مع تواصل الحراك الشعبي الرافض لنتائج الانتخابات الرئاسية، تتّجه الأنظار في الجزائر إلى مرحلة التهدئة التي يسعى إليها الرئيس عبد المجيد تبون، وتنفيذ وعوده التي أطلقها خلال الحملة الانتخابية، وهو ما يضع أمامه ملفّات ساخنة بشكلٍ مستعجل على طاولة الحوار التي دعا إليها، لإطفاء غليان الشارع الجزائري، وإيجاد مخارجٍ لامتصاص غضب المنتفضين لعشرة أشهر كاملة، إضافة إلى طمأنة الجزائريين، بعد تزعزع الثقة بينهم وبين السلطة، وفتح ورشات عمل على ملفّات سياسية من شأنها إحداث قطيعة مع "ممارسات المنظومة القديمة"، كما وصفها في تصريحاته.
الحوار السياسي مع ناشطين من الحراك الشعبي، من الملفّات العاجلة التي تنتظر الوافد الجديد لقصر الرئاسة الجزائرية
خطوة إلى الخلف
لا يمكن أن يبدأ الرئيس تبون أوّل صفحة لعهدته الرئاسية، دون تنظيف البيت السياسي من حوله، لضمان المرور نحو تنفيذ وعوده الانتخابية، إذ يقرأ الباحث في العلوم السياسية عبد الله مدور، أنّ الرئيس عليه أن "يضع آليات للحوار" الذي يُريده مع مكوّنات الحراك الشعبي، بعدما أبدى نيّة "اليد الممدودة للحراكيين"، وهي الخطوة التي من شأنها أن "تكسبه رهان الذّهاب نحو إصلاحات سياسية سبق له أن تحدّث عن خطوطها العريضة، كتعديل الدستور، وحلّ البرلمان وتشكيل حكومة تكنوقراطية تماشيًا مع ما تتطلبه المرحلة المقبلة".
اقرأ/ي أيضًا: رسميًا.. الرئيس تبون يؤدّي اليمين الدستورية قبل نهاية الأسبوع
ملف الحوار السياسي مع ناشطين من الحراك الشعبي، من الملفّات العاجلة والمهمّة التي تنتظر الوافد الجديد لقصر الرئاسة الجزائرية، ملف في حدّ ذاته ليس بالهيّن، إذ يترنّح بين إقناع قطاع واسع من الجزائريين بجدوى قبول الحوار.
هذه الخطوة التي أعلن عنها الرئيس المنتخب، أكسبت الحراك الشعبي قوّة بحسب ناشطين. هنا، يقول النقابي في قطاع التربية محمد بن دالي لـ"الترا جزائر"، إنها بادرة إيجابية تحتاج إلى ضرورة التعقل والحكمة، مضيفًا أن "الاحتجاجات والمسيرات باتت طيلة الفترة الماضية، شوكة في حلق السلطة، وعلى الأخيرة أن تضع آليات الحوار حتى لا تصاب بالخيبة".
وأضاف النقابي بن دالي، أن "أي إصلاحات ستقدم عليها السلطة ستكون منقوصة إن لم يتم تلبية جميع مطالب الحراك الشعبي؛ وأهمها إطلاق سراح مساجين الرأي والناشطين".
وفي سياق متّصل، يعترف كثيرون أن الجزائريين لا يريدون تقدمًا للخلف، بعدما حقّق الحراك مكاسب على الصعيد السياسي. هنا يقول الناشط بن دالي، إنّه رغم الرفض الشعبي ومقاطعة أزيد من 14 مليون ناخب للانتخابات، إلا أنها في نظر البعض خطوة نحو الأمام لحلحلة الأزمة الدستورية التي أوجدها الحراك الشعبي، ودفعت باستقالة الرئيس بوتفليقة، وإلغاء انتخابات 18 نيسان/أفريل و4 تموز/جويلية الماضيين، ورغم إصرار الشارع في مسيراته على عدم إجراء انتخابات بـ"وجوه شاركت في منظومة الحكم القديمة"، إلا أن ذلك "يشكّل نصف الحلّ، للمرور نحو تجديد الساحة السياسية، وإعطاء نفس جديد بعد حالة القلق التي عاشها الجزائريون خلال سنة 2019".
مع مرور مرحلة الانتخابات، برزت في الساحة الجزائرية، عدة قراءات للوضع المستجد، خصوصًا وأن البعض يرى أن الاستحقاقات الأخيرة، لم تحلّ الأزمة السياسية التي ظلّت على حالها منذ استقالة الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة في الـ2 من شباط/فيفري الماضي.
أولوية تعديل الدستور
وبعد غلق اللعبة دستوريًا من قبل الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة عبر مواد الدستور التي عطلت الحكم بعهدة رئاسية مدى الحياة، سبق للرئيس تبون أن أعلن عن إجراء تغيير عميق في الدستور مستعينًا بالكفاءات الجامعية والنخبة في الداخل والخارج، من أجل إثراء مواده وعرضه على استفتاء شعبي، غير أن هذه التعديلات التي ستمسّ الوثيقة الدستورية تحتاج إلى ورشات عمل متواصلة ومركّزة.
في هذا السياق، يقول المحامي محمد فلاق لـ" الترا جزائر"، إنّ التعديلات تحتاج إلى إعادة قراءة في الدستور الحالي، وتأسيس لقطيعة مع منظومة قانونية، تسبّبت في جعل مؤسّسات الدولة في يد الرئيس فقط، موضحًا أن هامش العمل التشريعي كان مكبّلًا بروح الدستور الحالي، وهو برأيه يحتاج بدوره عدة ورشات تفكير ومشاورات وتقنيين، "حتى نخرج من الأزمة التي تركها الرئيس بوتفليقة إذ جعل من كل القوانين تعمل لفائدته، بتوسيع صلاحياته متعدّيًا بذلك على قيمة السلطة التشريعية والقضائية والتنفيذية، بل وتركها جميعًا تحت تصرّفه، بضمانة دستور على المقاس".
التزم الرئيس تبون أيضًا، بمراجعة قانون الانتخابات بهدف "الوصول إلى مؤسّسات منتخبة فعالة في الميدان، لها مصداقية كاملة لأخذ القرار"، مشدّدًا على أهميّة فصل المال عن الانتخابات. وذلك ما يعني أن الرئيس أمام تركة سياسية ثقيلة من المرحلة السابقة، من بينها اختلاط المال بالسياسة والانتخابات، وهو ما يحتاج إلى رقابة قانونية مشدّدة، في الممارسة السياسية.
علاوة على الملفّات السابقة، تبقى الحكومة المنتظر أن يشكّلها الرئيس هي الأخرى تحت مجهر الجزائريين، بعد أن ظلّت حكومة نور الدين بدوي المرفوضة شعبيًا، تقوم بتصريف الأعمال خلال الأشهر الأخيرة، وهو ما يعني أن اختيار الطاقم الحكومي لن يكون سهلًا على الرئيس، خصوصًا وأن حكومة تكنوقراط بعيدًا عن حكومة نابعة من الأغلبية البرلمانية، هي من ستكون القادرة على قيادة سفينة التنمية وفتح المجال للاستثمارات واتخاذ قرارات حاسمة.
يبدو أن الرئيس تبون أمام مرحلة تفكيك الألغام التي أوجدتها ظروف المرحلة السابقة
تحفيز سياسي
الأنظار ستتجه أيضًا إلى فرضية حلّ البرلمان، وإجراء انتخابات تشريعية مسبقة، وهي فرضية في نظر البعض من بين أولويات المرحلة القادمة، في انتظار تعديلات على قانون الانتخابات، وفتح المجال أمام "تأسيس أحزاب يقودها شباب"، وهو ما يمكن تحقيقه في أجواءٍ نظيفة ومشجّعة للكوادر للانخراط في الفعل الحزبي والفاعلية السياسية.
يبدو أن الرئيس تبون أمام مرحلة تفكيك الألغام التي أوجدتها ظروف المرحلة السابقة، بداية من الشارع وأولويات الشقّ السياسي لما بعد الانتخابات الرئاسية، عقب إجرائها على أرضية مأزومة، في مقابل الكم الهائل من الإحباط الذي يشعر به الجزائريون من سنة تكاد أن تنقضي، إذ يُنتظر أن تكون نهايتها بقرارات من شأنها أن تعيد للبلاد حركتها نحو البناء ومواصلة حلّ ملفات الفساد وإعلاء كلمة الحقّ والقانون.
اقرأ/ي أيضًا:
الانتخابات الرئاسية.. احتجاجات ومواجهات أمنية وغلق لمراكز انتخابية
مخاوف من تزوير الانتخابات.. هل ستعود السلطة إلى عادتها القديمة؟