية مثمرًا، حيث يطالب الفاعلون دائمًا بتوفير مناخ صحي يسمح بنشاط حر وغير مقيد وفي ظروف محترمة، في حين تراهن الدولة على ضرورة مرافقة أهم النشاطات الثقافية بالاحتواء والرعاية الرسمية والتقنين، فهل سينجح الجميع في خلق مساحة حرة لإحياء الثقافة في الجزائر ؟