02-يونيو-2020

أصحاب الوظائف اليومية الأكثر تضرّرًا من جائحة كورونا (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

لم تكن الأيام الأولى من فترة الحجر الصحّي في الجزائر سهلة على الجميع؛ فالبداية كانت خانقة لدى ساكنة ولاية البليدة، أولى المدن المتضرّرة من الوباء، ثم اتسعت دائرة الوباء والإجراءات الوقائية في عدد من الولايات الجزائرية، وفُرض الحجر المنزلي عليها، وصولًا إلى مرحلة العدوى الخطيرة مع انتشارها في كامل التراب الوطني، فجاء قرار الحجر شاملًا لكل مدن البلاد بمواقيت محدّدة، متبوعًا بإجراءات أخرى فرضتها الحكومة الجزائرية على المواطنين.

كان الحرفيون والبناؤون أكثر العمّال تضرّرًا في الجزائر، بعدما أغلقت العشرات من الشركات أبوابها

مشاهد يومية

طيلة هذه الفترة، ساد جوّ من التوجّس والقلق عند كثير من الجزائريين، الذين بات انتظار الفرج أهمّ شيء مارسوه، من التجار الذين خسرت تجارتهم الكثير، فمن هم من رمى سلعته الفاسدة، ومنهم من دفع أجرة مسبقة بعامين، لكراء محلات تجارية، دون أن يقابلها أيّ مدخول، أي أن كثيرين لم يتلقوا دينارًا واحدًا طيلة هذه الفترة  بسبب الغلق، يقول بائع الملابس الخاصّة بالأطفال محمد بوديسة لـ "الترا جزائر"، لافتًا إلى أنه لم يأبه للطرق الملتوية التي يقوم بها البعض للترويج لبضاعتهم، في النهاية، "الغلق ولا المرض الفتاك" كما قال.

اقرأ/ي أيضًا: كورونا.. قلقٌ من ارتفاع الإصابات مجددًا بالبليدة وعداد الوفيات يصل 459 وفاةً

بطالة لمدّة تزيد عن شهرين ونصف، وآلاف فقدوا عيشهم اليومي، خصوصًا أولئك الذين كانوا يشتغلون بمقابل أجرة يومية، ومعيارهم الوحيد هو ما يقدمونه من جهد، سيقبضون مالًا مقابله.

في قطاع الشغل، كان الحرفيون والبناؤون أكثر العمّال تضرّرًا في الجزائر، بعدما أغلقت العشرات من الشركات أبوابها، وتوقّفت المؤسّسات عن العمل في ورشات البناء، فضلًا عن البنائين الفرديين الذين يشتغلون في ورشات متنقلين بين مشروع وآخر، إذ بات قدرهم التوقف نهائيًا، في البحث عن عمل في تلك المشاريع أو حتى تشييد بناءٍ صغير، يقول الشاب عبد العالي (39 سنة) القادم من منطقة الشقفة بولاية جيجل، للعمل في ورشة بناء صغيرة بمنطقة دالي ابراهيم بالعاصمة الجزائرية، موضّحًا أنه فقد عمله رفقة عشرات من زملائه في عمليات التشييد والبناء في عدد من ولايات الجزائر، بمجرّد إعلان الحجر المنزلي منذ آذار/مارس الماضي، مضيفًا لـ "الترا جزائر"، أن "الوضع بات مقلقًا لزملائه الذين يعيلون عائلات وأسر، ولا يمكنهم الصبر بدون أيّ دخل، على حدّ تعبيره.

الواقع أمر آخر

 تضرّرت آلاف العائلات الجزائرية بسبب فقدان معيليها لوظائفهم، إذ أحيل كثيرون على البطالة بسبب ارتباطهم بالوظائف اليومية في الأسواق وفي وسائل النقل الخاص وفي ورشات البناء والمراكز التجارية ومحلات الأكل السريع والمطاعم والمقاهي، فضلا عن الأعمال التي تسترزق منها العشرات من العائلات، وغيرها من الأعمال اليومية التي باتت متوقّفة ورهينة تدابير الحجر الصحّي والإجراءات التي اتخذتها الحكومة حيال الوضعية الوبائية بسبب فيروس كورونا.

التصريحات التي تدلي بها الحكومة الجزائرية، والقرارات المتخذة من أجل طمأنة قطاع اسع من الجزائريين، وصرف منح للمتضرّرين، أو تعويضهم، لن تكون وسيلة لإنقاذ العائلات الجزائرية، في ظلّ انخفاض المداخيل الجزائرية من قطاع المحروقات، بسبب الأزمة الاقتصادية التي ألقت بظلالها على كل اقتصاديات العالم بسبب جائحة كورونا.

تحمّل الخزينة

اقتصاديًا، الحكومة الآن لن تكون أمام خيارات عديدة، يقول الأستاذ في العلوم الاقتصادية عبد الرزاق سعيداني لـ "الترا جزائر"، معترفًا أن البدائل ليست متوفّرة للجزائر على اعتبار أن اقتصاد البلاد ببساطة مبنيٌّ على مداخيل البترول، موضحًا أن الأخير عرف هزّة منذ أشهر بانهيار الأسعار، وهنا يمكن طرح سؤال جوهري: "هل بإمكان الحكومة الحالية إيفاء وعودها تجاه المواطن؟وهل باستطاعتنا أن نكمل مشاريع السكنات الاجتماعية، وتوفير المنح الخاصّة بالعائلات الفقيرة وإغاثة سكان مناطق الظلّ؟

اجتماعيًا، لا يمكن أن يغضّ الشارع الجزائري الطرف عن أزمة حقيقية، لاحت تداعياتها على القدرة الشرائية للمواطن الجزائري، في شهر رمضان الفائت، يقول الناشط الحقوقي السعيد مسراتي في حديث إلى "الترا جزائر"، إن "الجزائريين جاعوا وعرفوا حجم العوز، رغم العمليات التضامنية التي انتشرت في ربوع البلاد، لكنها في النهاية لا تحفظ  الكرامة" كما  قال، مضيفًا أنه لا يمكن أن نأخذ عينات فقط من المدن الكبرى، بل لنذهب إلى القرى والمداشر والمدن الداخلية التي كان مدخول الأسر مبني على التجارةأو الخدمات، ولا مدخول شهري لها، على حد تعبيره.

في هذا السياق، أكّد المتحدّث أن حل الأزمة لا يتمّ عن طريق جرعة تعقب الصدمة الحقيقية، لأن صدمات الأزمة الوبائية ستلقي بظلالها على السنتين المقبلتين، اقتصاديًا واجتماعيًا، وتؤثر على جيوب الجزائريين، وعلى مناصب الشغل أيضًا.

التفكير في حلول مستقبلية

عدّة مقترحات تلوح في الأفق، تزامنت مع الهزّات الأولى لأزمة كورونا في نهاية آذار/مارس الماضي، إذ باتت الجزائر كغيرها من الدول محكومة بضرورة تسيير الوضع الاقتصادي، من جهة، و إحلال مبدأ تكافؤ التضامن الاجتماعي على الفقراء و المعوزّين من جهة أخرى، في إطار سياسة الحلول الاجتماعية للأزمات، لكن في المقابل يطرح الأستاذ في علم الاجتماعي السياسي عبد النور بن دكير، أن" السلم الاجتماعي لا يمكن أن يكون حلا دائما، محذرًا في تصريح لـ"الترا جزائر" من غضب الشارع  بسبب البطالة والأجور".

وقال الأكاديمي بن دكير، إن الحكومة الحالية، لديها تقارير " كافية وشافية" عن الوضعية الاقتصادية لمختلف المؤسّسات العمومية والقطاعات التي خسرت مع أزمة كورونا 50 في المائة من رأسمالها بتوقيف العمل، وتدهور على مستوى منشآت البنية التحتية، وتوجيه مقدرات الدولة نحو معالجة أزمة صحيّة وتدعيم قطاع الصحة وضخ الأموال في حسابات المتضررين، في انتظار إصلاح منظومة الصحة والتربية والتعليم وكذا المصانع.

وشدّد المتحدّث، أن الجزائر ليست بمعزل عن العالم من الأزمة التي مست عدة قطاعات البلاد، لكنها إضافة إلى ذلك ورثت حملًا ثقيلًا عن فترة الفساد السابقة التي عشعشت في منظومة الحكم خلال رئاسة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، والقضايا التي تكشف كل مرّة للرأي العام وهي بدورها تحتاج إلى إصلاحات تستغرق وقتًا طويلًا، على حد تعبيره. 

كثيرون يطرحون اليوم، فرضية ضرورة إعادة تقييم سلّم المهن والوظائف في الجزائر

كثيرون يطرحون اليوم، فرضية ضرورة إعادة تقييم سلّم المهن والوظائف في الجزائر، وما يرافقها من شروط الحماية الاجتماعية للعمال، فضلا عن البحث عن خلق وظائف في قطاعات مازالت قطاعات خامة، كالقطاعات الخدمية، وقطاع التعليم، علاوة على قطاع الفلاحة  الذي يثير المختصون أنه قطاع المستقبل لتعويض سيطرة فكرة الريع البترولي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

تندوف آخرها.. وباء كورونا يتفشّى في 48 ولاية

أطباء في مصحّات الحجر الصحّي.. وجهًا لوجه أمام فيروس كورونا