14-مارس-2024
الزراعة في الجزائر

الزراعة في الجزائر (الصورة: الأيام نيوز)

تسعى الحكومة، عبر المزارع النموذجية، إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي من المواد واسعة الاستهلاك في القريب العاجل ويتعلق الأمر بالدرجة الأولى بالزيت والسكر والحبوب والبقوليات التي تحوّلت في الفترة الأخيرة إلى صُداع يؤرق الكثيرين.

الخبير الاقتصادي فارس هباش لـ"الترا جزائر": المزارع النموذجية، لحد الساعة، لم تصل إلى الهدف الذي أُنشئت من أجله، ولا تزال تتخبط في العديد من المشاكل المالية والعراقيل الهيكلية

واتخذ رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون قرارًا عبر مجلس الوزراء المنعقد بتاريخ الرابع شباط/فيفري الجاري بإدماج المزارع النموذجية ضمن عجلة الإنتاج الوطني، خاصة ذات المساحات الكبرى لتغطية العجز بالأخص في شعبة البقوليات والإنتاج الزيتي.

 وتملك الجزائر 174 مزرعة نموذجية موزعة عبر التراب الوطني، تشرف على تسييرها عدة مجمعات صناعية، تخضع لسلطة وزارة الفلاحة والتنمية الريفية، فهل ستنجح الإجراءات الجديدة المتخذة لإعادة تهيئة المزارع النموذجية في تخليص الجزائريين من صُداع أزمة الزيت وندرة الحبوب والبقوليات التي تظهر بين الفينة والأخرى؟

الاكتفاء الذاتي في الزيت والبقوليات

ويرى رئيس المجلس الوطني للمهندسين الفلاحيين، منير أوبيري، في تصريح لـ"الترا جزائر" أن قرار تحويل المزارع النموذجية إلى وحدات إنتاجية تابعة للدولة وتخصيصها لثلاثة أصناف محدّدة وهي البقوليات وزيوت المائدة والأشجار الزيتية يمكن أن يكون له عدة أهداف. منها تحسين الإنتاج والتنوع الزراعي، من خلال التخصيص لثلاثة أصناف محددة، إذ يمكن تحسين إنتاج هذه المنتجات بشكل فعال وزيادة التنوع في الإنتاج الزراعي، وتشجيع خلق مصانع التحويل بحيث يمكن أن يكون مفيدا لتلبية احتياجات السوق المحلية بشكل أفضل وتعزيز الاكتفاء الذاتي.

كما يساهم هذا القرار في تحفيز الشباب والخريجين الجُدد، من خلال تحديد أهداف محددة وتحرير المبادرات لفائدة الشباب المتخرجين حديثا وتحفيزهم للدخول في مجال خلق مشاريع مبتكرة تعتمد على التكنولجيات الحديثة مما يشجع هذا التوجه الجديد من الاستثمار في الزراعة وتعزيز ريادة الأعمال في هذا القطاع.

ويلعب هذا القرار، وفق أوبيري، دورًا في تطوير القطاع الزراعي، بتشجيع ودعم وحدات الإنتاج التي أثبتت نجاحها، إذ يمكن تحفيز التقدم التكنولوجي وتحسين الكفاءة في الإنتاج، كما يمكن نشر نماذج النجاح لتحفيز المزارعين الآخرين وتعزيز تبادل المعرفة فيما بينهم، وزيادة دخل الفلاحين، حيث يمكن تحسين الإنتاجية وتحسين إمكانيات البيع والتسويق.

المجلس الوطني للمهندسين الفلاحيين: قرار تحويل المزارع النموذجية إلى وحدات إنتاجية تابعة للدولة سيكون له دور في تحسين الإنتاج والتنويع الزراعي

ويرى رئيس مجلس المهندسين أنّ التركيز على البقوليات وزيوت المائدة والأشجار الزيتية يمكن أن يكون له تأثير إيجابي على البيئة وإدارة الموارد الطبيعية، حيث يمكن أن يساهم هذا التحول في تعزيز المحاصيل المستدامة والتنوع البيولوجي والابتعاد عن التسييس والتركيز على التقنية التي قد تؤثر إيجابًا على قرارات الإنتاج والتخطيط وحسن تنفيذ مختلف البرامج التنموية كما يمكن تحسين كفاءة الإدارة وتحقيق تقدم في مجال التكنولوجيا الزراعية وأن يزيد من إنتاجية القطاع ويقلل من البيروقراطية، مما يعزز الكفاءة والفعالية في إدارة الموارد.

وبصفة عامة، يمكن أن يكون تحويل المزارع النموذجية إلى وحدات إنتاجية تابعة للدولة مخططا استراتيجيا لتعزيز الاستدامة وتطوير القطاع الزراعي في البلاد.

أسباب الفشل في الماضي

ويرى الخبير الاقتصادي، فارس هباش، في إفادة لـ"الترا جزائر" أن المزارع النموذجية قاطرة نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الغذائي، موضحًا أنه يجب إعادة رسم رؤية استراتيجية جديدة لمفهوم ودور المزارع النموذجية في الجزائر بعد فشل التجربة السابقة حيث بالرغم من استفادة هذه المزارع من أجود الأراضي الخصبة. والتي فاقت 160 ألف هكتار إلّا أنها لم تقم بالدور المنوط بها وجانبت المسلك الذي رسم لها والأهداف التي أنشأت من أجلها.

ويشدد حباش على أن ما ننتجه اليوم على مستوى هذه المزارع لا يرقى إلى الإمكانيات التي خصصتها السلطات الجزائرية لتطويرها، وبالتالي يجب المراهنة على التقنيات والآليات والأبعاد العلمية الحقيقية، من خلال تطوير إنتاجية الهكتار الواحد، لأن ما نعانيه اليوم يقول المتحدث، هو الإنتاجية الضعيفة للهكتار، مقارنة مع الدول التي نجحت في ترقية مزارعها النموذجية.

وذلك أيضا، يقول الخبير الاقتصادي، مقارنة مع متوسط الإنتاجية النموذجي بمختلف دول العالم، حيث أن هذه المزارع النموذجية يمكن أن تكون رهانًا حقيقيًا لتطوير القطاع الفلاحي وتحقيق طفرات في الإنتاج وأيضًا تنويع المحاصيل الزراعية وزيادة كمية الحصاد في أصناف مختلفة، خاصة في ظل التحديات الكبيرة التي يشهدها العالم.

الجزائر تملك 174 مزرعة نموذجية موزعة عبر التراب الوطني، تشرف على تسييرها عدة مجمعات صناعية، تخضع لسلطة وزارة الفلاحة والتنمية الريفية

ويعتبر الأستاذ فارس هباش أن أحد أهم هذه التحديات، هو بلوغ الأمن الغذائي ومحاربة الجفاف وندرة بعض المحاصيل، ولكن اليوم وجب، حسبه، بناء تصور حقيقي لماهية هذه المزارع النموذجية وما هو دورها وكيفية تطويرها وآليات تنميتها، وخلق ذلك التناغم والانسجام بين الفلاحين ومختلف المزارع الفلاحية في الجزائر.

وعاد المتحدث ليقول أن المزارع النموذجية لحد الساعة لم تقم بالهدف الذي أُنشئت من أجله، حيث لا تزال تتخبط في العديد من المشاكل المالية والعراقيل الهيكلية، رغم المزايا التي تتمتع بها، منها استفادتها من أراضي خصبة فاقت مساحاتها التصورات، وتمتعها بمصادر مائية جد مهمة، وهو ما يفرض اليوم إعادة ضبط رؤية جديدة لهذه المزارع، وحتى إن تطلب الأمر إعادة تسمية هذه المزارع، وضبط خطط استراتيجية لعملها، وكيفية مساهمتها في رفع الإنتاج الفلاحي في الجزائر، وكيفية إدارتها وهيكلتها، وتمويلها، واستفادتها من البحوث العلمية، وختم حديثه قائلا: "بهذا يجب أن يكون هناك تنسيق تام وكامل بين المراكز والبحوث الفلاحية المتخصصة، وهذه المزارع النموذجية".

مقترحات لنجاح المشروع

رغم وجود العديد من المزارع النموذجية على مستوى الوطن والتي تعتبر أساس التنمية الفلاحية إلّا أنّها مهملة ولا ترقى إلى مستوى المعاير الاقتصادية المعمول بها في الدول المتقدمة وعليه تقترح المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي، ضرورة رد الاعتبار لهذه المزارع ودعمها بمهندسين زراعيين وبياطرة من أجل مزارع نموذجية ذات إنتاج متوازن و متنوع حسب الاختصاص، سواء كان حيواني أو نباتي.

ويقول، رئيس المنظمة الوطنية للفلاحة والأمن الغذائي، حسن كريم في إفادة لـ"الترا جزائر" إنّه "بالنسبة للإنتاج الحيواني، يجب أن تشمل المزارع النموذجية، الأبقار والأغنام والدواجن والخيول، أما بالنسبة للإنتاج النباتي، فيشمل الزراعات الاستراتيجية كالحبوب والأعلاف الخضراء والأشجار المثمرة والخضروات."

وتابع: "مع ضرورة تزويدها بمشاتل خاصة بالبذور حفاظا على على جودة المنتوج وتزويدها بالتكنولوجيات الحديثة في التشتيل في السقي الذكي وتثمين المنتجات الفلاحية و توطيد العلاقة مع البحث العلمي."

ويضرب رئيس منظمة الأمن الغذائي مثالًا بالمزرعة النموذجية بتعضميت بولاية الجلفة، التي لم تنطلق لحد الآن، بسبب ضعف التسيير وعدم وجود رؤية اقتصادية مستدامة، من خلال الإنتاج الحيواني للأغنام وتثمين السلالات وتطوير إنتاج الصناعات التحويلية كالنسيج، فضعف المزرعة النموذجية يؤدي إلى ضعف الإنتاج و يترتب عنه ضعف الصناعات التحويلية.