عشيّة الانتخابات البرلمانية المبكّرة المقبلة ، برزت في الجزائر ظاهرة الإقبال اللافت على الترشّح من قبل فئات اجتماعية متباينة، خاصة من فئة الشباب، أغلبهم لم تكن لهم سوابق في العمل السياسي أو تنشِئة في الأحزاب والمحاضن السياسية، وعدم فهم لطبيعة وظيفة النائب البرلماني وأدواره، ما يقود إلى طرح تفسيرات لهذ الإقبال المُثير، وما إذا كان البعض يرى في الانتخابات والمقعد البرلماني وظيفة وسلّمًا اجتماعيًا قبل أي دور سياسي وتشريعي.
المثير في الترشّحات المعلنة من طرف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات الإقبال الكبير على سحب استمارات الترشّح
إجرائيًا، المثير في الترشّحات المعلنة من طرف السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، الإقبال الكبير على سحب استمارات الترشّح، إذ قدرتها الهيئة الرسمية بـ 3270 قائمة مرشّحة أعلنت نيتها المشاركة في الانتخابات، وسحبت استمارات الترشّح، من بينها 1420 قائمة حزبية تمثل ما يقارب 50 حزبًا سياسيًا، و1863 قائمة مستقلّة، فيما بلغ عدد المترشحين 10702 مترشحًا.
اقرأ/ي أيضًا: الانتخابات التشريعية.. هل تتغيّر موازين قوى الأحزاب في البرلمان؟
وجوه جديدة
تكشف الأرقام عن تحدّيات للمتقدّمين في تجريب حظّهم في المؤسّسة النيابية، نحو تصدر وجوه جديدة للساحة التشريعية تزامنا مع صدور قانون الانتخابات الجديد.
المُلفت للانتباه، أنه عقب سنوات من المواعيد الانتخابية، قدّمت التجربة السياسية الجزائرية العديد من التحدّيات على مدار الانتخابات التي عرفتها الجزائر خلال فترة التعددية الحزبية أي منذ ثلاثة عقود، إذ كانت العملية الانتخابية تُسيل لعاب الأحزاب السياسية، في الساحة غير أنها حملت العديد من نقاط الظلّ، على اعتبار أن المؤسّسة التشريعية كانت قبل شهر من الآن في يد زمرة من زمر النظام السياسي السابق، في فترة حكم الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، إذ باتت الغرفة السفلى في البرلمان عبارة عن تشكيلة أغلبها من أحزاب الرئيس وبقية المقاعد موزعة بين عدد من أحزاب المعارضة، وقوائم الأحرار، غير أن الظرف الحالي تغيّرت بعض الإجراءات التي سمحت بتدفق في عدد المرشّحين.
طموح أم ممارسة براغماتية
ويرى المتابعون للشأن السياسي في الجزائر أن فترة إعلان تعطيل المؤسّسة التشريعية ودعوة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لانتخابات تشريعية مبكّرة، لن تكون كافية لإقدام الكثيرين على التحضير للعملية الانتخابية، إذ أكّد الباحث في العلوم السياسية، وليد بناري، من جامعة باتنة شرق الجزائر لـ"الترا جزائر"، أن العامل الزمني يفسّر توجّه العشرات من الكوادر نحو إعلان نية الترشح كتجربة أولى مع الممارسة السياسية دون خلفية نضالية.
رغم أن البعض، يُضيف المتحدّث، وخاصّة من قوائم الأحرار لم يكن لها سابقة بممارسة السياسة والعمل الميداني، بل ستكون ممارستها للفعل السياسي اعتباطيًا وغير مخطّط له، مع اغتنام فرصة قانون الانتخابات الجديد، تزامنا مع استحقاقات البرلمان بعد أكثر من شهرين من الآن.
ولكن مع الظروف والتحوّلات، السياسية والمجتمعية التي عرفتها البلاد منذ عقود، خاصّة في فترة الأزمة الأمنية، في سنوات التسعينيات، ومع انكسار التجربة الديمقراطية، تراجع العمل السياسي والمدني بشكل كبير، وبات النشاط والمؤسسة الحزبية في الجزائر على مستوى كبير من الضعف لم يتح نشوء ما يسمى بـ"محاضن" للتنشئة والتكوين السياسي للشباب والجيل الجديد، وحصل في النهاية انفصال واضح بين الجيل الشاب وكل ما له علاقة بالنشاط السياسي، على حدّ قوله.
بعد "هذه الحقيقة المرّة"، أوضح الباحث أن الظروف السياسية التي تعرفها البلاد ستمنح الفرصة شكليًّا لمن يسلكون الخطة السياسية للنّظام الحالي ومنهجه، غير أنها في المقابل من ذلك ستنعكس سلبًا على الآداء السياسي تحت قبة المؤسسة التشريعية، على حدّ تعبيره.
المقعد الوظيفي
في سياق متصل يذهب متتبّعون للسّاحة السياسية في الجزائر إلى تشخيص حالة الشباب المتقدّم للترشّح، إذ قال الناشط الحقوقي عبد الله معافة، إن هناك شرخًا كبيرًا بين الفعل السياسي والفعل النّضالي والتقدّم لتمثيل الشّعب في المؤسّسة التشريعية، رغم الفعل الحراكي في الشّارع وتقديم الفرصة للشباب والكوادر للترشّح والمشاركة في العملية الانتخابية، لكن في المقابل من ذلك ستظلّ التجربة معطوبة بسبب التسرّع في الترشّح دون خلفية سياسية أو تكوين سياسي، خاصة في مجال التشريع وتقديم المقترحات ومساءلة الطاقم الوزاري.
وبخصوص هذه الفجوة، قال الحقوقي في حديث إلى "الترا جزائر"، إن البعض منهم لم يتعلّم بعد أدبيات الممارسة السياسية ودور المؤسّسات المنتخبة والعلاقات الوظيفية فيما بينها، أو التدرّب على الروح النضالية والالتزام أيضًا.
هذه المؤشرات، حسب كثير من المراقبين، تجعل عددًا كبيرًا من المرشّحين للبرلمان أبعد ما يكونوا عن شخصية النائب البرلماني، بسبب عدم فهم لطبيعة وظيفة النائب وأدواره الميدانية، وأقرب إلى اتخاذها فرصة في الصعود المهني والاجتماعي على حدٍّ سواءْ.
في هذا السياق، يُردف معافة أن النّائب البرلماني ينقل مشاغل المواطنين في منطقته، كما يؤدّي وظيفة تشريع القوانين ومراقبة عمل الحكومة والمؤسّسات العمومية والرقابة، وله حقّ المساءلة واستجواب الوزراء عن القرارات والسياسات العامة، متأسّفًا في الوقت نفسه من أن البعض جعلها "وثيقة للصعود في السّلم الاجتماعي بل ووظيفة لا غير"، على حدّ تعبيره.
البرلماني وسؤال التشريع
وُجّهت اتهامات كثيرة للنواب في البرلمان الجزائري على مرّ السنوات، بأنّهم أعضاء لا تؤسّس لعمل تشريعي فعلي، إذ كانت تصوّت برفع الأيادي للموافقة على القوانين، وتمرير مشاريع الحكومة، بل وأكثر من ذلك، إذ اعتبر المقعد البرلماني لسنوات طويلة وسيلة لتسهيل بعض القوانين التي رفضها القليل من النوّاب، وكانت لها تأثير كبير على المستوى الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.
ومنذ بدء مسيرات الحراك الشعبي، رفع محتجّون شعارات متهمة النواب بالتواطؤ مع السلطة، إذ وجّه الشارع للنواب تهمة "المشاركة في اللّعبة السياسية وتبييض صورة الحكومة، بل كان البرلمان أحد مُخرجات المنظومة السياسية على مرّ ثلاثة عقود من التعددية السياسية".
انتخابيًا، أضحت تجارب الاستحقاقات التي عرفتها الجزائر، وخصوصًا لتجديد مقاعد البرلمان، تسيل لعاب الأحزاب السياسية والأحرار، إذ يعتقد الباحث في علم الاجتماع السياسي نورالدين زغيدة من جامعة تلمسان غرب الجزائر، أنّ الطريق للمجلس الشعبي بات اليوم وسيلة لتحسين الظروف الاجتماعية للمرشّحين ووظيفة تسهل الصعود اجتماعيًا لمن يسلكها.
وفسّر الباحث أن القيمة التي يجنيها المترشّحون من وراء الولوج للبرلمان، تتعلّق أساسًا باستغلالها للارتفاع في سلم المهنة، كوظيفة، موضحًا أن هناك حركة مباشرة بين فترة الوظيفة العادية إلى الوظيفة في البرلمان، إذ أشار الباحث في علم الاجتماع السياسي إلى أن الكثير من الأشخاص "ركبوا المصاعد الاجتماعية والوظيفة من بوابة السياسة"، موضحا بأن الأحزاب في السابق كانت هي الغطاء والوسيلة لذلك الصعود، بعد أن تدرجوا في بيئة مختلفة، وتنقلهم إلى الحياة السياسية في مسار وظيفي متميّز من حيث المدخلات المادية والامتيازات والعلاقات أيضًا.
يستطرد المتحدّث قائلًا إن البرلمان يعدّ أحد هذه المصاعد الاجتماعية التي ترفع الفرد من أسفل إلى أعلى، كما تُعتبر المنظمات أو المؤسّسات السياسية أحد قنوات النقلة العمودية للإثراء الشخصي والثراء أيضًا، على حدّ تعبيره.
تغيير قانون الانتخابات أدّى إلى اتساع القوائم المستقلّة بشكلٍ ملحوظ
ما بات مؤكدًا اليوم، هو أن تغيير قانون الانتخابات، قد أدّى إلى اتساع القوائم المستقلّة بشكلٍ ملحوظ، وكانت نتائجه العدد القياسي لمجموع المرشّحين الشباب، كما عزّزت الظروف السياسية والتشريعية التي تجري فيها الانتخابات النيابية من الطموح الجارف لدى عددٍ كبير من الشباب، للترشّح والسير في طريق البرلمان.
اقرأ/ي أيضًا:
ليلى حاج عرب ترفع عدد النوّاب المستقيلين من البرلمان الجزائري إلى 13
الجزائر.. قانون الموازنة يقسّم البرلمان؟