غالبًا ما تُفرز الأزمات السياسية مناخًا سياسيًا جديدًا، كما تُنتج العملية الانتخابية خارج نسق الأنظمة السابقة معالم مغايرة للوضع القائم في الدول، إذ تُرسم على إثرها تحالفات سياسية جديدة، وتتشّكل تيّارات مناهضة للسلطة وتبرُز شخصيات تصنعها الأحداث الجارية، فما هي ملامح المشهد السياسي في الجزائر مستقبلًا؟ وما بعد انتخاب عبد المجيد تبون رئيسًا للجمهورية وإفلاس الجهاز السياسي للسلطة، وصعود الحراك الشعبي كقوّة ضغط مجتمعية؟
لحسن خلاص: الظروف القسرية الذي جرت فيها الرئاسيات، تجعلها أبعد من أنّ تنتج خارطة سياسية جديدة
حكومة تكنوقراط
هنا، يُجيب الإعلامي إسلام كعبش على بعض الأسئلة المطروحة، ويرى أنّ نتائج الرئاسيات الأخيرة، أعادت قلب الأوراق في المشهد السياسي؛ فحزبا الأغلبية "الأفالان" و"الأرندي" اللذان كانا الدعامة السياسية للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، حقّقا أرقامًا ضعيفة وتحصّل مرشّحهما عز الدين ميهوبي على المرتبة الرابعة، أي ما قبل الأخيرة، على حدّ قوله.
اقرأ/ي أيضًا: أحزاب بوتفليقة بعد الرئاسيات.. غرق إلى القاع
وعلى هذا الأساس يرى محدّثنا، أن الحراك الشعبي أعاد هذه الأحزاب إلى حجمها الطبيعي، إذ إنّ الرئيس الفائز بالانتخابات وهو عبد المجيد تبون، كان مرشّحًا حرًّا ولم يدعمه أي حزبٍ سياسي، رغم انتمائه العضوي لجبهة التحرير الوطني.
وفي ظلّ هذا المشهد، أفاد كعبش أنّه في تشكيل الحكومة القادمة، تُحتّم على الرئيس تبّون الاعتماد على "التكنوقراط" أو "الكفاءات" في تشكيل الجهاز التنفيذي، بعيدًا عن المحاصصة السياسية، خاصّة أن تبّون وعد بأنّه لن تكون هناك "عهدة خامسة" في ثوبٍ جديدٍ كما حذّرت بعض الجهات في المعارضة.
وفي تقدير المتحدّث، أن عبد المجيد تبون ليس في نيّته تشكيل "حزب سياسي؛ فقد توصّل النظام بشكلٍ دقيق إلى أن الأحزاب التقليدية فقدت كل مصداقيتها ولم تعد لديها تلك القوّة القادرة بواسطتها على تأطير المجتمع والتأثير فيه مثلما حدث في السابق".
مشهد سياسي جديد
من جهته، كشف المحلّل السياسي لحسن خلاص، أن الظروف القسرية التي جرت فيها الرئاسيات، تجعلها أبعد من أنّ تنتج خارطة سياسية جديدة، ولا تفتح عهدًا جديدًا في منظومة الحكم، ويعلّل خلاص موقفه، "بناءً على أن نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة، وإن أفرزت تموقعات جديدة، فهي لا تمثّل الخارطة السياسية الحقيقية الموجودة في المجتمع".
يوضّح المتحدّث أن التيّارين المحافظين الوطني والإسلامي مشتتان، ونتائج الرئاسيات بيّنت أن التشكيلات التي ساندت المترشّح عز الدين ميهوبي تراجعت كثيرًا، مضيفًا أن غياب التيّار العلماني والديمقراطي عن الانتخابات، أضاف ضبابية على مستقبل الخارطة السياسية.
يستطرد خلّاص أنّ الانتخابات فتحت محطّة جديدة للنظام ولم تفتح عهدًا جديدًا للمجتمع، وأن "الحراك الشعبي أحدث ما يشبه إعادة هيكلة داخل النظام دون التفريط في المنظّمات التقليدية التي تركب كل الموجات". واستشهد المحلّل السياسي، أن تبّون لا يُمكنه الاستغناء عن بقايا النظام التقليدي الموروث، إذ يعني الاستغناء عن بقايا النظام، اللجوء إلى المنظومة القبلية والدينية والمنظومات المحليّة للإبقاء على الاستقرار من أجل إنجاز ما وعد به.
الأحزاب تتراجع
من جانبه، أشار الأستاذ في العلوم السياسية، توفيق بوقاعدة، أن زلزال 22 شباط/ فيفري الفارط، سوف تكون له تداعيات كثيرة على الخريطة السياسية في البلاد والتمثيل السياسي، بالرغم من صعوبة التكهّن بالمؤشّرات الدالة على التصوّرات المستقبلية لهذه المشهد، بشكلٍ يقترب إلى الحقيقة، ويستدلّ بوقاعدة، بأنّه لم تكن هناك انتخابات مفتوحة ممثّلة لكل التيّارات السياسية والأيديولوجية في البلاد، على حدّ قوله.
وبناءً على ما توفّر من ملاحظات ميدانية يضيف محدّثنا، أنه "يُمكن القول إن التيّار الوطني والإسلامي، هما ضحيّتا الصندوق في المرحلة القادمة، ما لم تحدث مراجعات سياسية حقيقية لطروحاتهم، واستحداث آليات جديدة مؤسّساتية وتسويقية تثبت رصيدها السابق على الأقلّ".
لا زال التيّار الوطني، بحسب الأستاذ بوقاعدة، متّهمًا بالتفريط في مصالح الوطن والمشاركة في منظومة الفساد والمحاباة، وبالتالي فهو محلّ سخط عموم الشعب الجزائري، وما تبقى من إطارات هذه الأحزاب تبين أنها غير قادرة على تجنيد المشهد لصالحها، على حد تعبيره.
واستدل الأستاذ الجامعي بما حدث لحزب جبهة التحرير ودعمه للمترشّح الذي لم تكن له حظوظ في الفوز، باعتباره خير دليل على ذلك، وهي سابقة أولى في تاريخ الجزائر، أين يدعم الحزب "العتيد" مترشّحًا لا يفوز في الانتخابات.
وفي تقدير الأكاديمي، فالتيّار الإسلامي الذي انخرط جزءٌ منه في حركة الاحتجاج أظهر محدوديته في التأثير حتى على أتباعه، وترتّبت على مشاركته في الانتخابات زيادة حالة الشرخ بين المؤسّسات والمناضلين، ووفق هذا المشهد، يتوقّع المتحدث تراجع هذه الأحزاب في أغلبها عن المواقع التي كانت تشغلها، في الانتخابات القادمة.
"المشهد القادم سيتحكّم فيه الأحرار من مناضلي الحراك الشعبي، البعض منهم سوف ينتظم في أحزاب جديدة والبعض الآخر سوف يتقدّم بقوائم حرّة، وسوف يعمل النظام في المرحلة القادمة، على ترميم صورة هذه الأحزاب، حيث لا يستطيع المغامرة مع تيّارات أثبت الواقع عدم مضمونية ولائها، إذ إنّ نجاح النظام وهذه الأحزاب في الموقع من جديد، رهين أيضًا بمدى كفاءة نخب الحراك وأحزابه في ضمان استمرارية حالة الثورة"، يقول توفيق بوقاعدة.
توفيق بوقاعدة: لا زال التيّار الوطني متّهمًا بالتفريط في مصالح الوطن والمشاركة في منظومة الفساد والمحاباة
انتقال سياسي معطل
ويبدو من المشهد السياسي في ظلّ غياب قيادات جديدة، عكس حالة التصحّر التي عاشتها الجزائر خلال فترة حكم الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، أنّ هناك مؤشرات على بقاء المناخ السياسي على ما هو عليه مع تعديلات ومخرجات طفيفة، وفي ظلّ غياب تيّار إصلاحيّ داخل منظومة الحكم يعمل وفق قناعة على تأسيس الانتقال الديمقراطي، يبقى الحراك الشعبي متخوّفًا ومتردّدًا في صناعة وجوه سياسية تمثيلية، ويفضّل البقاء ككتلة موحدة خوفًا من الاحتواء أو التفكّك والعودة لحالة الاستقطاب السياسي والأيديولوجي التي تطبع المشهد السياسي في الجزائر.
اقرأ/ي أيضًا:
إفلاس الأحزاب السياسية.. موسم الهجرة إلى التنسيقيات
الأحزاب السياسية لم تستفد من الحراك.. رفض شعبي للمعارضة والموالاة