26-سبتمبر-2022

(صورة أرشيفية: بلال بن سالم/ Getty)

انطلقت الحملة الانتخابية لإجراء الانتخابات الجزئية منتصف الشّهر المقبل في ستّ بلديات تابعة لولايتي بجاية وتيزي وزو بمنطقة القبائل وسط الجزائر، ففيما وظّفت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات إمكانيات لتسيير الحملة الانتخابية للمتنافسين بتسخير 45 فضاء من ملاعب وقاعات لاحتضان التجمعات الشعبية واللقاءات الجوارية، فضلًا عن تخصيص 82 مساحة للاشهار الانتخابي، يتوقع متابعون للشأن السياسي في الجزائر أن هذه الانتخابات مهمّة في استكمال المسار الانتخابي وامتحان حقيقي في الميدان لإنهاء عملية تشكيل المجالس البلدية.

ظلّت ولايتي بجاية وتيزي وزو باعتبارهما الوعاء السياسي لمنطقة القبائل تشكلان قلقًا كبيرًا لدى السلطة

باشر المترشحون على مستوى البلديات المعنية بالانتخابات الجزئية بإعلان مشاريعهم، وبرامجهم على مستوى بلديات مسيسنة وفرعون وتوجة وأقبو بالنسبة لولاية بجاية، وبلديتي آيت محمود وآيت بومهدي بالنسبة لولاية تيزي وزو على أن تستمر الحملة إلى غاية 11 تشرين الأول/أكتوبر المقبل.

وظلّت كلًا من بجاية وتيزي وزو المدينتين اللتان تشكلان أساس الوعاء السياسي لمنطقة القبائل، تشكلان قلقًا كبيرًا لدى السلطة المركزية في مختلف الانتخابات، فلم تتمكَّن من احتواء الغضب الشعبي في هذه البلديات في الانتخابات المحلية التي جرت في 27 تشرين الثاني/نوفمبر من العام الماضي، إذ رفضها السكان، وأقدموا على إغلاق مراكز الاقتراع دون تمكين المواطنين من التصويت.

امتحان صعب

قرار تنظيم انتخابات محلية في بلديات مفصلية، باعتبارها من البلديات التي لطالما شهدت قلاقل وتمرّد سياسي على الانتخابات بمختلف تفاصيلها، سيكون امتحانا للسلطة الحالية، إذ قرر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون استدعاء الهيئة الناخبة في البلديات المعنية، وفق النصوص القانونية لتنظيم الانتخابات.

وتبعا للتعلمية الموجهة إلى منسقي السلطة المستقلة للانتخابات، فإن استمارات اكتتاب التوقيعات الفردية، يجب على قائمة المترشحين المقدمة سواء تحت رعاية حزب سياسي أو بصفة مستقلة، أن تدعم بعدد من توقيعات ناخبي الدائرة الانتخابية المعنية".

ترميم علاقة

يبدو أن الانتخابات الجزئية في منطقة القبائل، تحذو نحو طريق ترميم العلاقة بين الشّارع والسّلطة في منطقة لطالما كانت خارج الصفّ الانتخابي، لاعتبارات سياسية عميقة.

بالعودة إلى الانتخابات المحلية في العام 2017، فإن نتائجها في المنطقتين كانت أدنى من حيث نسب المشاركة، فبالأرقام، بلغت 20 في المائة بالنسبة للانتخابات البلدية، و15 في المائة بالنسبة للتصويت في الانتخابات الولائية بالنسبة لولاية تيزي وزو، بينما سجلت نظيرتها بجاية، نسبة اقتراع بين 18.36 في المائة بالنسبة للمجالس البلدية و14.77 في المائة بالنسبة للمجالس الولائية.

بينما حقق الحزب السياسي التاريخي (جبهة القوى الاشتراكية) نتائج لافتة، رغم مقاطعته للاستحقاقات الانتخابية التي جرت عقب الحراك الشعبي، سواء الرئاسية ثم استفتاء الدستور ثم التشريعية، إذ تحصلت في المحليات على 898 مقعدًا وترأست 47 بلدية، فيما حلت ثانية في 65 بلدية.

وبعد عام من الانتخابات المحلية عبر الجزائر، يمكن تقديم قراءة متأنية للمعطيات المحصل عليها آنذاك؛ إذ شاركت جبهة القوى الاشتراكية الحزب المتجذر في العمق الشّعبي في المنطقة وكذا عديد المناطق الجزائرية، إذ أسهمت مشاركة الحزب في الانتخابات الأخيرة في تعزيز حضوره في المجالس المحلية، مقارنة بالأحزاب الناشطة في الساحة.

لكن مشاركة الأحزاب في هذه الانتخابات لها من الخصوصية، في تحسس الهيئة الناخبة أولًا، وقياس مدى تقبل المواطنين للمجالس المحلية المرتقبة تجديدها، إذ شدد الباحث في العلوم السياسية عبد الغني جبور على أن المحليات بخلاف الانتخابات الرئاسية والتشريعية والدستور، تتميز بالتقارب بين الأوعية السياسية والقاعدة الشعبية في علاقة بين المرشحين والمواطن.

وأضاف جبور في تصريح لـ" الترا جزائر" أن المرشحون في الانتخابات المحلية هم من عائلات الناخبين ومقربين منهم، إذ تمسّ هذه الانتخابات مباشرة الحياة اليومية للمواطن، وبذلك لها دور مهم في السلوك الانتخابي.

وأجاب الأستاذ جبور عن سؤال:" لماذا ينتخب المواطن؟ قائلًا إن الأمر ليس بالسهل إذ تتداخل فيه عوامل كثيرة؛ أولها: فعالية الانتخاب والأسباب التي تدقع المواطن للتصويت أم لا، فضلًا عن البيئة السياسية التي بدورها فاعل مهم، إضافة إلى ظروف الانتخابات ومستوى الوعي لدى المواطن.

مؤشّرات

بناء على ما سبق فإن السلوك الانتخابي المرتقب لدى الناخبين في الولايتين المعنيتين بالانتخابات محكوم بعدة عوامل أهمها تأثرهم بالمتغيّرات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتنظيمية، إذ يبرز الناخب الشرعية لحزب سياسي ما، كما يظهر انتماؤه إلى مجموعة أو وحدة اجتماعية معينة بتأثر بها.

البارز أيضًا خلال الانتخابات عمومًا هو سلوك المقاطعة الانتخابية، فبالرغم من كونها سلوك اجتماعي يحوم حول الحياة السياسية، ومختلف الأحداث المحيطة بها، لكنها في الآن نفسه تحمل دلالة سياسية واجتماعية كموقف، لتتقاطع مع "الامتناعية" أي اتجاه البعض ممن لهم الحق في الانتخاب عن قناعة ودون المشاركة في قضايا المجتمع السياسية.

ورغم أنه منحاز إلى القوى المعارضة في البلاد، إلا أن (الأفافاس) احتلّ المرتبة الخامسة في المحليات الأخيرة، وفي سبع ولايات، في غياب كلي للأحزاب ذات التوجه الديمقراطي العلماني بسبب المقاطعة.

مشاركة الأحزاب السياسية في هذه الانتخابات الجزئية يعتبر خُطوة إيجابية، بحسب المحلل السياسي محنّد أرزقي فراد، الذي قال إن الانتخابات المحلية عمومًا تسمح للمنتخبين بالاحتكاك المباشر مع المواطن عن طريق التكفل بانشغالاته. مشيرًا إلى أهمية الواقعية السياسية في الحفاظ على شعرة معاوية في التعاطي السياسي".

خصوصية المنطقة، أيضًا تجعل من الانتخابات الجزئية محطّ أنظار المتابعين للشأن السياسي في البلاد، إذ ستكون" باروميتر" حقيقي تقيس به السلطة تراجع خطوات المقاطعة التي تشهدها المنطقة لمختلف الاستحقاقات السابقة، كما أنها ستعمل على سدّ الهوة بين السلطة والمنطقة التي لطالما فلتت من الأحزاب السياسية الأخرى ووقعت في فخّ الحركة الانفصالية  "حركة استقلال القبائل" (الماك) المصنفة كتنظيم إرهابي من طرف السلطة.

عودة المجالس الشعبية إلى عملها سيخفف العبء على الإدارة 

والملفت للانتباه، أن الانتخابات كحلقة مهمة في العملية السياسية، بتنافس وجوه من أحزاب سياسية كجبهة القوى الاشتراكية وجبهة المستقبل وجبهة التحرير الوطني وحركة الشباب الجزائري والتجمع الوطني الديمقراطي إضافة إلى قوائم المستقلين، ستعيد المجالس المحلية إلى عملها الميداني وتخفيف العبء على المناطق التي لم تحظ بمجالس محلية منتخبة تهتمّ بشؤون المواطن.