02-سبتمبر-2020

السلطة اعتمدت 2635 جمعية حتى أواخر تموز/جويلية الماضي (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

لا يملّ الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، من التأكيد في معظم خطاباته الرسمية ومقابلاته التلفزيونية، على ضرورة فتح الأبواب أمام المجتمع المدني والاهتمام به، ليقوم بالدور المنوط به في "الجزائر الجديدة" التي يُرافع لأجلها، وجعله شريكًا في التنمية المحلية إلى أبعد الحدود، فهل ينجح المسؤول الأول في البلاد في هذا المسعى؟ خاصّة وأن المجتمع المدني قد تم تدجينه في السنوات الماضية، وانحصر دوره في إصدار بيانات الدعم والمساندة للرئيس السابق مقابل الاستفادة من الريع؟

ويُراهن الرئيس الحالي على خلق مجتمع مدني جديد يكون داعمًا لبرنامجه 

رغم الصورة "السئية" التي طبعت بعض الجمعيات والتنظيمات خاصّة الجماهيرية منها، بسبب تحوّلها إلى مؤسّسات مساندة للرئيس السابق، إلا أن تبون يعتقد أن المجتمع المدني قادرٌ على أن يمحو ذلك المشهد "الانبطاحي"، ويتوجه لمهامه الأساسية، بالنظر إلى أن عديد الجمعيات كان لها دورٌ فعالٌ في المساهمة في مواجهة جائحة كورونا.

اقرأ/ي أيضًا: بسبب كورونا.. تسهيلات جديدة لتأسيس الجمعيات في 10 أيّام

تعليمات رئاسية

في اجتماع الحكومة الولاة المنعقد مؤخرًا، طالب الرئيس تبون المسؤولين المحليين بـ "الإصغاء للمواطن وجمعيات المجتمع المدني من أجل تحقيق طلباته المشروعة".

ويُراهن الرئيس الحالي، على خلق مجتمع مدني جديد يكون داعمًا لبرنامجه ومساهمًا في التغييرات التي يقول إنها ستتم على جميع المستويات في البلاد، وذلك بتعيينه مستشاريْن يهتمان بهذا الجانب، هما نزيه برمضان المكلف بالحركة الجمعوية والجالية الوطنية بالخارج، وعيسى بن الأخضر المكلف بالجمعيات الدينية.

وحسب تبون، فإنه من الضروري أن يستعيد المجتمع المدني تحكّمه في زمام الأمور، قصد إضفاء حركية على المجتمع، ويعتقد في السياق نفسه، أن إنشاء عدد كبير من الجمعيات المدنية عاملٌ إيجابي، لذلك يدعو مختلف الناشطين إلى التكتل ضمن جمعيات، بشرط أن "تعمل من أجل الصالح العام"، ما سيسمح لها بالاستفادة من مساعدات.

ولتسهيل عملية تأسيس الجمعيات، قلّصت وزارة الداخلية في حزيران/جوان الماضي مدة دراسة ملفات اعتماد الجمعيات إلى 10 أيام فقط، بعدما كانت تستغرق سابقًا أشهرًا في بعض الحالات، لما تكون السلطات غير متحمسة لاعتماد تنظيمات معينة.

وأعلن المكلف بالحركة الجمعوية والجالية الوطنية بالخارج نزيه برمضان، اعتماد 2635 جمعية على المستوى الوطني حتى أواخر تموز/جويلية الماضي، في ظرف لا يزيد عن شهر، من بين أزيد من أربعة آلاف ملف طلب تأسيس أودعت أمام الجهات المعنية، بينما يوجد 1376 طلب طور الدراسة.

ممارسات سابقة

وحسب نزيه برمضان، فإن المقاربة الجديدة للرئيس تبون، "تستند إلى التشاور مع المجتمع المدني بكل مكوناته بهدف بناء الجزائر الجديدة "في ظلّ الشفافية والإدماج وإشراك الحركة الجمعوية".

ورغم ما يحمله هذا الخطاب من تفاؤل حول فتح الباب على مصراعيه أمام المجتمع المدني، إلا أن الأرقام التي قدمها مستشار الرئيس تبون، تُظهر أنّ السلطات لازالت تستعمل غربالها في اعتماد الجمعيات، فقد أشار برمضان إلى رفض وزارة الداخلية ملفات 341 جمعية.

ولم يقدّم برمضان أسباب عدم اعتماد هذه الجمعيات، ما يفتح المجال أمام فرضية مواصلة السلطة ممارساتها السابقة، المتعلقة بمنح تراخيص النشاط فقط للتنظيمات التي تمتدح السلطة وتؤيّد كل قراراتها، حتى ولو كان ذلك خارج مجال اختصاصها أو لا يصبّ في خدمة المواطن.

ويتخوف البعض من هذا الانفتاح الجارف على الجمعيات، كونه قد يعيد سيناريو جمعيات المساندة والترشيح التي ميّزت نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، خاصّة وأن الرئيس الحالي لم يقم لحد الآن بتطهير المجتمع المدني من التنظيمات الانتهازية والوصولية التي حرصت السلطة على تعفين الحركة الجمعوية بها خلال السنوات العشرين الماضية.

ويستدلّ أصحاب هذا الموقف، من المتشائمين من الانفتاح الذي تبديه السلطة على الجمعيات، بأن التنظيمات التي كانت تهلل باسم بوتفليقة صباحًا ومساء لازالت إلى اليوم نشطة، وفي مقدمة الجمعيات التي تعطيها السلطة اهتمامًا، وللجزائريين في جمعية "راديوز" وا"تحاد الزوايا" و"اتحاد النساء" وجمع من الحركات الطلابية والتنظيمات النقابية، أمثلة حيّة من الجمعيات التي حرصت على تكريم مسؤولين في السلطة يقبعون اليوم في السجن.

قانون جدلي

رغم الانتقادات التي وجهدت لقانون الجمعيات الحالي منذ تعديله في 2012 من قبل نظام الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والذي قلص من هامش الحرّية التي كانت موجودة في قانون 1990، إلا أن الحكومة الحالية لازالت إلى اليوم تسير بالتشريع ذاته في اعتماد الجمعيات، ما يضع أيّ خطاب يسوّق انتهاج سياسة جديدة في التعامل مع المجتمع المدني محل ريب وترقب.

وأثار القانون 06-12 الصادر في 12 يناير/كانون الثاني عام 2012 المتعلق بالجمعيات منذ صدوره امتعاض عديد المنظمات الوطنية والدولية، ودفع بعض الجمعيات للاحتجاج، خاصّة وأنه ألغى مادة التصريح البسيط بإنشاء الجمعية التي كان يتضمنها قانون 1990، وألزم من يرغب في تأسيس جمعية بتقديم الطلب للإدارة والحصول على موافقتها، ما فتح المجال لتعسفات إدارية كثيرة، خاصّة وأن السلطات المحلية مثل المجلس البلدي الذي قد يكون أعضاؤه جاؤوا إلى المسؤولية عن طريق انتخابات مشكوك في نزاهتها، له رأي في الموافقة على تأسيس تنظيم أو جمعية من عدمه.

وما يعاب على هذا القانون الساري المفعول حتى اليوم، أن للسلطة الحق في رفض اعتماد الجمعيات التي ترى أن أهدافها تتعارض مع النظام العام والآداب العامة والقوانين والتنظيمات المعمول بها في البلاد، وإن كان هذا الجانب ضروري لحماية البلاد من أيّو محاولة لتحويل الجمعيات عن الأهداف التي تؤسّس لأجلها، إلا أنه غالبًا ما استعمل كذريعة من قبل الإدارة لوضع حدّ لنشاط التنظيمات التي تقلق السلطة وتفضح ممارساتها غير القانونية.

ولعل من بين أبرز مساوئ قانون 2012، هو أنه لازال يعتمد على التشريع نفسه في اعتماد الجمعيات الرياضية والدنية والخيرية والثقافية والطلابية، ولا يفرق بينها، فبالنسبة له فإنّ اعتماد ناد في كرة القدم كتأسيس جمعية لبناء مسجد.

من السابق لأوانه الحكم الآن على جدية نظام الرئيس تبون في طي مخلفات السنوات العشرين السابقة

وإذا كان من الصعب على الناشطين الحقيقيين في المجتمع المدني، تصديق الحكومة بجديتها في انتهاج عهد جديد مع الحركة الجمعوية، بالنظر إلى الممارسات التسلطية التي ميزت فترة الرئيس السابق تجاه العمل الجمعوي، فإنه أيضًا من السابق لأوانه الحكم الآن على جدية نظام الرئيس تبون في طي مخلفات السنوات العشرين السابقة، وانتهاج سياسة جديدة في التعامل مع الجمعيات، خاصّة وأنه لم يمض على انتخاب الرجل عام واحد، لم يستطع فيه حتى الآن تحقيق التعديل الدستوري الذي وعد به، والذي ربط به تحقيق كل وعوده الانتخابية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تبون يراهن على 100 ألف جمعية لبناء قاعدة للحكم

الحكومة تلجأ للجان الشعبية.. سكّان الأحياء أدرى بفقرائهم