11-ديسمبر-2019

مكاتب حملات مرشحي الانتخابات سجّلت عدّة تجاوزات (تصوير: رياض كرامدي/أ.ف.ب)

لا يغيب هاجس التزوير والتلاعب بسير الانتخابات الرئاسية في الجزائر المرتقبة في الـ12 من كانون الأوّل/ ديسمبر الجاري، عن خطابات المترشّحين وتحذيراتهم المتكرّرة للسلطة وإداراتها، من مغبّة الإقدام على أي تصرّف يخلّ بنزاهتها، رغم وجود سلطة مستقلّة للانتخابات نُقلت إليها كامل صلاحيات تنظيم ومراقبة الاستحقاق الانتخابي، وحصولها على التزامات سياسية وتعهّدات أعلنها قائد أركان الجيش الفريق أحمد قايد صالح.

هدّد المترشّح للرئاسيات عبد القادر بن قرينة بإطلاع قائد أركان الجيش على تجاوزات الحملة الانتخابية

تحذيرات مشروعة

حتى في وهج الحملة الانتخابية والمهرجانات الشعبية، لم تغب فكرة تزوير الانتخابات عن خطابات عدد من المرشحين للرئاسيات، وهو ما تجسّد في رصد جملة من الخروقات أو الممارسات من قبل المؤسّسات والإدارات الحكومية ذات الصلة، للدفع نحو تأييد مرشّح على حساب آخر.

اقرأ/ي أيضًا: سلطة الانتخابات تجرّ أربعة متّهمين بالتزوير إلى القضاء

لعلّ عبد القادر بن قرينة أكثر المرشّحين الذين تحدّثوا عن تزوير الانتخابات، حيث رصدت مكاتب حملته الانتخابية، محاولات دعم إدارات حكومية لمترشّح معيّن، ومحاولة هيئات أخرى توجيه منظمات محليّة لدعم مرشّح آخر، وهدّد بن قرينة بوضع قائد أركان الجيش في صورة هذه التجاوزات وإبلاغه بتفاصيلها.

من جهته أوضح مرشّح حزب جبهة المستقبل، عبد العزيز بلعيد، تخوّفه من التلاعب بالانتخابات، إذ أعلن في تجمع شعبي خلال حملته الانتخابية بولاية الجلفة، أن عملية شراء الأصوات والضمائر ما زالت متواصلة، إذ اعتبرها "ظاهرة لا يمكن إغفالها في مثل هذه الظروف"، وشدّد المتحدّث على أن "سلوك بيع الأصوات خلال الاستحقاق الانتخابي قضية خطيرة تهدّد مسار الانتخابات ولا يمكنها أن تستمرّ".

وأفصح بلعيد في تجمعه بالجلفة، عن عودة ما أسماه بـ" أصحاب المال لشراء الأصوات وسيطرتهم الواضحة على الساحة السياسية والاجتماعية لتوجيه الانتخابات القادمة"، مشدّدًا على أن هذه الطريقة ستعكّر الأجواء التي يريدها لسير انتخابات الرئاسة، على حدّ قوله.

يتطرّق رئيس حركة البناء المحسوب على التيّار الإسلامي عبد القادر بن قرينة، في إحدى تجمّعاته الشعبية إلى أنّ "مسؤولين في بعض الولايات لديهم نية مبيتة للتلاعب بالانتخابات والتأثير على بعض الزمر وتوجيهها لصالح مرشّح معيّن"، وهي التصريحات التي أثارت أكثر من تساؤل، أهمّه أن مرشّح البناء لا يرى أنّ السلطة العليا للانتخابات قادرة على قطع الطرق أمام المشوّشين على نزاهة الانتخابات، بحسب الباحث في العلوم السياسية نورالدين محمودي، الذي يوضح في حديث لـ"الترا جزائر"، أن بن قرينة لم يتوجّه إلى المؤسسة الرسمية المشرفة على الانتخابات وهي الهيئة العليا للانتخابات بالشكوى وفضّل التوجّه إلى قيادة المؤسّسة العسكرية الراعية للانتخابات، وهو ما يعني أنه "أدرك محدودية قدرة السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات، على معالجة الاختلالات، والحدّ من التجاوزات التي تخل بنزاهة وشفافية الاستحقاق الرئاسي القادم".

ضمانات السلطة

من جهته، أعرب علي بن فليس مرشّح حزب طلائع الحرّيات، عن مخاوفه من التلاعب بالانتخابات، إذ أكّد في عدّة خطابات أن "أوضاع البلاد لا تحتمل أي تلاعب بالانتخابات"، لكنه خلال تجمعه بولاية سكيكدة في إطار الحملة الانتخابية، أبان عن مخاوف كبرى من التزوير وقال إن "البلد بحاجة إلي انتخابات نزيهة وشفافة"، محذّرًا من مغبة التزوير الذي قال عنه إنه سيعقد الوضع بشكل كبير، على حدّ قوله.

وأضاف بن فليس: "نريد انتخابات نقيّة لأن وضع البلد لا يحتمل المزيد من التلاعبات، وخطورة الأزمة التي نعيشها تستوجب انتخابات نزيهة ونظيفة، ولا حلّ للأزمة السياسية إلا بضمان انتخابات حرّة ونزيهة".

مخاوف رئيس الحكومة الأسبق تفيد أنّه لا يتحّدث من فراغ، خصوصًا وأن لديه تجربة سابقة في موعدين انتخابيين سابقين، في سنة 2004 و2014، وهو الذي اشتكى كثيرًا من التزوير في هذين الاستحقاقين الانتخابيين وواجه أعتى آلة الإدارة في المعترك السياسي، إذ "يحق له التخوف لمعرفته كثيرا بدواليب إدارة الانتخابات وتشعباتها"، كما يقول الناشط الحقوقي محمد بودهان في حديث إلى"الترا جزائر"، موضحًا أن "التجربة السياسية وتجربة الدولة لدى هذا المرشّح تدفعه دومًا إلى وضع محاذير التزوير والتلاعب بالأصوات، ففي النهاية لا يمكن مراقبتها مراقبة صارمة، أمام تجربة حديثة مع السلطة العليا للانتخابات وتنظيم انتخابات في هذه الظروف التي تتّسم بالتشويش سياسيًا ومجتمعيًا" كما قال.

وفي سياق آخر يحذّر المرشّح الرئاسي عبد المجيد تبون، من مشهد آخر للتلاعب والتأثير في السير الطبيعي للانتخابات، ويعتقد أنه تعرّض لمضايقات ممنهجة وحملة تشويه طالته لإخراجه من السياق الانتخابي، وقال في إحدى تصريحاته ضمن الحملة الانتخابية إن هناك حملة لزحزحته من المنافسة، بعدما شعر "البعض أنه يمتلك شعبية كبيرة".

لعبة قديمة

تقرأ بعض الأوساط السياسية في الجزائر، مخاوف التزوير قراءة أفقية؛ أي أنها "غير مبرّرة" مثلما قالت نجية سلامي أستاذة علوم الإعلام والاتصال، متسائلة عن سبب ترشّحهم منذ البداية ما دامت العملية برمّتها غير نزيهة، على حدّ قولها، "إذ كان عامل التلاعب بالعملية الانتخابية واردًا جدًا، لأنّها لم تكن مؤسّسة على قواعد ديمقراطية بحتة"، وتضيف سلامي في حديث لـ"الترا جزائر"، أن "التلاعب قائمٌ ما دمنا في وضعية غير هادئة وانتخابات الرئاسة هذه المرّة تأتي في ظرف حساس جدًا، ما زالت وسائل وأدوات المنظومة القديمة تلعب على أحبالها".

تتوقّع المتحدّثة أن يُعلّق مرشّحو الرئاسيات فشلهم في الانتخابات، على مشجب التزوير، لأنهم يدركون جيدًا أن اللعبة السياسية مغلقة، خصوصًا وأنهم كانوا "جزءًا لا يتجزأ من النظام السابق، ويعرفون مداخل الانتخابات ومخارجها، حتى وإن سلمنا بفاعلية السلطة المستقلة للانتخابات ميدانيًا".

برغم اعتراف المترشّحين الخمسة بقواعد العملية الانتخابية الراهنة، في صيغتها وظروفها الجديدة وبمعطياتها التنظيمية الأقرب للنزاهة مقارنة مع سابق الاستحقاقات الانتخابية في الجزائر، فإن تصريحاتهم وتحذيراتهم بشأن التلاعب بسير الانتخابات والتأثير غير المشروع فيها، يفسر في اتجاهين؛ يتعلق الأوّل برغبتهم في ممارسة مزيد من الضغوط علي السلطة لاستبعاد أي تأثير للإدارة والمؤسّسات الرسمية، ويتعلّق الثاني بتوفير مبرّرات استباقية في حال فشلهم في الوصول إلى كرسي الرئاسة.

في الحالتين، فإن هؤلاء المرشحين يعززون بمخاوفهم مبررات جزء واسع من الشارع الجزائري الرافض للرئاسيات، لاعتبارات تتعلق بالنزاهة نفسها، وغياب شروط كافية لانفلات العملية الانتخابية من سطوة السلطة والنظام القديم، وهم بالتالي يبدون وكأنهم يرفضون خيارهم نفسه، وينقلبون عليه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

محمد شرفي: تزوير الانتخابات مستحيل.. والمعارضة لا تبدو مقتنعة

"سلطة تنظيم الانتخابات".. مكسب في سلّة الحراك الشعبي