17-أبريل-2022

عائلات المهاجرين السريّين الجزائريين القابعين في سجون تونس يحتجون أمام الخارجية (الصورة: الترا جزائر)

أعاد طرح قضية المهاجرين السريّين الجزائريين الذين فقدوا في ليلة الثامن من أكتوبر من العام 2008، في السواحل التونسية، الجدل مجدّدًا حول حقيقة مصيرهم وفتح جدلًا في الجزائر، في ظلّ تمسّك عائلاتهم بالحقيقة واستبقائها للأمل ولو كان خيطه رفيعًا، وطرح فرضية إمكانية العثور عليهم  أحياء.

 تنفي السّلطات التونسية على لسان الرئيس  قيس سعيد وجود جزائريين في سجونها لهم علاقة بالهِجرة السرية

في مقابل ذلك، تنفي السّلطات التونسية على لسان الرئيس قيس سعيد في زيارته للجزائر ، وجود جزائريين في سجونها لهم علاقة بالهِجرة السرية، ولكن السجناء يكونون قد تورّطوا في قضايا أخرى.

14 سنة

تعيش عائلات المهاجرين السريين الجزائريين، على أمل العثور على ذويها، على الرغم من مرور 14 سنة من فقدانهم، إذ ترفض حتى الآن التسليم برواية موتهم في عرض البحر، هذه القضية الملتبسة، عادت للظهور مجددًا عقب الخبر الذي "زفّته" السلطات الجزائرية للعائلات، إذ أبلغتهم بمحاضر رسمية من قبل السلطات الجزائرية -حسب الوثيقة التي استلمتها العائلات -بأن "أبنائهم الذين تمّ توقيفهم من قبل خَفَر السواحل التونسية، سيتم تقديمهم للمحاكمة في المحكمة الابتدائية في الكاف التونسية".

لكن لحدّ اللّحظة التي استفاقت فيها العائلات المعنية من تلك الفرحة المؤقتة، اكتشفت خطأ في قراءة المحاضر "الوثيقة" أو التباس في تأويلها بأن الأمر يتعلق بـ"جلسة استجواب للعائلات في قضية تخصّ أطُر تنفيذ  العدالة الانتقاليةفي تونس، تحت مظلة هيئة الحقيقة والكرامة"، إذ وجّهت الأخيرة تهمًا لأمنيين تونسيين تتعلق بتجاوزات والاخفاء القسري في حقّ مهاجرين من بينهم جزائريين، وبذلك ستكون العائلات حسب القضاء التونسي كطرف مدني يتم الاستماع لهم في إطار " جلسة استجواب" لفائدة العائلات في حقّ أبنائها المفقودين.

واللاّفت للانتباه، أنه بعد الثورة في تونس، شجّعت الظروف السياسية هذه العائلات أن تسافر إلى تونس لتبحث عن أبنائها، وعملت اتصالات كثيرة مع هيئات حقوقية وإنسانية في تونس، ونجحت في 2013 في تشكيل ملف على مستوى "هيئة الحقيقة والكرامة"، المكلّفة بالعدالة الانتقالية في تونس، يخصّ اختفاء قسري جماعي لهؤلاء المهاجرين، والملف تحول فعلًا إلى قضية على مستوى المحكمة الابتدائية في ولاية" الكاف" القريبة من الحدود الجزائرية التونسية.

وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ العدالة الانتقالية، هي متتالية من التدابير القضائية التي أعدتها الهيئة الدستورية "الحقيقة والكرامة"، والتي تلقت عشرات الملفات حول الانتهاكات والتجاوزات والفساد في فترة ما قبل ثورة تونس أي قبل 2011، ويدخل ملف الجزائريين المفقودين ضمن الملفات التي تلقتهم الهيئة التي ترأسها الحقوقية سهام بن سدرين، إذ استمعت لعائلات الحراقة في السنوات السابقة أي منذ 2014، إذ تستهدف إلى "جبر الضّرر" وتتوجه بالخصوص إلى ردّ الاعتبار لكلّ الأشخاص الذين ثبت في حقّهم انتهاكات حقوق الانسان، إذ تقوم على أسُس: الحقيقة والمساءلة والمحاسبة والمصالحة.

خُطوات العدالة

شكّلت هيئة الحقيقة والكرامة ملفًا خاصًا بالعائلات الجزائرية، ووجهت تهمًا لعناصر أمنية بضلوعها في فقدان المهاجرين الجزائريين السرّيين، وأنهت تسجيل مقرّرات رسمية، وتم فتح القضية ضمن خانةملف حقوق إنسان، وأحيل الملف للغرفة القضائية المختصة في قضايا العدالة الانتقالية لدى محكمة ولاية" الكاف"  

وعليه، باشر الجهاز القضائي في عملية الاستماع لأمنيين تونسيين في قضية اختفاء قسري لعدد من المهاجرين الجزائريين، وهو ما أرجع الأمل للعائلات في العُثور على أبنائها الذين اختاروا الهجرة السرية من سواحل عنابة شرق الجزائر.

خطأ رسمي 

الخطأ الذي ارتكبته السلطات الجزائرية فيما تعلق بالمحضر، كلف العائلات بالتنقل إلى مدينة " الكاف" الحدودية، بعد أن تم التصريح لهم بدخول الأراضي التونسية بتصاريح خاصّة، لحضور الجلسات المقررة في الـ 15 نيسان/أبريل الجاري، كما أنها حمّلت العائلات السلطات بالتلاعب بهم.

وقال بعض أقرباء المفقودين في تصريحات لـ"الترا جزائر" أنه تمّ تظليلها دون التأكد من وجود جزائريين موقوفين منذ 14 سنة في السجون التونسية.

من جهته، ردّ القنصل الجزائري على مستوى القنصلية الجزائرية في "الكاف" أنه وقع خطأ في صياغة المحاضر التي سلمت للعائلات، وهو ما انجر عنه أثر نفسي على العائلات التي فقدت "خيط الأمل" الذي تمسكت به بعد مضي 14 سنة من اختفاء أبنائها.

تنتظر العائلات الجزائرية، بحسب شهادات البعض في حديث إلى "الترا جزائر"، بصيص أمل ينير عتمة قلق سنوات طويلة على فلذات أكبادها، حيث تهرع لأي جديد في حقهم، خصوصًا بعد إحياء الجرح والتطلع لمعرفة حقيقة ملف أبناءها، الذين غادروا الجزائر عبر سواحل عنابة في رحلة سرية نحو إيطاليا، غير أن ما أفيد وقتها في 2008 أن الرياح قادتهم إلى سواحل منطقة طبرقة التونسية.

وأفادت مصادر لها علاقة بملف المهاجرين السريين المفقودين، أن هذه القضية " ملغومة" خصوصًا وأن السلطات التونسية نفت نفيًا قاطعًا بوجود جزائريين في السجون التونسية لهم علاقة بمسألة الهجرة السرية.

عدّة تناقُضَات

لقد فتح الملفّ جرحًا غائرًا لم يلتئم بعد في قلب أهالي المفقودين من " الحراقة"، إذ أحيا هذا الملفّ ثلاثة مسائل متناقضة، أولها  أعاد الملف إلى الواجهة، وبعث الأمل في إمكانية أن أولادهم لازالوا على قيد الحياة، على أمل الفرح الكاذب كوجه ثاني للمفارقة الإنسانية.

وبذلك، لازالت هذه العائلات بعد 14سنة تحمل بعض الأمل في إمكانية العثور على أولادهم رغم أنهم لا يملكون حتى معلومة أي شيء يتركهم يتمسكون بهذا الأمل.

جانب آخر وراء قضية الهجرة السرية، هو الوجه الثالث، الخاص بالمهاجرين أنفسهم، فعندما يتخذون قرار الهجرة السرية، ينسون في خضمها عائلاتهم والضرر الذي سيقع عليهم، إذ يفكِّر كل شاب في مصلحته ونفسه وصناعة مستقبل لنفسه، لكنه يتجاهل أنه قد يتسبب في مأساة اجتماعية، لأنها ستظل العائلة تبحث عنه ولن تهدأ حتى تجده حيّ أو جثة، وتتعب وتعيش على ذلك الأمل-الوهم، كما أنها تتعب أثناء تقفي أثره.

بين هذه الأنباء وخلال سنوات الانتظار، هناك وجه رابع للحقيقة المرّة، أبطالها الأمهات والآباء والأقارب، الذين أصيبوا بأمراض بسبب البحث عن أبناءها، وتمسكهم بقشة الصبر وانتظار حقيقة نهاية القضية، كما أن هذه العائلات تعرّضت للابتزاز من طرف شبكات تبتز ّهم بالمال مقابل معلومات عن أبناءها، بحسب الشهادات نفسها.

مجتمع عائلات الحراقة

بين الخوف والتوجس والانتظار وملاحقة خيط رفيع للكشف عن الحقيقة، دفعت الهجرة غير الشرعية كظاهرة اجتماعية إلى تشكّل مجتمع صغير، أو بالأحرى "مجموعة عائلات الحراقة المفقودين " التفوا على وجع واحد والبحث عن مُسكِّن لآلام فكّ أزمة مسدودة الأفق دامت لسنوات طويلة، في المقابل، زادت هذه القضية في تمتين رابطة صداقة فيما بينهم، وخفّفت من وطأة الألم إلى حين.

كما دفعت هذه المأساة العائلات إلى التنظّم في شكل لجان وجمعيات وأخذت خطوات ميدانية، كما نظمت وقفات في البرلمان، وأمام وزارة الخارجية، وأمام مقر ولاية عنابة، كما أنهم تنقلوا إلى السفارة الجزائرية في تونس.

بات الأمر يتطلب تدخلًا حاسمًا من السلطات الجزارية

لكن للقضية متابعة مادامت لم تعرف نهاية، إذ بات الأمر يتطلب تدخلًا حاسمًا من السلطات الجزارية، لأنها هي التي تمتلك مختلف الوسائل والآليات لإغلاق الملفّ وتنهي بذلك "الأمل الكاذب" الذي تعلّقت به العائلات أو التحقيق في خلفيات هذه القضية.