27-فبراير-2020

ناشطون في مجال البيئة طالبوا بمحاكمة قاتل الأحصنة (الصورة: ويكيميديا)

ليست منطقة الأوراس، التّي تضمّ عدّة ولايات منها باتنة وخنشلة وأمّ البواقي، منصّةً لانطلاق ثورة التّحرير في الفاتح من شهر تشرين الثاني/نوفمبر عام 1954 فقط، بل هي أيضًا نسيج أيكولوجيّ وبيولوجيّ وأنتروبولجيّ أيضًا، حتّى أنّ بعض الفرنسيّين سمّوها "عشّ الأسطورة"، التّي ارتبط بعضها بوجود حيوانات حملت صفة "البربريّة" نسبة إلى الأمازيغ، وتعني "الأصليّة"، ولا توجد إلّا في تلك المنطقة.

صُدم الجزائريّون، بصور مقتل الأحصنة  بالرّصاص من طرف فلّاح تقول المصادر إنّها أزعجته

انقرضت بعض تلك الحيوانات، مثل الأسد الذّي تنتشر قصص بعض الرّجال الشّجعان في مشاجرته، أو في مصادقته، وبقيت أخرى على استحياء، مثل الغزال البربريّ والحصان البربريّ الذّي تذهب بعض النّظريات إلى كونه منحدرًا من سلالات قديمة نجت من العصور الجليديّة، وهو ما أكّده الخبراء في علم المتحجّرات الحيوانيّة ما بين عامي 1987 و2002.

اقرأ/ي أيضًا: حرائق الغابات في الجزائر.. تجارة الفحم تنتعش قبيل عيد الأضحى

في غابات منطقة مصارة وبوحمامة وأولاد يعقوب، التّابعة لولاية خنشلة التّاريخيّة، من زاوية سبقها في اندلاع ثورة التّحرير عام 1954، واندلاع الحراك الشّعبيّ والسّلميّ عام 2019، كنّا نجد نخبة من الأحصنة البربريّة التّي تمنح للمكان نكهة خاصّة وللإنسان امتلاءً، برؤية شريك تاريخيّ في الفضاء والعطاء، رغم أنّها أصبحت برّية وسرعان ما تفرّ بمجرّد سماع الأزيز أو الضّجيج.

وقد صُدم الجزائريّون، الأربعاء، بصور قتلها بالرّصاص من طرف فلّاح تقول المصادر إنّه ادّعى كونها أزعجته بإتلاف محاصيله الزّراعيّة، فلم يُبقِ منها إلّا مهرًا صغيرًا كان ينتظر في الجنبات أمّه.

يقول الكاتب والنّاشط جلال حيدر، الذّي كان سبّاقًا إلى إثارة الموضوع إنّ قلبه يتمزّق حين يتذكّر أنّ المهر الصّغير سيبيت وحيدًا ويعدو في الغابة حتّى يموت، "حين أتذكّر أنّ صاحب الأحصنة، وهو شيخ مسنّ يقيم في كوخ معزول، سيدخل في حداد طويل قد يتسبّب له في أزمة قلبيّة، لأنّه لم يرزق بأطفال، فاتّخذ من الأحصنة أولادًا".

سألني مرّة، يقول جلال حيدر، هل تدري لماذا أعامل أحصنتي البربريّة بصفتها أولادًا؟ مرضت ذات يوم، فلم يزرني لا أب ولا أخت ولا عمّ ولا عائلة، ما عدا مهرة سمعت سعالي، فدفعت الباب وارتمت على فراشي".

في هذا السياق، تداول فسابكة جزائريّون صور الأحصنة المقتولة، ومشهد المهر الصّغير وهو يعاين أمّه، فخلقت حالة من الاستنكار نافست في التّداول أخبارًا بارزة مثل وصول فيروس كورونا إلى الجزائر، قيل إنّ حالة منها في منطقة الأوراس نفسها، وإطلاق سراح خالد تبّون نجل رئيس الجمهوريّة، في محاكمة أثارت كثيرًا من الجدل.

وقالت الجمعيّة الولائيّة "الأرز" للمحافظة على البيئة والتّنمية المستدامة، في صفحتها الرّسميّة، إنّها جريمة في حقّ التّنوّع الحيوانيّ، اقترفها ببرودة مجرم في حقّ خيول بربريّة، كانت تسرّ وترحّب بكلّ من يزور منطقة مصارة وبوحمامة وغابات أولاد يعقوب، "يقول هذا المجرم إنّها تعدّت على حدود أراضيه، ولا يعلم أنّه هو من تعدّى على موطنها الأصليّ".

 من جهته كتب الكاتب خالد فضيل من ولاية بجاية: "بصفتي ناشطًا بيئيًّا أستنكر هذا الفعل الإرهابيّ والإجراميّ، في حقّ الحيوان، وأطالب بفتح تحقيق لمحاسبة هذا المجرم على فعلته". فيما حذّر الإعلاميّ السّعدي ناصر الدّين من مجاز شبيهة، قد تقترف في حقّ الأحصنة البربريّة في مناطق أخرى. يقول: "شيليا تقتل جيادها. حذار من انتقال العدوى إلى منطقة أولاد عسكر في جيجل ومقرس في سطيف".

يجب التعويل على الضّغط الشّعبيّ في حمل الحكومة على التحرّك في اتّجاه تفعيل القوانين الهادفة إلى حماية الحياة البرّية

باتت هذه التجاوزات في حق البيئة عمومًا، تجد استنكارًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي، مثلما لمسنا ذلك العام الماضي، حيث تمّ قتل النّمر الهارب من حديقة الحيوانات في ورقلة، ولمسناه هذه المرّة مع إعدام الأحصنة البربريّة في ولاية خنشلة. وهو الضّغط الشّعبيّ المعوّل عليه في حمل الحكومة على التحرّك في اتّجاه تفعيل القوانين الهادفة إلى حماية الحياة البرّية.

 

كارثة أيكولوجية.. الثروة الحيوانية والغابية في خطر

ورقلة.. النمر الذي يُخفي الغابة