22-أغسطس-2023
(الصورة: فيسبوك)

(الصورة: فيسبوك)

بينما كانت أنظار الرأي العام متجهة نحو ولايتي بجاية وخنشلة إثر اندلاع سلسلة من حرائق الغابات، وتصاعد مخاوف من سقوط ضحايا جدد، اجتمع طيف من الأحزاب السياسية وفعليات من المجتمع المدني في نادي الصنوبر بقصر المؤتمرات الدولي عبد اللطيف رحال في ندوة التلاحم الوطني.

دعت الأحزاب في اختتام الجلسة من أجل تقوية الجبهة الداخلية والالتفاف حول مؤسسات الدولة

خلص الاجتماع إلى "دعوة الشعب الجزائري بكل فئاته للتلاحم واليقظة من أجل تقوية الجبهة الداخلية والالتفاف حول مؤسسات الدولة ودعم مواقفها الاستراتيجية"، حسب ما جاء في توصيات اللقاء.

كما دعت الأحزاب في اختتام الجلسة، إلى "توحيد الصفوف، وتسهيل عمل المنخرطين في المبادرة لفتح ورشات الحوار، وكذلك المجتمع السياسي والأكاديمي من أجل بلورة أفكار المبادرة ونصت الأرضية على تفعيل التواصل واستمرار مع جميع الشركاء والمكونات قصد الانضمام إلى المبادرة".

من وراء المبادرة؟

كانت أجواء لقاء الأحزاب داخل قصر المؤتمرات "عبد اللطيف رحال" احتفالية وبروتوكولية، اذ احتضنت القاعة أكثر من 1300 شخصية يمثلون المجتمع السياسي والنخب المجتمعية والمراجع الدينية.

كثيرون ممن حضر اللقاء بدو غائبين عما يدور في هذه الندوة، فقد بدى الكل يتساءل عمن يقف وراء المبادرة؟ وهل تحظى الندوة برعاية قصر المرادية كما جرت التقاليد السياسية بالجزائر؟

في ظل غياب أي حضور رسمي أو شبه رسمي تسلل الشك إلى بعض المشاركين في تبني السلطات العالية للندوة، وتداولت في أروقة قصر المؤتمرات معلومات أن تكاليف كراء القاعة لم تدفعها السلطات العمومية بل أن جميع المشاركين دفعوا شطرًا من إيجار القاعة شريطة المشاركة، وفُسر حضور  بعض الشخصيات على قلتها من مجلس الأمة أو من الأمانة العامة للاتحاد العام للعمال الجزائريين أو أعضاء هيئات رسمية، بأنهم من الصف الأخير في هرم السلطة الحالية ولا يحضون بمكانة في قصر المرادية بشكلٍ مؤثرٍ.

حضور الأحزاب السياسية الموالية تقليديًا إلى السلطة على غرار جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي لم يُعد مؤشرًا أن الندوة ليس برعاية السلطة السياسية ولا قصر المرادية كما في السابق، فقد أكد الرئيس عبد المجيد تبون مرارًا رفضه الاعتماد على وعاء انتخابي من الحزام السياسي والمُشكل من طرف الأحزاب التقليدية الموالية للسلطة، مفضلًا الاعتماد على مرجعيته وتكوينه التكنقراطي، ودعم المجتمع المدني والتوافق التام مع المراكز الرئيسية والهامة في الهرم السلطة.

هل الرئيس غاضب؟   

في السياق ذاته، كانت لقطة ردة الفعل الغاضبة للرئيس عبد المجيد تبون تجاه رئيس حزب لم يذكره بالاسم، إثر انتقاده قرار تدريس اللغة الإنجليزية حاضرًا في القاعة، فمقطع الفيديو أعيد تداوله بين عدد من الصحفيين وبعض المشاركين   بقوة، مع عزز التساؤلات والشكوك حول العلاقة الموجودة بين صاحب المبادرة وقصر المرادية.

تجدر الإشارة أن رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر قرينة أبدى تحفظه lن قرار فرض تدريس اللغة الإنجليزية في الجامعات، واصفًا القرار "بالقرارات الفوقية المتسرعة بعيدا عن الموضوعية".

توكيل أو هفوة

النقطة الأخرى التي اثارت حفيظة بعض المشاركين، هي خرجة رئيس حركة البناء الوطني، عبد القادر بن قرينة، الذي حذّر فيها بشكل صريح من الدور الإماراتي في المنطقة، وقال إن لديه معلومات بخصوص تطبيع وشيك لتونس مع الكيان الصهيوني، بعدما زارها مسؤول في دولة خليجية مؤخرًا.

هذا التصريح الإعلامي أثار تساؤلات في القاعة، وعن الدور الذي يَلعبه عبد القادر بن قرينة؟ وهل هو مُفوض وناطق شبه رسمي؟ وهل هو مكلف بمهمة؟ ومدى قربه من صناع القرار؟

وعقب تصريحات عبد القادر بن قرينة، أدى وزير الخارجية التونسي نبيل عمار، زيارة إلى الجزائر تحمل رسائل سياسية ودبلوماسية من ضمنها كما يرى متتبعين للشأن البلدين فهم الحملة الإعلامية والسياسية تجاه تونس، ومحاولة طمأنة الجزائر حول اتهامات الموجه إلى تونس والاتجاه نحو التطبيع مع الكيان المحتل.

وعقب اللقاء الذي جمع الرئيس عبد المجيد تبون ومبعوث الرئيس قيس السعيد، تراجع بن قرينة عن تصريحاته المعممة والغامضة التي كانت محل سخط لدى النخبة السياسية والإعلامية بتونس، وقال إن المخزن كان وراء تشويه تصريحاته الأخيرة حول تونس، وذكر أن تونس عصية على التطبيع مادام الرئيس قيس السعيد موجود على رأس السلطة.

هذا التراجع رآه متتبعون، أنه تنبيه من السلطة السياسية إلى عبد القادر بن قرينة من تجاوز بعد المساحات المسموحة سياسيًا في البلاد، خصوصا أن التغطية الإعلامية للتلفزيون العمومي ركزت على التصريح الذي يبرأ الرئيس قيس السعيد من التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي أكثر من توصيات الندوة، والتي بدت تغطية محتشمة جدًا.

الأحزاب التقليدية الأقوى

ما لفت انتباه الحاضرين في قصر المؤتمرات أن الأحزاب على غرار جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، عملوا على تبين أنهما عناصر أساسية ومركزية في الندوة دون التورط الفعلي في انعكاسات الندوة، وعملوا على إظهار أن عبد القادر بن قرينة ليس اللاعب الأقوى في الندوة، مما دفع بهذا الاخير إلى تنشيط الندوة بشكلٍ شخصي، بدل من اختيار شخصية مستقلة سياسيًا تُدير الندوة كما جرت تقاليد التجمعات السياسية.

في مقابل ذلك، ومهما يكن مهدف الندوة والمشاركين ومحاولة التقرب والتودد إلى السلطة، أو بداية حملة تسويق عهدة ثانية للسيد عبد المجيد تبون، فإن تقاطع الخطاب بين المشاركين في الندوة والخطاب الرسمي حول المخاطر الخارجية والتجنيد والدفاع عن المصالح الدولة الجزائرية يخدم مواقع السلطة السياسية بشكل أكثر.

تقاطع الخطاب بين المشاركين في الندوة والخطاب الرسمي حول المخاطر الخارجية والتجنيد والدفاع عن المصالح الدولة الجزائرية يخدم مواقع السلطة السياسية بشكل أكثر

في ظل الرهانات الاقتصادية والصعوبات الإقليمية يحتاج الخطاب السياسي إلى فاعليين سياسيين متميزين، والمراهنة على تماسك الجدار الوطني تمر عبر الاستجابة إلى تلك الرهانات وإدارة العلاقات الدولية وفق رؤية برغماتية واستراتيجية حكيمة وفتح النقاش المتنوع والمتعدد.