06-نوفمبر-2019

القضاة الجزائريون أجلوا مطالبهم إلى ما بعد الرئاسيات (تصوير: بلال بن سالم/Getty)

أسئلة كثيرة يطرحها العام والخاص حول إضراب القضاة، منذ إعلان تحويل قرابة ثلاثة آلاف قاضٍ إلى مقرّات أخرى في أنحاء البلاد، وإلى غاية تعليق إضرابهم، إذ بات السؤال الأكثر إلحاحًا: لو لم تكن عملية التحويل هذه، هل ينتفض القضاة ضدّ وزير العدل وضدّ الظلم وضدّ عدالة الهاتف؟

غالبًا ما تكون اللحظة الثورية التي يُتّخذ فيها موقف ما لها علاقة بحدث عابر 

مثل هذا السؤال ينطبق على كل حالة ثورية أو موقف غاضب، إذ يُمكن أن يُطرح بالصيغة نفسها ويَسرِي على مجموع الجزائريين، مثلًا: لماذا انتظر الجزائريون حتّى شهر شباط/فيبري الماضي ليثوروا ضدّ النظام والرئيس عبد العزيز بوتفليقة؟ ولماذا انتظر المحامون الظّرف الحالي للتعبير عن موقفهم بشأن استقلالية القضاء؟

اقرأ/ي أيضًا: سابقة بالعدالة.. قوات الدرك تقتحم مجلس قضاء وهران وتنديد واسع

غالبًا ما تكون اللحظة الثورية التي يُتّخذ فيها موقف ما، له علاقة بحدث عابر أقلّ بكثير من السياق العام بعيدًا كلّ البعد عن المطالب التي تجرّها تلك الحالة الثورية، لكن ثمّة عوامل متعدّدة تربطه بالسياق وتجعله عنصرًا مكمّلًا له، إذ يُطلق عليها الشّرارة التي فتحت الباب أمام انفجار كتلة الغضب الموجود في الشّارع وفي القطاعات ككلّ.

يتّضح الأمر أكثر، إذا ضربنا مثالًا بثورة تونس في الـ17 من كانون الأوّل/ديسمبر 2010، إذ لم يكن للشاب محمد البوعزيزي مثلًا، أيّة خلفية نضالية ولم تكن لحركته الغاضبة أيّة علاقة بالسياق السياسي والاجتماعي الذي كان راهنًا في تونس، ثمّة عوامل وتراكمات وضعت نفسها جسرًا بين حادثة البوعزيزي كفعل معزول، وبين الوضع الذي كان قابلًا لأن يصبح حركة ثورية تنخرط فيها بالتدريج مجموع الفئات المهنية والاجتماعية، إذ كان بإمكان أحد المسؤولين في بلدية سيدي بوزيد أن يحلّ مشكلة البوعزيزي لحظة تقديم شكواه، وتنتهي القضية بـ"ودّ وأكثر من ذلك في صمت"، ولن يسمع القاصي والدّاني أن ذلك الشاب قد أصيب بـ"قهر الرفض والازدراء والظلم"، ودفعه لإحراق جسده.

رغم مشهدية الصورة التي نقلها الإعلام الرسمي وهو يغطّي زيارة الرئيس الراحل زين العابدين بن علي له في المستشفى، ومحاولة الأخير استعطاف الشعب التونسي، وتقديم صورة عن "قرب رأس الهرم في تونس بالقاعدة الشعبية"، إلّا أن وفاة البوعزيزي جعلت من القضية أكبر بكثير، لتحرق الشرارة كل ما وجدته أمامها طيلة 27 يومًا من انتفاضة شعبية، وصل مداها إلى العاصمة التونسية، وحرّكت الضمائر الحيّة. كانت كافية لتقول لـ"قائد قصر قرطاج" كفى، وتتحوّل المطالب في تلك الأيّام، إلى مطالب سياسية احتضنتها مختلف الفعاليات المدنية والسياسية المقهورة طيلة فترة حكم بن علي لـ23 سنة كاملة.

الوافد الجديد إلى قصر المرادية بالجزائر العاصمة لن يمشي على السجّاد الأحمر

السؤال عن تحرّك القضاة بتفاصيله، لا ينفي أن بعضهم رفض الإشراف على انتخابات نيسان/أفريل التي أجّلت مرّتين، ولا ينفي أيضًا أن أيّ حراك في أي قطاع، من شأنه أن يفتح أعين السلطة على مختلف الفجوات والثّغرات التي يجب على المرشّحين للرئاسيات المنتظرة الشهر الداخل، أن يضعوا لها فصولًا كاملة في برنامجهم الانتخابي، فالثّابت الأكبر أنّ الوافد الجديد إلى قصر المرادية بالجزائر العاصمة، لن يمشي على السجّاد الأحمر، بل سيخطو خطاه على قنابل اجتماعية واقتصادية وسياسية موقوتة عليه تفكيكها بحذر، خصوصًا وأن عهد البهتان السياسي قد ولّى، في زمن الشعوب المنتفضة.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

القضاة يشلّون العمل القضائي ووزارة زغماتي تتوعّد

 وزير العدل بلقاسم زغماتي.. في مهمّة استرجاع 300 مليار دولار