24-مارس-2021

الفنان نصر الدين شرقي (فيسبوك/الترا جزائر)

يُصِرُّ الممثل الشاب نصر الدين شرقي (1994) على المضي قُدُمًا في درب نضاله، ويحثّ نفسه والمحيطين به على ضرورة تحقيق ما تبتغيه قناعاتهم، رغم التهديد الذي يواجهه بالسجن لسنة نافذة بتهمة إهانة هيئة نظامية. 

نصر الدين شرقي: بعض مسؤولي أماكن العروض الفنيّة يخافون وجودي وسطها بحكم أني محل شبهة وأن الشرطة تتابع خطواتي 

وعلى ما يبدو، لم تعد هذه التهم والأحكام حكرًا على من ينتهجون درب السياسة والنضال وحسب في الجزائر، فقد امتدت لتشمل فناني وصحافيي ومثقفي البلد أيضًا.

اقرأ/ي أيضًا: ترجمة| عبد القادر علولة: ينتهي بي المطاف غالبًا بشخصية أكثر واقعية من الحقيقية

 

رغم ترقُّبه وقلقه، يخرج هذا الشاب الفتيُّ (ابن المسرح)، مع أمثاله ممن يؤمنون إلى حدّ الساعة بجدوى الحراك الشعبي في الجزائر، رغم مرور أكثر من سنتين منذ انطلاقه، وبالرغم من كل المطبّات التي تعرّضت لها هذه الثورة التي ترفض أن تخبو في قلوب شباب البلد المتعطش للحرية والكرامة والعدالة، فما سرّ هذا الإصرار وسط الآلاف من المُحبطين؟ 

بدأ "نصرو" مشواره التمثيلي سنة 2012، من خلال اشتغاله في الإضاءة المسرحية، ثم ولج دهاليز التمثيل مع فرقة مسرحية هاوية قدمت عروضًا للأطفال وللكبار. 

بعد ذلك، قام الممثل بالعديد من التربّصات في ورشات مختلفة شملت فنون الإخراج بمهرجان المسرح الوطني المحترف، وتربصاتٍ عدة في الفنون الدرامية، الكوريغرافيا،الكتابة الدرامية، التمثيل، طاقات الممثل، فنّ الماريونات وغيرها في العديد من التظاهرات عبر مسارح الوطن. 

 مثَّلَ نصر الدين شرقي في مسرحيات عديدة منها، مسرحية "الصعود نحو الأسفل"، "ما يجمعنا"، "أونتيغون"، "جحا"، "القرص الأصفر"، و"حارس الماء" التي أدى فيها دور البطولة، إضافة إلى أعمال مسرحية أخرى، كما مثل في السينما من خلال دورين في فيلمي "العقيد لطفي" و"أسوار القلعة السبع" للمخرج أحمد راشدي، والفيلمين القصيرين "لا تحاول أن تفهم" و"زوايا". 

يحدثنا الفنان" نصرو" هنا بصدر رحب، ويفتح قلبه لموقع "الترا جزائر" للحديث عن آماله من الثورة الشعبية التي لا يكلّ ولا يمل من المشاركة في مظاهراتها الأسبوعية، كلما سنحت له الفرصة، كما يحدّثنا عن رؤيته للمسرح والفن في ظل الظروف الراهنة، إضافة إلى ما يطمح له من خلال النضال الفني والشعبي الذي تبناه كفنان شاب.

  • هل شاركت في الحراك من منطلق مواطناتيٍّ أو انطلاقًا من نقطةِ أنّ الثورة الفنيّة يجب أن ترافق التغيير السياسي؟ 

في الواقع، كانت وما تزالُ مشاركتي في الحراك الشعبي نابعةً من منطلق مواطناتي كوني فردًا لا يتجزأ من بُنيان الشعب الجزائري، إذ خرجتُ كغيري للمطالبة بدولة العدل والقانون، وابتغاءً للتغيير الجذري، وللقضاء تماما على المنظومة الفاسدة، كما طالبتُ مع غيري ممّن آمنوا بالحراك والتغيير، بضرورة استقلالية القضاء وتحرير العدالة وحرية التعبير.

مع ذلك، بدا جليًّا أن للثورة الثقافية لمسة واضحة داخل الثورة السياسية، وفي قلب الهدف الذي دفعني إلى الخروج وكسر الصمت، وقد تجلى ذلك من خلال إنتاج أعمال فنية شاركتُ فيها، وكان الشارع مسرحها المفتوح، مثل مسرحية "داخلة في الحراك"، إضافة إلى عمل آخر تحدث عن مطالبنا التي خرجنا من أجلها، ونادى بالقضاء على الفساد أينما كان وكيفما كانت أشكاله.

لهذا، نأمل ونسعى جاهدين كفنانين مسرحيين إلى التحضير لأعمال فنيّة أخرى مساندة لهذا الحراك الشعبي، لأننا نؤمن بأن الثورة الشعبية منقوصة دونما تغيير فني وثقافي، يعصف بالبيروقراطيات والفساد واستغلال الفن لخدمة السلطة.

  • هل أثرت مشاركتك في الحراك الشعبي وخياراتك السياسية على عملك الفني والمسرحي؟ كيف تعامل محيطك الفنّي والشخصي مع هذا الخيار؟

في الواقع، لم تؤثر مشاركتي في الحراك على عملي في الفن، فقد كان التهميش في الحقيقة موجودًا قبل هذه الثورة، أي أنني اعتدت على هذا النوع من الإقصاء، ولم يكن ذلك بالأمر الجديد. أما فيما يخص المحيط الفنّي والشخصي، فلم يتغير شيء بصراحة.

في بداية هذا التغيير، كان جلُّ المُنتمين إلى الفنّ متفقين على أن الثورة على الأوضاع السياسية والثقافية والاجتماعية هي الحل، لكن مع مرور الوقت، وبعد انسحاب البعض، واجهتُ بعض العراقيل في هذا المجال، حيث أصبح بعض مسؤولي أماكن العروض الفنيّة يخافون وجودي وسطها، بحكم أني محل شبهة وأن الشرطة تتابع خطواتي وتتابع الأماكن التي أذهب إليها. 

مع ذلك، لم تؤثّر كل هذه العوامل على عزيمتي أبدًا، ربما لأنني أؤمن كلّ الإيمان بالقضية التي خرجت من أجلها. أنا مُستعدّ لأي قدر قد يواجهني بسبب خياراتي.

  • كيف تمت إدانتك بجنحة إهانة هيئة نظامية، وما هي الإجراءات التي اتخذتها بعد إبلاغك بالحكم؟ 

حسنًا، لقد تمت إدانتي يوم 25 تشرين الأوّل/أكتوبر بالسجن لمدّة عام حبسًا نافذًا بتهمة إهانة هيئة نظامية، حيثُ استلمتُ إستدعاءً قبل ذلك ببضعة أشهر من طرف الشرطة، وتم إبلاغي بأني مُتابع بتلك الجُنحة، إضافة إلى الإساءة إلى رئيس الجمهورية.

تم تحرير المحاضر على ذلك الحكم، ومن ثم استُدعيتُ للمحاكمة، وقد التمست النيابة في حقي سنة من الحبس إضافة إلى غرامة بمبلغ 200 ألف دينار عن التهمتين. 

تأجّل النطق بالحكم ليوم 25 تشرين الأوّل/أكتوبر من العام الماضي، وتم حينها تأييد الإلتماس من دون حضوري. بعدها تلقيت الأسبوع الماضي بلاغًا بهذا الحكم الصادر ضدي، وقدمت عبر محاميَّ مُعارضَةً له، وأنا الآن في انتظار برمجة جلسة أخرى للنطق بالحكم النهائي في هذه القضية.

  • يعدّ المسرح من الناحية التاريخية منبرًا لتوعية وتعبئة الجمهور ثقافيًا، اجتماعيًا وسياسيًا، وساحةً للتحفيز على رفض طغيان السلطة. هل تظن أن المسرح الجزائري - بصورته الحالية- قادرٌ على هذا النوع من التوعية؟ 

لقد كان المسرح الجزائري في الماضي منبرًا جديًا للتّوعية الشّعبية، أما الآن، فقد خسر بعضا من رسائله النبيلة للأسف.

أرى أن التسيير الفاسد حارب المسرح بصفة خاصة والفن بصفة عامة، كما شجع الرداءة والأعمال غير الهادفة، لكن - لحسن الحظ- ما يزالُ هناك فنانون ملتزمون بالقضايا المجتمعية وذوي وعي سياسي واجتماعي وثقافي، لم يرضوا بالاستسلام، وها هم يناضلون عن طريق فنهم حتى لو شحّتِ المنابر.

هم هنا، ينشرون أفكارهم الجريئة ونقاشاتهم الثرية عن طريق أعمالهم المسرحية، ونذكر على سبيل المثال أعمالًا عديدة عملت على ذلك، منها على سبيل المثال لا الحصر، مسرحية "خاطيني" للمخرج أحمد رزاق، من إنتاج المسرح الجهوي مستغانم، و مسرحية "القرص الأصفر" من إنتاج المسرح الجهوي معسكر .

  • أسس الكاتب المسرحي أغوستو بوال "مسرح المقهورين" الذي تقوم فكرته على الاتصال بكل الناس المضطهدين المجبرين على الطاعة، والمغيبين عن التعبير. هل يمكن أن ينشأ مسرح مماثل تحت رعاية جيل يرفض الوصاية المفروضة على الثقافة والمسرح في البلد؟

أظنّ أن تأسيس أو حتى التفكير في إنشاء مسرح مشابه ذا توجه مستقل عموما، أمر صعب نسبيا في الجزائر لكنه ليس بالأمر المستحيل، خاصة مع وجود هذه الانتفاضة الشعبية التي مست كل القطاعات، ووصلت نحو الرغبة في تحرير كل مؤسسات الدولة من هيمنة طال أمدها.

لقد صار المواطن العادي حرًّا وشجاعًا في الحديث عن حقوقه والدفاع عنها دونما خوف، رغم كل التهديدات الأمنية التي صارت تخنق الحريات أكثر، بعد أن كان لعقود طويلة حبيس الخوف وعرضة للتكميم ومجبرا على الصمت. 

أعتقد أن "الفنان الحقيقي غير المزيف" أصبح مطالبًا الآن، أكثر من أي وقتٍ مضى، بمضاعفة الجهد في إيصال كل تلك الرسائل النبيلة التي يدافع عنها عن طريق المسرح، وأن يواكب التغيرات الحاصلة في المشهد المجتمعي والسياسي لهذا البلد الذي ما يزال حبيس مخاض ثورةٍ لم تصل بعد إلى أهدافها، لقد صار بإمكان هذا الجيل  تأسيس "مسرح للمقهورين في الجزائر" بهدفِ قهرِ القهر.

  • في رأيك، هل سينجح الحراك في تحرير المسرح والفن عمومًا في الجزائر؟

نصر الدين شرقي: نجاح الحراك الشعبي لن يحرّر الفن والمسرح فقط ولكن كلّ المؤسّسات من قبضة العصابة الحاكمة

 أظن أن نجاح الحراك كفيل- ليس فقط بتحرير الفن والمسرح- إنما سيحرّر أيضًا كل المؤسسات، وإرادة الشعب والوطن من قبضة العصابة الحاكمة، شريطة أن يتكفل المسرح بدوره بمرافقة الحراك ومواكبة مطالبه بالحرية والتملص من هيمنة السلطة على عروضه وخيارات فنانيه، وكذلك، ترجمة مطالبه عبر عروض تليق بمستوى المسرح الجزائري، الذي أخرج ممثلين مناضين عظاما انتقلوا بالمسرح الجزائري في وقت ما نحو درجات راقية ومختلف واكبت فن المسرح العالمي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

المهرجان الجزائري للمسرح المحترف.. دورة متقشّفة

عبد الله بهلول.. أن تمارس المسرح وتدرسه