يطرح قرار الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة عن موعدها المحدد، تجرى في شهر سبتمبر/ أيلول القادم، تساؤلاتٍ عن الأسباب السياسية الكامنة وراء هذا القرار، وما إذا كانت له أية علاقة بأوضاع داخلية أو خارجية تحيط بالجزائر، ورغم تباين التأويلات والقراءات في الموضوع، إلا أن تفسيرات كثيرة ربطتها بالأوضاع السياسية الخارجية والأحداث الجارية في محيط البلاد.
تُطرح حزمة من الاحتمالات والتخمينات، خاصة حول ما إذا كان تنظيم انتخابات مسبقة تعني عدم ترشح الرئيس تبون لولاية ثانية، أم أنها ترتبط لخلافات داخل السلطة حول الخيارات القائمة؟
لم توضّح الرئاسة الجزائرية في بيانها المقتضب المنشور على صفحتها، مبررات قرار الإبكار بالانتخابات، المنتظرة ولم تشرح للرأي العام الحاجة السياسية إلى ذلك، ما جعل الرأي العام والنقاشات السياسية تطرح حزمة من الاحتمالات والتخمينات، خاصة حول ما إذا كان تنظيم انتخابات مسبقة تعني عدم ترشح الرئيس تبون لولاية ثانية، أم أنها ترتبط لخلافات داخل السلطة حول الخيارات القائمة؟
لا تبدو هذه الافتراضات السياسية واقعية بالنظر إلى أن الرئيس تبون حرص على مستوى الصورة التي أخرج بها القرار، وذلك من خلال حضور ممثلي كل المؤسسات الدستورية والحيوية في البلاد، بما فيها الجيش والمؤسسة الدستورية ممثلة في المحكمة الدستورية والهيئة المستقلة للانتخابات ورئيسي غرفتي البرلمان، ما يعني وجود توافق بين كامل مؤسسات الدولة.
على صعيد آخر، فإن مسألة عدم ترشح الرئيس تبون لولاية ثانية في الانتخابات المبكرة، غير واقعية، فبخلاف ذلك يبدو ترشح تبون محسومًا وقد بدأت قبل فترة من الآن.
ويتجلى ذلك، من خلال ما وصفه البعض بالحملة الانتخابية المبكرة من خلال الترويج السياسي والإعلامي لما يوصف بمنجزات الرئيس تبون ومواصلة بناء مشاريع " الجزائر الجديدة" واستكمال وعوده التي أطلقها خلال حملته الانتخابية في 2019.
في هذا المضمار، سبق لقائد الجيش الفريق أول السعيد شنقريحة، رئيس أركان الجيش الوطني الشعبي أن كان قد أثنى على منجزات الرئيس وسياساته، والجيش كما هو معلوم لاعب فاعل في الاستحقاقات المصيرية في الجزائر. كما أن رئيس مجلس الأمة (الغرفة العليا في البرلمان)، صالح قوجيل، كان قد أعلن قبل أسبوعين أن الرئيس تبون يتوجه نحو ولاية ثانية وان لا شيء يقف حيال ذلك.
وإذا تم تجاوز هذه الاحتمالات السياسية ، فإن الأسباب الأخرى المرتبطة بقرار تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، قد تكون ذات صلة بالظروف المحيطة بالجزائر من حيث رغبة السلطة في حسم وإنهاء فصول الحملة الانتخابية والانتخابات، للتفرغ لجملة من التحديات الإقليمية، المتمثلة في التوترات القائمة في منطقة الساحل والعلاقات المشوشة مع المغرب، إضافة إلى رغبة في تغيير الزمن والتوقيت الانتخابي من ديسمبر إلى نهاية الصيف حيث تكون الظروف أكثر مناسبة لإجراء الحملة الانتخابية والانتخابات ، قبل الدخول الاجتماعي الذي عادة ما يكون معقدًا ويتطلب جهدًا حكوميًا للإحاطة به.
مؤشرات
نظريًا، يعدّ إجراء الانتخابات الرئاسية، بشكل منتظم وفي موعدها المحدد يعتبر ضمن مؤشرات الاستقرار السياسي، وهو العامل المهم الذي برز في تكهنات التبكير بالانتخابات بثلاثة أشهر عن موعدها.
لكن دستوريا، فإن الحديث عن انتخابات مسبقة، معناه أنها ستجري خارج التوقيت المحدد لها والمواقيت الدستورية المحددة بقانون الانتخابات الحالي، وفي هذه الحالةـ تنص المادة 245 على أنه "تجرى الانتخابات الرئاسية في ظرف الثلاثين (30) يوما السابقة لانقضاء عهدة رئيس الجمهورية" على أن "تستدعى الهيئة الناخبة بموجب مرسوم رئاسي في ظرف تسعين (90) يوما قبل تاريخ الاقتراع مع مراعاة أحكام المادة 94 من الدستور".
وتبعاً لهذا القانون، وعلى أساس أن الرئيس تبون تسلم السلطة وباشر عهدته الرئاسية في19 ديسمبر/ كانون الأول 2019، يؤكد المختص في القانون نور الدين بوطبة، بأن الموعد الدستوري للرئاسيات كان يفترض فيه أن ينظم بين 19 نوفمبر/ تشرين الثاني و19 ديسمبر/ كانون الأول القادمين.
وبصرف النظر عن أحكام المادة 94، يبدو أن الرئيس تبون استند حصراً على مادة من روح القانون في اتخاذ قرار تنظيم الانتخابات قبل موعدها بثلاثة أشهر، تتعلق بالبند 11 من المادة 91 من الدستور الحالي، كما يضيف بوطبة، وهي مادة مرنة جدًا، ومفتوحة، وبلا شروط ولا ضوابط، إذ تفيد بصلاحية الرئيس الكاملة ودون ضوابط أو شروط محددة، لأن "يقرر تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة".
أما تقنيا، هناك عدة أسباب دفعت بالرئيس تبون لاتخاذ هذا القرار، منها ما تعلق بأهم قانون لتسيير البلاد وهو قانون المالية الذي لا يمكن التوقيع عليه إلا بعد آداء اليمين الدستورية للرئيس، وغالبا ما تتم إعداد ميزانية الدولة وتقديمها في شهر أكتوبر/ تشرين الأول والمضادقة عليها قبل نهاية السنة.
ودائما، فالقرار حسب الأستاذ بوطبة يراعي في تدابيره السياسية، استمرارية المؤسسات الناظمة لتسيير البلاد، ويحافظ على سيرورة العمل في شتى القطاعات، مع احترام المنصب الخاص برئيس الجمهورية.
وفي هذا الاتجاه، هناك سبب سياسي فارق، يتعلق أساسًا بضرورة استمرارية مؤسسات الدولة في الجزائر، في علاقة بانتخابات التجديد النصفي لمجلس الأمة وانتهاء ولاية رئيس المجلس، صالح قوجيل، (الرجل الثاني في الدولة بروتوكوليا).
وفي هذا المنحى، ذهب المحامي والنائب السابق فاتح قرد إلى القول بأن " شغور منصب رئيس مجلس الأمة المتزامن مع موعد انتخابات الرئاسية لو أنها بقيت في موعدها في شهر ديسمبر/ كانون الأول أمرًا مربكًا سياسيًا ودستوريًا"
ووفقا للدستور الجزائري، يشغل رئيس مجلس الأمة مكانة دستورية مهمة في الدولة، لأنه مؤهل لتولي منصب رئيس الدولة في حالات شغور منصب رئيس الجمهورية بسبب الوفاة أو الاستقالة أو وجود مانع آخر.
مقارنة غير متكافئة
المقارنة بين الحالة التي أعلن فيها الرئيس اليامين زروال عن انتخابات رئاسية مسبقة وما أعلن عنه الرئيس تبون، لا يستقيم بناءً على قوانين الدستور السابق، إذ يفيد المختص في القانون الدستوري، عبد العالي مفلاح في تصريح لـ"الترا جزائر" أن الدستور السابق لم يكن يسمح لزروال إعلان انتخابات رئاسية مسبقة، لعدم وجودة المادة الدستورية التي تمنحه تلك الصلاحية، فتم خرق الدستور، إذ كان عليه الاستقالة وليس اللجوء الى الانتخابات المسبقة.
وخلافاً لذلك، وفي الفقرة 11 من المادة 91، من دستور 2020، التي استند إليها الرئيس في قراره تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، وهو البند الذي يمنح صلاحية غير مشروطة للرئيس بذلك، بعيداً عن الحالات الثلاث الواردة في المادة 94 من الدستور التي تفيد بإعلان انتخابات مسبقة في حالة (العجز، الاستقالة والوفاة).
ودون تحديد شروط أو حالات معينة لانتخابات مسبقة، تنص الفقرة على أنه يمكن لرئيس الجمهورية أن "يقرر تنظيم انتخابات رئاسية مسبقة"، ويمكن الإشارة إلى أنها فقرة مفتوحة وفضفاضة يمكن أن تحيل المهتمين بالشأن الدستوري والسياسي في الآن نفسه على تقديم عد قراءات وتفسيرها بعديد التأويلات.
عهدة ثانية؟
بعد تحديد موعد الرئاسيات المقبلة، افترض مهتمون بالشأن السياسي في البلاد عدم ترشح الرئيس تبون في الانتخابات المقبلة لعهدة ثانية، كأحد أسباب تقديم توقيت الاستحقاق المهم بثلاثة أشهر كاملة، بينما ذهب آخرون إلى العكس من ذلك.
إلى هنا، قال الكاتب الصحفي رياض هويلي إن الرئيس تبون أمام خيارين إما الترشح لـ"استكمال برنامجه السياسي" كخيار هو الأقرب لعديد الفعاليات السياسية في البلاد، وحتى الشعبية التي باشرت في دعوته للترشح.
والعكس تمامًا، بالنسبة للخيار الثاني، يضيف هويلي، أي "الاكتفاء بعهدة واحدة ويفسح المجال أمام رئيس آخر".
افترض البعض أن الرئيس تبون سيواصل مهامه على رأس السلطة، بالنظر إلى العامل السياسي والمتعلق بالتحولات الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم
وفي مقابل ذلك، افترض البعض أن الرئيس تبون سيواصل مهامه على رأس السلطة، بالنظر إلى العامل السياسي والمتعلق بالتحولات الإقليمية والدولية التي يشهدها العالم، مستبعدين إرادة صانع القرار السياسي في البلاد، في إحداث تغيير في أعلى هرم السلطة، والانسجام في الرؤية والخيارات المطروحة استئناءً بالتقييم الإيجابي لعهدة الرئيس الأولى من قبل الجيش.