26-سبتمبر-2023
 (الصورة: Getty)

(الصورة: Getty)

تُحيي العائلات الجزائرية ذكرى المولد النّبوي الشريف باحتفالات شعبيةٍ مختلفة تحمل رمزية متأصلة في العائلات، وتأتي تمظهرات هذه الاحتفالات في طقوس وعادات متجذرة تحاول العائلات الحفاظ عليها ما استطاعت، تمتينًا للروابط العائلية والعلاقات الاجتماعية.

يمرح أطفال الحي في هذا اليوم ويدقّون أبواب الجيران الواحد تلو الآخر وينادون على اسم أصغر طفل في البيت حتّى تمدّهم ربة البيت بكميات كبيرة من حلويات المولد

بعيدًا عن الاحتفالية الدينية التي تنظم عبر مختلف المناطق بطقوس تعود لقود مضت، نحو احتفالات في مناطق مثل بني عباس وقورارة وغرداية وغيرها، تبقى العادات الاجتماعية التي تسلكها الأسر في شكل مظاهر احتفالية تسمى بـ "عشاء ليلة المولد"، من أهم هذه المظاهر التي تحظى باهتمام الجزائريين.

عشاء خاص

مع اختلاف الطريقة، تبقى النكهة الخاصة بالاحتفالية والابتهاج بيوم مولد النبي محمد عليه الصلاة والسلام بارزة جدًا، تعكسها مختلف المظاهر والعادات التي تحييها الأسر الجزائرية كل سنة وتحرص عليها.

وعلى خلاف الأيام العادية، تتمسّك العائلات بعادات قديمة تحييها في هذه المناسبة، تميزها الأطباق الشهية وخاصّة منها التقليدية التي تستمدها من علاقتها بقيم البهجة وتتمظهر في أشكال تقاليد المطبخ الجزائري، الذي يزخر بأنواع المأكولات الشهية التي تتصدر قائمة وجبات الأعياد والمواسم.

تعودت العائلات على إحياء ما يسميه البعض بليلة "المُوسِمْ"، إذ تقول سعيدة عرايبي لـ "الترا جزائر"، بأن المولد النبوي هو "عيد وجب استقباله بالفرح والاستعداد له بطهي أشهى المأكولات التقليدية والاستمتاع بيومه برفقة العائلة".

وتحرِص هذه السيدة على شراء كل مستلزمات "عشاء المناسبة السعيدة"، كاللحم والدجاج والحمص، بالإضافة إلى مختلف الفواكه الجافة التي تستعين بها لإعداد "طبق تحلية المولد" الذي يقدّم في سهرة الاحتفالية.

على اختلاف الأكلات التقليدية، تختلف الأسر في إعداد عشاء ليلة المولد، فهناك من يعد طبق الشَّخْشُوخَة باللّحم والخضر أو طبق الكُسكسي باللحم أو إعداد طبق التّْرِيدة باللحم والحمص.

تحضير طبق الرَّشْتَة أيضًا من العادات في بعض المناطق الجزائرية احتفاء بهذه المناسبة، إذ يتم إعداده بطريقة تقليدية عن طريق تشكيل رقائق بالعجين طويلة يتم طهيها في مرق مصنوع بـ "البصل المفروم والحمص والفلفل واللفت مع الدجاج، ولإضفاء نكهة خاصة عليه، يضاف له التوابل الخاصة بإعداد هذا الطبق مثل القرفة والزنجبيل والفلفل الأسود وحبة الهيل".

ويقدم هذا الطبق كغيره من الأطباق التقليدية، في وعاء عريض مصنوع من الفخار خصيصًا لهذه المناسبة، حيث يضمن أن تلتئم الأسرة كاملة وتتذوق منه، في مشهد يعيد لها اللمة التي تفتقدها في سار الأيام العادية لظروف اجتماعية واقتصادية أيضًا.

بينما تحرص العائلات على طهي مختلف الأكلات التقليدية المذكورة سابقًا، في منطقة سيدي لعجال، بين ولايتي المدية وتيارت تحصر النساء على صناعة طبق الرفيس بالتمر، إذ تقول كريمة حدو لـ "الترا جزائر"، إن هذا الطبق التقليدي مميز مع مختلف الأطباق التقليدية، فهو حلو المذاق ويتم تقديمه مع اللّبن في مناسبة فرحة سعيدة.

وبالرغم من تعدّد التّسميات والاختلاف في الذوق والمذاق، تبقى هذه الأطباق علامة خاصّة في هذه المناسبة، مع إرفاقها ببعض المقبّلات من سلطة وفلفل مشوي وطبق خفيف قوامه الشربة مع خبز الدار، فضلًا عن إعداد حلويات السهرة.

فرحة الصغار

عند الحديث عن المولد النبوي في الجزائر، يتبادر إلى الذّهن عادة شراء "القَشْقَشَة" وهي عبارة عن مكونات قوامها الفواكه الجافة كاللوز والجوز والفستق والفول السوداني مع إضافة الحلوى الصغيرة المصنوعة باللّوز وحلويات أخرى فضلًا عن التمر والتين المجفف، وتقتنيها العائلات احتفالا بالمناسبة، كما أنها تصبح سلعة منتشرة في الأسواق وتوفرها عند الباعة يتزامن مع انتظار هذه المناسبة السعيدة.

في نظر عبد الكريم سعودي (رب عائلة ولديه أربعة أطفال)، أن الاحتفال بالمولد النبوي في الجزائر، لا يمكن أن يمرّ دون شراء حلويات المولد، إذ لا يمكنه القفز على هذه العادة المنتشرة في مناطق عديدة في الجزائر وتسمى أيضًا بـ "حلوى المُوسِمْ"، وتباع بشكل لافت في الأسواق الشعبية وتلقى إقبالًا كبيًرا لدى الزبائن لأنها "ميزة خاصّة بمولد سيدنا النبي محمد عليه الصلاة والسلام".

وأضاف في تصريح لـ "الترا جزائر" بأنه يشتري ما يكفي لسهرة المولد النبوي، وما يتم توزيعه على أطفال الحيّ، مشيرًا إلى أنها "عادة وجب ترسيخها لارتباطها بنبينا الكريم وقيمته الرمزية التي نورثها لأبنائنا".

تتربّع " القَشْقَشَة" على أجواء الاحتفال بليلة المولد لأنها طريقة الكبار في إدخال السرور على الأبناء، إذ تعدّ أحد رموز إظهار الفرحة، حيث يمرح أطفال الحي في هذا اليوم ويدقّون أبواب الجيران الواحد تلو الآخر وينادون على اسم أصغر طفل في البيت حتّى تمدّهم ربة البيت بكميات كبيرة من حلويات المولد، ويتقاسمونها فيما بينهم، وسط ضحكاتهم.

وكلما مر الأطفال ببيت من بيوت الحي الواحد، وإن كان الطفل الصغير يحمل اسم خالد على سبيل المثال؛ يرددون: "يا خالد يا العروس.. أعطينا حبة كرموس"، وهي ما تزيد من حيويتهم وسعادتهم وترفع من مقدار نصيبهم من الحلويات والتمر كلما مروا على بيوت الحي، وكل ربة بيت ترمي لهم القليل من "الحلويات من نصيب الطفل الأصغر في بيتها".

وعلاوة على هذه العادة، الكثير من الأهازيج التي ترافق الأطفال طيلة الليلة رافعين الشموع بأيديهم مرددين أيضًا: " زاد النبي وافرحنا بيه صلوا عليه".

"المُوسِمْ" يجمع العائلة

من بين الأسباب التي تجعل الجزائريين يحتفلون بالمولد النبوي، أنه يضم "اللمة العائلية" بحسب تصريح السيدة حدو، قائلة إن المناسبة كفيلة بإعطاء فرصة لفرحة العائلة كاملة، ولمّ شملها خصوصًا في مثل هذه الظروف التي تتميز بصعوبة التئام العائلات، إلا في القليل من المناسبات، مشددة على أن الأهم هو التلاقي فيما بين أفراد العائلة الواحدة والاستمتاع بوقت الفرح في مناسبة مولد نبينا محمد عليه الصلاة والسلام".

وفي سياق آخر، لا تفوت العديد من الجمعيات الخيرية هذه المناسبة في مشاركة الفرحة مع الفئات المعوزّة وإضفاء أجواء التضامن الاجتماعي فيما بين أفراد المجتمع الواحد، إذ تشرف العديد من الجمعيات الخيرية على إعداد خرجات خاصة لزيارة المرضى بالمستشفيات، وزيارة دور المسنين ومراكز الطفولة.

تتربّع " القَشْقَشَة" على أجواء الاحتفال بليلة المولد لأنها طريقة الكبار في إدخال السرور على الأبناء

إلى هنا، تقول العضوة في جمعية " كافل اليتيم بمدينة شلغوم العيد، سعاد حواس في حديث إلى "الترا جزائر"، إن المولد النبوي مناسبة متميّزة لإبقاء حبل التكافل الاجتماعي بين الجزائريين وإضفاء الصّبغة الإنسانية على هذه المناسبة.