17-يونيو-2019

الحراك الشعبي تجنّب الدخول في صراعات إيديولوجية (رياض كرامدي/ أ.ف.ب)

حتّى لو استطعنا أن نرمي الباءات وما شابهها من حروف فاسدة خارج السّياق الانتخابي، ونفرض غيرها من الأحرف الجديرة بإدارة مرحلة انتقاليّة، وفق حلّ يجمع بين الدّستوري، بتفعيل المادّة 102 معزّزة بالمادّتين 7 و8 من الدّستور القائم، والحلّ السّياسي، فنحن مطالبون، قبل ذلك، بخطوات، تسبق الانتخابات الرئاسيّة، في مسعى رفع التعسّفات السّياسيّة، التّي وضعتها المراحل السّابقة، في سياقات معيّنة.

كانت مسيرات الجبهة الاسلامية للإنقاذ أقوى المسيرات في التسعينات قبل  توقيف المسار الانتخابي

إذ لا يُعقل أن نباشر انتخابات رئاسيّة نريدها منصّة للانطلاق نحو جمهوريّة جديدة، من غير رفع الحصار القانوني عن بعض المواطنين، في ما يتعلّق بعودتهم إلى البلاد، أو حقّ البعض في التّرشّح لأيّ انتخابات كانت، بما فيها الرّئاسيات. ذلك أن الدّيمقراطية رؤية وممارسة معًا.

اقرأ/ي أيضًا: تحوّلات الرّعب في الجزائر

علينا أن نتجاوز مرحلة فتح الباب، فقط لمن يرضى عنه البوّاب، إلى مرحلة فتحه لكلّ من يملك علاقة مواطناتيّة بالبيت. وإلا نقلنا إلى مستقبلنا ممارسات وإقصاءات الماضي، بكلّ ما يترتّب عنها من أحقاد تفخّخ نسيجنا السّياسي والأمني والاجتماعي.

سأل الشّاعر سليمان جوّادي في تدوينة فيسبوكيّة على صفحته: من يقبل بـ علي بلحاج نائب رئيس "الجبهة الإسلاميّة للإنقاذ" المحظورة رئيسًا إذا ترشّح؟ فعلّقتُ أنّ الرّوح الدّيمقراطيّة الحقيقيّة، التّي تشكّل الحراك الشّعبي والسّلمي من أجل أن تسود، تفرض عليّ أن أومن بحقّه في الترشّح، من باب كونه مواطنًا، وتمنحني الحقّ في أن أناضل في أوساط الهيئة النّاخبة، لا في كواليس العسكر ومن لفّ لفّهم، من أجل ألّا يفوز، من باب كوني أريد دولة مدنيّة يلعب فيها الرّئيس دور شرطيّ ملتقى الطّرق (لا أحبّ مصطلح مفترق الطّرق)، بحيث يسمح للجميع بالمرور، في ظلّ احترام قانون المرور.

اقرأ/ي أيضًا: الجزائر جمهورية وليست مملكة!

في التّسعينيات كانت المسيرات أيديولوجيّة صرفًا، كانت أقواها مسيرات الحزب المحظور قبل حظره، ثمّ صارت، بعد توقيف المسار الانتخابي، مسيرات مضادّة كانت توصف بالعفويّة، من طرف السّلطة، التّي كانت تدعو إليها في الخفاء، وتوفّر لها كلّ إمكانيات الدّولة. أما اليوم، فقد صارت مسيرات شعبيّة شبيهة بالبحيرة التّي تشكّلها ساقيات وروافد، من كلّ الجهات، بما فيها الرّوافد الصّغيرة جدّا (الأطفال). فهل من الانسجام مع هذا الواقع الجديد، أن نذهب إلى رئاسيّات بعقليّة إقصائيّة؟

إنّنا مطالبون اليوم، بأن نفكّر بمنطق المجموعة الوطنيّة، التّي تتعامل مع الاختلافات على أنّها ثراءات، فنحصي الثّمار السيّئة المترتّبة عن عقليّة الإقصاء السّياسيّ والدّيمقراطيّة الجزئيّة، ونتّفق على القطع معها نهائيًّا، حتّى ننتقل من منطق التّنافس على الوطن، إلى منطق التّنافس في الوطن.

على جميع الحساسيات السّياسيّة والفكريّة أن تدرك أن حضورها في المستقبل مرهون بمدى عدم تشويشها على مطالب الشعب

هنا، على جميع الحساسيات السّياسيّة والفكريّة أن تدرك أن حضورها في المستقبل، مرهون عند الشّعب، بمدى عدم تشويشها على مطلبه الرّئيسي اليومّ: إزاحة العصابة، بعدم انخراطها في رفع مطالبها الفئويّة والإيديولوجية، فستحتفظ ذاكرته الجمعيّة بذلك على أنّها خيانة له، في مفصل تاريخيّ يقتضي المكاتفة.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الظلّ الفرنسي في الجزائر.. حقيقة أم وهم؟

مثقّفون جزائريّون يُقاربون الحراك السّوداني