09-سبتمبر-2022

(ستيفانو مونتيسي/ Getty)

مع اقتراب انطلاق السنة الدراسية الجديدة في الـ 21 أيلول/سبتمبر الجاري، يعود التساؤل من جديد بشأن طريقة تعامل المدرسة من إدارة وأساتذة مع التلاميذ نفسيًا واجتماعيًا، وتسهيل اندماجهم في الحياة التعليمية دون تعرّضهم لحالات إحراج وتنمّر وتمييز داخل الحرم المدرسي، وبالخصوص بعد الحادثة التي عرفتها إحدى الثانويات بولاية بومرداس.

القانون الجزائري لا يسمح لأي شخص بالإطلاع على الملف المدرسي للتلميذ أو أن يتضمن الملف معلومات تسيء إليه أو تمس بسمعة عائلته

ورغم تطور أدوات تيسير إدماج التلاميذ في الحياة التعليمية على المستوى العالمي، إلا أن الأمر في المدرسة الجزائرية لا يزال يعتمد على طرق "بدائية" تنحصر في الغالب على تسهيل سير المدرسة إداريًا وتنظيميًا دون الاهتمام بالوسط الذي يزاول فيه التلاميذ تعليمهم إلا ما ندر، لذلك لا يزال على سبيل المثال الاهتمام بتجميع المعلومات حول الظروف الاجتماعية للتلميذ دون النظر للطريقة التي تؤخذ بها هذه البيانات وآثارها، والتي تتم في الغالب بطريقة تحدث حرجًا للتلميذ وسط زملائه.

 

متداول بطاقة تسجيل صادمة للتلميذ قبل الاولياء 😵😵

Posted by Rouina INFO on Tuesday, September 6, 2022

ضجة

غصت مواقع التواصل الاجتماعي في اليومين الماضيين بتعليقات غاضبة ورافضة لما ورد في بطاقة تسجيل من ثانوية شكير عيسى بأولاد موسى بولاية بومرداس، والتي تضمنت طلب معلومات حول الحالة الاجتماعية للتلميذ إن كانت غنية أو متوسطة أو فقيرة.

وعلقت إحدى الصفحات في الفيسبوك التي يتابعها أكثر من 32 ألف حساب بالقول إنها "بطاقة تسجيل صادمة للتلميذ قبل الأولياء، أيعقل ما ترونه".

 

♦#متداول: بومرداس - أولاد موسى، ثانوية شكير عيسى: بطاقة تسجيل صادمة للتلميذ قبل الاولياء، أيعقل ما ترونه⁉️

Posted by ‎كل شي‎ on Tuesday, September 6, 2022

واعتبر  أبو نوح الأعجمي أن تصرف إدارة الثانوية " سلوكًا غير حضاري"، بالنظر إلى المعلومات التي طلبتها.

وقالت نقابة الأسلاك المشتركة والعمال المهنيين لولاية بومرداس "عندما يكون المسؤول فاشلًا فهذه هي النتيجة، بطاقة تسجيل صادمة للتلميذ قبل الأولياء، لا حول ولا قوه إلا بالله"، مضيفة أنه من غير المستبعد أن يتم "التسامح مع متركب هذا الخطأ".

وحسب تعليقات الكثير من التلاميذ السابقين، والمهتمين بالشأن التروبوي، فإن حادثة بومرداس ليست الأولى، بأن هذه المعلومات التي قدمت كتابيًا في بطاقة التسجيل، يسأل عنها التلميذ مرات عديدة من قبل بعض الأساتذة والمتعلمين أمام زملائه بشأن وظيفة والديه ومستواهما الاجتماعي، ومن أي حي ومنطقة يقطن وأسئلة أخرى تتعلق بحياته الشخصية التي قد تشكل الإجابة عنها إحراجًا وربما تنمرًا وعقدة لبعض التلاميذ، وبالخصوص في المرحلة الابتدائية.

وأشار المكلف بالإعلام في النقابة الوطنية المستقلة لمستشاري التربية‏ عبد الرؤوف تريكي في حديثه مع "الترا جزائر" إلى أن ما حدث في ولاية بومرداس يتكرر للأسف في عدة مؤسسات تربوية، معتبرًا أن المختلف قد يتمثل في التعبير، حيث قد تستبدل كلمة "فقير" بـ"معوز" فقط.

ولفت تريكي إلى أن إعداد الملفات الخاصة بالمنحة المدرسية تشمل عبارات من هذا القبيل، مبينًا أن معرفة الحالة الاجتماعية للتلميذ ضرورية للتكفل به، لكن يجب أن تصاغ بطريقة محترمة لا تكون لها انعكاسات سلبية، كما أن بعض المعلومات كمهنة الأب يمكن تفادي الحديث عنها، خاصة في القسم.

عقاب

عقب اللغط الذي حدث على مواقع التواصل الاجتماعي، سارعت وزارة التربية إلى احتواء الحادثة، من خلال إصدار مديريتها الولائية بومرداس يوم الأربعاء، قرارًا يقضي بتوقيف مديرة الثانوية المعنية، تحفظيًا، بسبب توزيع وثيقة "غير  مقبولة ولا تمتّ بصلة إلى النصوص والتنظيمات المعمول بها".

وجاء في بيان لمديرية التربية لولاية بومرداس أنّه "عقب نشر وثيقة تابعة لثانوية شكير عيسي ببلدية أولاد موسى والتي حملت عبارات غير مقبولة ولا تمت بصلة للنصوص والتنظيمات المعمول بها، ونظرًا لحساسيتها تم اتخاذ الإجراءات المناسبة بتوقيف مديرة الثانوية توقيفًا تحفظيًا إلى غاية مثولها أمام مجلس التأديب الولائي وذلك طبقًا للقوانين سارية المفعول".

واستندت مديرية التربية في عقوبتها على القرار رقم 07 المؤرخ في 14 آذار/مارس 2016 الذي يحدد شروط تسجيل التلاميذ في مؤسسات التربية والتعليم وكيفية فتح ومسك ملفاتهم، والذي ينص في مادته الـ13 وجوب " ألا يتضمن الملف المدرسي للتلميذ معلومات يمكن أن تسيء إليه أو تمس بسمعة عائلته".

وتنص المادة 15 من القرار ذاته أنه " لا يسمح لأي شخص بالإطلاع على الملف المدرسي للتلميذ، إلا في إطار العمل وبعد موافقة مدير المؤسسة يخضع الملف المدرسي للتلميذ إلى قواعد السر المهني".

و يفهم من هذه المادة أنه لا يسمح حتى للأستاذ الاطلاع على الملف المدرسي للتلميذ، لكنه في الوقت ذاته مطالب بملء دفتر المناداة الذي قد يتضمن معلومات خاصة واردة في الملف المدرسي، ولذلك قد يطلب معلومات شخصية عن التلميذ وعائلته علنًا أمام زملائه، وهو مشكل لم يعالج حتى الآن من قبل المدرسة الجزائرية رغم تطور وسائل التعليم والتعامل مع التلاميذ، وبالخصوص لما يكونون في مراحل عمرية حساسة كالطفولة والمراهقة.

اختلاف

يعتقد مستشار التوجيه والإرشاد المدرسي والمهني يوسف رمضاني أن النظر إلى المعلومات التي يجب أن يقدمها التلميذ للمدرسة وطريقتها تختلف من شخص لآخر، قائلا في هذا الإطار لـ"الترا جزائر" إن "هناك من يرى الحصول على هذه المعلومات جانبا سلبيًا، وهناك من ينظر إليه من زاوية إيجابية، فقد يكون سبب هذه الأسئلة معرفة الجانب الاجتماعي للتلاميذ بغية مساعدتهم من الجانب الاجتماعي، وتقديم الدعم النفسي والعناية الدائمة لهم خاصّة فئة التلاميذ محدودي الدخل".

ويخالف رمضاني من يقولون إن وزارة التربية تهمل الجوانب النفسية والاجتماعية في التكفل والتعامل مع التلاميذ، مبينًا أن "وزارة التربية الوطنية تسعى بشكلٍ كبير للاهتمام بالجانب النفسي والاجتماعي للتلاميذ عن طريق تفعيل دور مستشار التوجيه والإرشاد المدرسي والمهني، من حيث المرافقة والمتابعة النفسية و التربوية للتلاميذ والإرشاد المدرسي، وبالخصوص في مرحلتي التعليم المتوسط والثانوي".

وتابع  رمضاني "أما في مرحلة التعليم الابتدائي، فوزارة التربية الوطنية دائمة التنسيق مع وزارة الصحة و السكان وإصلاح المستشفيات، وذلك بتفعيل دور الأخصائيين التابعين لوحدات الكشف والمتابعة في القيام بالزيارات الميدانية الدائمة والمنتظمة لهذه المدارس؛ كما تسعى الوزارة الوصية خلال العمليات التكوينية للأساتذة إلى تكوينهم في ميدان علم النفس التربوي وكذا علم النفس الطفل والمراهق".

وأكد رمضاني أن "مستشاري التوجيه والإرشاد المدرسي والمهني يقومون بما عليهم من إرشاد ومتابعة ومرافقة نفسية للتلاميذ، وفق برنامجهم السنوي، خاصة مع عملية إدماج حاملي الشهادات التي مكنت من تغطية جل المؤسسات التربوية على مستوى مرحلتي التعليم المتوسط والثانوي".

و حول تعميم عمل مستشاري التوجيه والإرشاد لتشمل المدارس الابتدائية، يوضح رمضاني أنه "لا يمكن حاليًا تعيينهم على مستوى هذه المرحلة، لأن القانون الأساسي الخاص بالموظفين المنتمين لأسلاك التربية الوطنية الحالي لم يتضمن هذه النقطة، لكن مستشار التوجيه المعين في المتوسطات يقوم  بزيارات دورية للمدارس الابتدائية المشرف عليها قصد متابعة الجانب النفسي للتلاميذ بالتنسيق مع الأخصائيين النفسانيين التابعين لوحدة الكشف والمتابعة".

نقابة مستشاري التربية: المدارس الجزائرية لا تتوفر على العدد الكافي من مستشاري التربية بالمرحلة الابتدائية

ورغم عدم تكليف المرشدين بمتابعة تلاميذ المرحلة الابتدائية، إلا أن وزارة التربية لم تعمل حتى اليوم على توفير العدد الكافي من مستشاري التربية بالمرحلة الابتدائية، وفق ما قال المكلف بالإعلام في النقابة الوطنية المستقلة لمستشاري التربية‏ عبد الرؤوف تريكي لـ"الترا جزائر"، الذي أضاف أن بعض مستشاري التربية يكلفون بالإشراف على أكثر من ألف تلميذ، في حين أن القانون ينص على 500 تلميذ على الأكثر، وهو بحد ذاته رقم كبير قد يعيق التكفل الجيد بجميع التلاميذ، لذلك من الواجب اليوم رفع عدد المستشارين لضمان الاهتمام الكامل بجميع التلاميذ.